قال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في دراسة بحثية صادرة اليوم السبت، تحت عنوان "حتى لا يستقطبوهم 2"، إن العاملين والباحثين في مجال الجماعات المتطرفة أثبتوا أن 75% من الشباب الذين كانوا يذهبون إلى سوريا والعراق في الفترة من 2014 حتى 2017؛ لينضمّوا إلى التنظيمات الإرهابية، كانوا ينضمون إلى تنظيم داعش الإرهابي، مقابل 25% كانوا ينضمون إلى الجماعات الإرهابية الأخرى، والسبب الرئيس في ذلك؛ وَفقًا لهؤلاء الباحثين: هو قوّة الآلة الإعلامية لتنظيم داعش في تلك الفترة، مُقارَنةً بالتنظيمات الإرهابية الأخرى. ويستطرد المرصد إذا كانت الآلة الإعلامية والفنون المرئية هي السبب الرئيس الذي يُمَيِّز جماعةً إرهابية عن أخرى في استقطاب الشباب وإقناعهم بفكرهم المتطرف، فإننا أيضًا يمكن أن نحاربهم بالآلة الإعلامية والفنون المرئية التي من خلالها سنقوم بتوعية الشباب ونقنعهم بالفكر المعتدل، كما يأسف المرصد لأنه في الوقت الذي يقوم فيه بعض الفنانين بأعمالٍ هابطة لا تَهدِف سوى تحقيق الربح، فإن الجماعات الإرهابية والمتطرفة قد فَطنت إلى أهمية الفن ودَوره، وخُصوصًا الفنونَ المرئية وقدرتها على التأثير والجذب، فقامت هذه الجماعات ببَثّ العديد من المَقاطِع المُصَوَّرة "الفيديوهات"، التي في أغلبها تأخذ شكل الأفلام التسجيلية، والأُنشودات الغنائية، مُستخدِمةً في ذلك أعلى التقنيات والتكنولوجيا الحديثة والإخراجَ عالي المستوى، الذي يجعل مَن يُشاهدها على الأقل يُعجَب بها، وقد يتطوّر الأمر ويتابعها إصدارًا وراءَ إصدار. ويتساءل المرصد إذا كانت هذه التنظيمات تستطيع أن تستغلَّ الفنَّ هذا الاستغلالَ وهي على باطل، فما بالك لو استغل فنانونا الفنَّ استغلالًا جَيّدًا في توعية المجتمعات ومحاربة الفكر المتطرف، وهم على حق؟ خصوصًا في عصرنا الحاليّ الذي قَلّتْ فيه القراءة، وكثرت فيه المشاهدة، فكما أن الخبر المرئيّ أكثرُ تأثيرًا من الخبر المكتوب، ويستهدفُ قاعدةً أكبرَ؛ فإن العمل الفنيّ المَرئيّ أكثرُ تأثيرًا من المقال أو الخطاب أو حتّى الكتاب، ويستطيع الوصولَ إلى عددٍ كبير من الناس لا يستطيع الكتابُ الوصول إليه؛ لذلك يجب على الفنانين أن يلعبوا دَورًا أكبرَ في محاربة التطرف ممّا يلعبونه الآنَ، وخصوصًا في الأعمال الدرامية التي تدخل البيوتَ وتشاهدها العائلات. فالدراما تستطيع أن تلعب دَورًا تَوعَويًّا كبيرًا في قضايا التطرف والإرهاب؛ إذا تمّ استغلالُها الاستغلالَ الأمثل، عن طريق كتابة نصوص درامية تَسمو بالإنسان، وتُهَذِّب الوِجدان، وتزيد وعي الشباب، وتغرس الوطنية والانتماء في قلوبهم، وتُعَمِّق ثقافة السلام والحوار وتَقَبُّل التعددية والاختلاف في إطارٍ من التسامح، وتَكبح جِماح العنفِ والإرهاب والتوَحُّش، وتُحارب الفكر المتطرف، ويُستشارُ في هذه النصوص الدرامية علماءُ نفْسٍ واجتماع، ومُتخصّصون في الجماعات المتطرفة؛ لأن المؤلف إذا أراد أن يتعرض للجماعات المتطرفة قد يكتب مسلسلًا أو فيلمًا لمحاربة فكرةٍ متطرفة لدى جماعةٍ بعينها، لكنه نظرًا لعدم تخصصه في جماعات التطرف قد يُفَنِّد فِكرَ الجماعة التي يحاربها، لكنه في الوقت ذاتِه -ودون أن يدري- قد يؤكّد ويدعم فكر جماعةٍ متطرفة أخرى، كذلك قد يكتب المؤلف نصًّا بهدف محاربة الفكر المتطرف والإرهاب، لكنه دون أن يدري قد يُشَجِّع فئةً شبابية بعينها على التطرف؛ لذلك إذا أراد كاتبٌ التعرُّض لمثل هذه النصوص، فعليه أن يتجنّب طريقة بعض المؤلفين الذين يُصَوِّرون تاجر المخدرات أو المجرمَ بصفةٍ عامّة على أنه شخصٌ غنيّ، يعيش في أفخمِ البيوت، ويركب أحدثَ السيارات، داهية في التفكير، ومُنَظِّر لديه قدراتٌ هائلة على إقناع الغير، ولديه ذكاء خارق في خداع الشرطة والهروب منها، إضافة إلى براعته في صنع المتفجرات واستخدام السلاح، وكذلك يجب تَجَنُّب إلقاء أسباب الانجراف إلى طريق العنف والإجرام على ظروف وأسباب ليس للمجرم فيها يَدٌ، وإظهار المجرم أو المتطرف وكأنه دُفِعَ إلى هذا الطريق دفعًا، هذا الأمر يجعلُ بعضَ المشاهدين دون أن يَدروا يتعاطفون مع هذا المتطرف، بل وربما يلتمسون له العذر، كما أن هذا الأمر خطير للغاية في التشجيع على التطرف خصوصًا عند المراهقين، ومحدودي الثقافة الدينية الذين تَستهويهم المغامراتُ. كذلك أيضًا يمكن أن تلعب الدراما وغيرُها من الفنون دَورًا مُهِمًّا في قضايا المجتمع السائدة، وعلى رأسها: القضايا الداخلية مثل: قضية الحفاظ على المال العامّ، وتعريف الناسِ حُرْمَةَ التعدّي عليه، كذلك قضايا الحفاظ على الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي والمواد التموينية المدعمة، وغيرها من الخِدمات التي تبذل الدولة جهودًا مُضنية من أجل إيصالها إلى المستحقين، وأيضًا: مشاكل النظافة والحفاظ على جمال الأماكن العامّة والطُّرُق والشَّوارع وعدم إلقاء القمامة فيها، والأخلاقيات العامّة في المواصلات مثل: الحفاظ على المَقاعِد والنَّوافذ والأبواب والقيام لكبار السِّنّ وأصحاب الحالات الخاصّة، وكذلك القضايا الكبرى مثل: الوَحدة الوطنية وتَقَبُّل الآخَر وإحياء ذكرى الأبطال التاريخيين الذين ينبغي على الشباب معرفةُ سيرتهم والاقتداء بهم، والحديث عمّا حقّقوه من أجل وطنهم وما قدّموه من تضحياتٍ من أجل حريته ووصوله إلى ما هو عليه من أمنٍ واستقرار، فلا شَكَّ أن تجسيد هذه القيَم الأخلاقية في أعمالٍ درامية ومسرحية سيساعد على غرْس الانتماء لدى أفراد المجتمع، وسيُعَزِّز حُبَّهم لأوطانهم، الأمر الذي سيجعلهم يخافون ويحافظون عليها بكل ما أوتوا من قوة. يُذكر أن هذه المقالة الثانية ضمن سلسلة "حتى لا يستقطبوهم"، حيث أصدر المرصد الشهر الماضي، "حتى لا يستقطبوهم 1" تناول فيها دور المدرسة في مكافحة التطرف.