لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد، وقسم الله بهذه المخلوقات دليل على عظمته وكمال قدرته وحكمته. وقسم الله سبحانه وتعالى بهذه المخلوقات يدل على تعظيمها ورفعة شأنها، مع تضمنها للثناء على الله عز وجل، بما تقتضيه من الدلالة على عظمته، وأما نحن، فلا نقسم بغير الله أو صفاته؛ لأننا منهيون عن ذلك. وهناك مكرمة عظيمة اختص بها الله تعالى الليل؛ حيث تُعتبرُ صلاة قيام اللّيلِ من أعظمِ الطّاعات عند الله تعالى، وهي أيضًا سرٌ من أسرار الطُمأنينة والرِّضا في قلب الإنسانِ المؤمن؛ إذ ترسم نورًا على وجه المؤمن، حيث إنّ الله عز وجلّ يَنزل كلَ ليلة في الثُلثِ الأخير من اللّيل إلى السّماء ِالدُّنيا فيقول: (هل من داعٍ فأستجيبُ لهُ هل من سائلٍ فأعطيهُ، هل من مستغفرٍ فأغفرُ له) حتى يطلع الفجر. وقيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات. ماذا قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في قيام الليل وفي قيام الليل قال "صلى الله عليه وسلم": «أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس» رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني. أما القول في تأويل قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ). (التكوير 17): فقد أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالليل إذا عسعس، واختلف أهل التأويل في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) فقال بعضهم: عُنِيَ بقوله: (إِذَا عَسْعَسَ) إذا أدبر. عن ابن عباس، قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) يقول: إذا أدبر. وقال مجاهد في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) إقباله، ويقال: إدباره. وقال قتادة والضحاك في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ): إذا أدبر. ويروى أن عليًا "رضي الله عنه" خرج بعد ما أذّن المؤذّن بالصبح، فقال: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) أين السائل عن الوتر؟ قال: نعم ساعة الوتر هذه. وقال ابن زيد في قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) عسعس تولى، وقال: تنفس الصبح من هاهنا، وأشار إلى المشرق طلاع الفجر. وقال آخرون: عُني بقوله: (إِذَا عَسْعَسَ) إذا أقبل بظلامه. وعن الحسن (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) قال: إذا غَشِيَ الناسَ. وعن عطية (وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ) قال: أشار بيده إلى المغرب. وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: إذا أدبر، وذلك لقوله: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) فدلّ بذلك على أن القسم بالليل مدبرًا، وبالنهار مقبلا، والعرب تقول: عسعس الليل، وسَعْسَع الليل: إذا أدبر، ولم يبق منه إلا اليسير. المصدر: تفسير الطبري