اصطحبنا علي عطية حسين ابن عم الزعيم جمال عبدالناصر إلي منزله والذي يقع في قلب قرية بني مر بجوار المندرة التابعة للأسرة الخاصة باستقبال الضيوف بمنطقة تسمي بالرهبة.. بيت الزعيم عبدالناصر يضم طابقين بنافذة واحدة في الوجهة التي تآكل طلاؤها الجيري والأسمنتي من عوامل التعرية وأسفلها مدخل المنزل المكون من مجموعة ألواح خشبية. المنزل عندما تراه من الخارج من الوهلة الأولي لا تتخيل أنه كان محلاً لميلاد عبدالناصر رئيس مصر وزعيم الأمة العربية الذي بني السد العالي وقام بتأميم قناة السويس وطرد الاحتلال الإنجليزي من أرض المحروسة وذلك بسبب شدة بساطته وتواضعه. «علي» ابن عم الزعيم قال: إن المنزل تم بناؤه عام 1905 حيث بناه جده الحاج حسين خليل وكان يعتبر في هذه الفترة من أحسن البيوت بالقرية ويمثل البيت من الخارج والداخل رمزًا حقيقيا للبيت الصعيدي البسيط بكل تفاصيله. عدنا لنمسك بمفتاح باب المنزل لنشعر بأننا نمسك مفتاح القرية بأكملها واستكمل ابن عم الزعيم قائلاً: «يقابلنا علي اليمين مباشرة مصطبة كثيراً ما جلس عليها الزعيم عبدالناصر هو والضباط الأحرار عندما كان بمنطقة منقباد وكثيراً ما تناولوا عليها وجبة الفطير الصعيدي المشلتت وكثيراً أيضا ما يذكرها في جلساته الخاصة حيث كان يجد في جلوسه عليها الراحة التي لم يجدها علي كراسي قصور الرئاسة». وتابع: بالدخول أكثر للبيت نجد صالة كبيرة يميناً تتوسطها مصطبة أخري أكبر من الأولي كانت خاصة بجدة الزعيم حيث كانت دائماً تجلس عليها هي ونساء المنزل وتقبلت عليها واجب العزاء في الزعيم الراحل من الرئيس السادات. ويكمل ابن عم الزعيم وصفه لباقي جنبات البيت قائلاً: توجد بجوار المصطبة غرفتان إحداهما علي اليمين وأخري علي اليسار مخصصتان كمخزن للمنزل. ثم يقودنا «علي» لعمق آخر داخل البيت من باب آخر يقابلنا في الوجه لنجد المرحاض الذي يقع أسفل سلم البيت المصنوع من الطوب والأسمنت الذي تآكلت بعض درجاته ليوصلنا للطابق الثاني للبيت الذي يحتوي علي أربع غرف للنوم، اثنان علي اليمين واثنان علي اليسار يتوسطها صالة كبيرة. وإلي هناك انتهت رحلتنا داخل منزل الزعيم لنغلق الباب خلفنا ونستمع من ابن عمه لأسماء أهم الشخصيات التي زارت هذا المنزل. حيث قال: زارت بيت الزعيم شخصيات مهمة كثيرة علي مستوي العالم وزاره سفراء ووزراء ومحافظون وقيادات سياسية ووفود شعبية. وأضاف: من الزيارات التي جاءت لبيت الزعيم كانت زيارة وزير خارجية ألمانيا وقت حكم السادات وقال وقتها: إن هذا البيت يثبت أن هذا الرجل عاش من أجل شعب مصر والوطن العربي وليس من أجل ذاته ولا لأجل أسرته. وأشار ابن عم الزعيم إلي أن «السادات» زار أيضًا البيت بعد أن أصبح رئيسًا للبلاد لتقديم واجب العزاء لأسرة الزعيم جمال عبدالناصر حيث نظر للمنزل واجهش بالبكاء هو وأعضاء مجلس قيادة الثورة ومن رافقه في الزيارة