نصف ساعة تقريبًا، تفصلك عن الوصول إلى منزل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بقريته "بني مر"، في مركز الفتح، فعبر سيارة أجرة تستقلها من موقف الأزهر بمدينة أسيوط، متوجهًا إلى القرية، ما هي إلا دقائق، وترى نفسك في حضن القرية. في ذكرى وفاة الزعيم جمال عبدالناصر 28 سبتمبر 1970، والتي تحل غدًا الخميس، رصدت "بوابة الأهرام" منزل الزعيم الراحل أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952، التي أطاحت بالملك فاروق، لنقف على ما أصابه من تدهور وإهمال. لدى دخولك إلى قرية الزعيم تشاهد مدارس، ومحال تجارية، ومنازل فخمة، إحداها لأقارب أسرة الراحل، المشهد يوحي بأن القرية نموذجية، ولكن لدى وصولك إلى موقف السيارات والمرور إلى داخل القرية، في اتجاه منزل الزعيم، تجد أن الطرق غير ممهدة، والشوارع ضيقة، والبيوت قديمة، إلا ما ندر من منازل حديثة مبنية بالطوب الأحمر. زاوية أخرى لدوار أسرة الزعيم منزل الزعيم عبدالناصر بأسيوط يشكو "الإهمال" بضع خطوات كانت تفصل بين لافتة مكتوب عليها منزل الزعيم جمال عبدالناصر، وموقف السيارات، ومن هنا بدأت رحلتنا في البحث عن منزل حبيب الملايين، فعبر شوارع طينية، غير متسعة، كانت خطواتنا تقودنا إلى مكان المنزل، وبعد السير على الأقدام نحو 10 دقائق تقريبًا نتحول فيها من شارع للآخر، توقفنا في ساحة صغيرة يتوسطها دوار عائلة "القور" التي ينتمي إليها الرئيس عبدالناصر، وفي مواجهتها مسجد الشيخ سالم، الذي يحوي ضريح الشيخ المذكور في بناء مجاور، حيث بداية الزقاق الذي يضم في نهايته منزل أسرة الزعيم عبدالناصر. ما هي إلا عشرة أمتار تقريبًا، خطوناها حتى وصلنا إلى مدخل منزل الأسرة المهجور في نهاية زقاق عرضه أقل من مترين، حيث استقبلنا باب مفتوح لونه يميل إلى الأخضر الفاتح، وتظهر عليه علامات القدم، والتآكل بفعل الزمن، فإلى اليمين بعد مدخل الباب ترى فسحة كانت تحوي "مصطبة" لم نعثر إلا على بقايا منها، وعلى بعد خطوات قليلة تجد ردهة تأخذك إلى غرفتين متقابلتين ناحية اليمين، أما من الناحية اليسرى في نهاية المنزل، فتجد مكانا متسعا قليلا يبدو أنه كان حظيرة للمواشي، ولدى صعودك إلى الطابق الثاني عبر سلم متآكل درجاته، تجد أربع غرف، يتوسطهم صالة، ومناور لدخول أشعة الشمس والهواء، والمنزل في مجمله مبني من الطوب الأحمر واللبن والطين، ومسقوف بجذوع النخيل والعروق الخشبية، وحوائطه مشققة، وأساساته بالية، ولكن الملفت للنظر أن أسرة الزعيم خشيت من سقوط المنزل المهجور، فقامت بزرع عمود خرساني ناحية اليسار، تدعيمًا لأساساته، خوفا من انهياره. لم يكن منزل الزعيم فقط مهجورًا، وإنما تحول إلى "خرابة" تعج بالأتربة والمخلفات، ولكن دوار عائلته أيضًا أصبح كذلك - علما بأنه كان يعقد فيه الجلسات العرفية- فبعد أن تسلمهما المجلس القروي للإشراف عليهما، والقيام بحراستهما ونظافتهما، انقطع هذا الأمر بقيام ثورة 25 يناير، وغاب الخفير، المكلف بالحراسة، عن مهام عمله، بل ولم يسأل سائل عن المكانين بعد ذلك وفقا لروايات أهالي المنطقة. العم خيري هاشم، رجل سبعيني، تصادف مروره في الشارع، في أثناء عمل التقرير حول منزل الزعيم، ولدى سؤاله عن أسرة عبدالناصر ومنزله، قال إن أسرته تركت هذا المكان، وبنت في أول البلد، والمنزل مهجور هكذا، ولا يهتم أحدًا به، بالرغم أن هناك وفودا من اليمن وتونس وبلاد عربية أخرى تأتي لزيارة المكان. أحد الغرف الداخلية بالمنزل السلم المؤدي لسطح المنزل ويقول عم خيري: الرئيس عبدالناصر، مكانش عنده ماعز ولا ضاني، الكل عنده واحد، المياه دخلها لبلدنا زي أي بلد، وإحنا طلعنا لينا 75 سنة، لقينا البيت بالشكل ده، والمجلس مش بيقوم بتنضيفه". يعود الرجل السبعيني للحديث عن المنزل قائلا: المنزل عبارة عن نصف قيراط، وتربي فيه والد المرحوم جمال عبدالناصر وأعمامه الأربعة "خليل وعطية وسلطان وطه"، والمنزل عبارة عن 4 غرف في الطابق العلوي والصالة، واثنين في الأرضي، وحجرة أخرى كبيرة في نهاية المنزل ناحية اليسار. وفي سنة 1968 جاء عبدالناصر للبلد ومعه عبدالحكيم عامر والبغدادي، وكانوا سبعة من المسؤولين معه، ودخل المنزل، وسلم على أعمامه وأبنائهم الذين يسكنون فيه، ولم يجلس طويلا، وغادر مباشرة، وبعد وفاة عبدالناصر، زار الرئيس السادات المنزل، وجلس على مصطبة في مدخل الباب، لتقديم واجب العزاء لأسرة الزعيم الراحل، وبعدها بفترة تركت هذا المنزل، وبنوا في أول البلد، والمجلس القروي أهمله، وهذا عائد لإهمال المحافظ للمكان. يتمنى الرجل السبعيني تحويل المنزل إلى متحف، يضم بعض من مقتنيات الزعيم، لأنه بيفكره بالزمن الحلو، وقت ما كانت الناس بتحب بعضها، الله يرحم عبدالناصر ساوى الناس كلها بروس بعض، وفرق على الفقرا أراضي، ولكن الناس دلوقتي ملقياش الأكل، بتفطر ويدوب بتحصل العشاء، وياريت يكون حُكامنا "سِنة" من عبدالناصر. ويقول الحاج محمد طه حسين خليل، ابن عم الرئيس جمال عبدالناصر، إن هذا المنزل ملك الحاج "حسين خليل" جد جمال عبدالناصر، وهو مسقط رأسه، والتحق جمال فور تخرجه في سلاح المشاة، بالمنطقة الجنوبية العسكرية بمنقباد بمركز أسيوط، وكان جدي الحج حسين، وقتها يقوم بعمل "عزومات" للزعيم وزملائه في الجيش، داخل هذا المنزل، الذين اعتادوا المجيء إليه، لقضاء أوقات الإجازة فيه. محرر بوابة الأهرام مع أحد جيران أسرة الزعيم جمال عبد الناصر أعلي سطح الدوار مشهد للمنزل من الداخل وأشار ابن عم عبدالناصر إلى أن الرئيس زار القرية نحو 4 مرات، بينما زار نجله المرحوم خالد عبدالناصر المنزل مرة أو اثنين، يأتي هذا في الوقت الذي لم تنقطع فيه زيارات المهندس عبدالحكيم عبدالناصر عن القرية. ويشير المهندس محمد عبدالجليل النجار، سكرتير عام أسيوط، إلى أنه سيقوم بتكليف رئيس مركز ومدينة الفتح، الذي يقع المنزل في نطاقها، بالنظر في الأمر، وعمل اللازم. وتوضح المهندسة نبيلة علي، رئيس مركز ومدينة الفتح، قائلة: سنزور المنزل، ونحاول رفع المخلفات به، ولأن المنزل مازال ملك للورثة، فبالتالي ليس لدينا السلطة أو الحق في حراسته أو دخوله لتنظيفه، وتقتصر عملية النظافة على الشارع أو الساحة التي أمام المنزل، مشيرة إلى رفع مذكرة للمحافظ وإدارة التنشيط السياحي لتخصيص المكان كمزار ومتحف يضم بعض من مقتنيات الزعيم عبدالناصر. يذكر أن جمال عبدالناصر حسين، هو ثاني رؤساء مصر، تولى السلطة من سنة 1956 إلى وفاته في 28 سبتمبر 1970، وهو أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952، التي أطاحت بالملك فاروق. ولد عبدالناصر في 15 يناير عام 1918 في منطقة "باكوس" بالإسكندرية، والتحق بالجيش، في منتصف الثلاثينيات، وتزوج من السيدة تحية كاظم (1944–1970)، وأنجب منها خالد عبدالناصر، وهدى عبدالناصر، ومنى جمال عبدالناصر، وعبدالحكيم عبدالناصر، وعبدالحميد عبد الناصر. لافتة تشير إلي منزل الزعيم السلم المؤدي إلي سطح المنزل من زاوية أخري بعد ختام قمة جامعة الدول العربية سنة 1970، تعرض الرئيس عبدالناصر لنوبة قلبية وتوفي، وشيع جنازته في القاهرة أكثر من خمسة ملايين شخص، ويعتبره مؤيدوه في الوقت الحاضر رمزًا للكرامة والوحدة العربية والجهود المناهضة للإمبريالية. .