من قصر الرئاسة وقال لهم: انظروا إلي هذا المنزل المبني بالطوب الأحمر والطوب اللبن والمسقوف بالجريد وأفلاق النخيل كان بمقدور عبدالناصر أن يبنيه طوبة من ذهب وأخري من فضة لو باع ضميره وباع شعبه وخضع للدول الأوروبية. واستكمل قائلاً: قبل أن أنسي لقد زار البيت أيضا الرئيس المخلوع حسني مبارك عام 1987 في زيارة خاصة وعند دخوله قرية بني مر بلد الزعيم وقد غبر التراب ملابسه قال لمن حوله إن هذا التراب أطهر تراب علي أرض مصر لأنه وطأته قدم الزعيم جمال عبدالناصر صاحب أنقي قلب وأطهر يد. تصافحنا مع ابن عم الزعيم عبدالناصر وعدنا لنلتقي مع أبناء عائلته وقريته الذين عرفوه عن قرب. فسرد لنا حسين عطية حسين ابن عم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قصة إحدي زياراته هو ووالده للرئيس في بيته وكانت هذه الزيارة تحمل في طياتها معاني كثيرة وصورًا تعبر عن شخصية الزعيم وعن علاقته بأهله.. حيث قال: كان وقتها عمري 17 عاماً وكانت زيارتنا له يوم 1969/12/23 في عيد النصر وكنت وقتها أظن أن الأموال التي يخرجها البنك موجودة في منزل ابن عمي الزعيم عبدالناصر وتخرج إلينا من منزله فكنت أتوقع أن يملأ لي جوالين من الأموال نأخذها معنا لبني مر لأننا من أسرة متوسطة فعندما قلت له ذلك ضحك وقال: يا ابن عمي أنا لا أملك مما تراه إلا راتبي فإذا كنت أنت وأخوتك محتاجين أي شيء فسوف أعطيكم إياه من راتبي، وبعد ذلك أرسل إينا بالفعل 30 جنيهاً شهرياً من راتبه الخاص كمساعدة فقلنا له هذا أفضل عندنا من أموال الدولة كلها. ويضيف ابن عم الزعيم: بعدها التفت عبدالناصر إلي والدي وقال له يا عمي قول لحسين إننا من أسرة فقيرة ولسنا بشوات، ثم قال الكرسي الذي تجلس عليه يا حسين في صالون منزلي بمنشية البكري ليس ملكي إنه ملك الدولة أما أملاكي فهي المصطبة الموجودة بمنزل والدي بقرية بني مر وقطع حديثه وسأل والدي هل مازالت موجودة فأجابه نعم فقال هذه المصطبة كنت أذهب واجلس عليها وأنا طفل صغير وكان عمري 5 سنوات عندما كان والدي يعمل ببريد أسيوط وكان عمي عطية يأخذني كل أسبوع لأنام في حضن جدي وألعب علي المصطبة. وأضاف: ابن عم الزعيم: تجدد الحديث بيننا حيث قلت للزعيم أنا أذاكر علي لمبة جاز نمرة عشرة وأذهب إلي المدرسة بعجلة، فابتسم الزعيم وقال: أنت أفضل مني حالا،ً فتعجبت ونظرت إليه بدهشة، فرد قائلاً: أنا كنت أذاكر علي لمبة بعويل وأذهب إلي مدرستي ماشياً وهذا صنع مني رجلاً فأرجو منك يا ابن عمي ألا تعتمد علي أحد لتكون رجلاً. وانتقل حسين لقصة أخري للزعيم قائلاً: عندما كان الرئيس ضابطاً بمنقباد دعاه جده هو والضباط الأحرار وكان يوم جمعة حيث استعان بأحد الطباخين الذين يعملون لدي البشوات وطلب منه عمل سفرة تشرف حفيده أمام زملائه فجاء جمال ولم يكن يتخيل أن جده سيعد له تلك المائدة وبعد أن أخذ ضيوفه واجبهم قال جمال عبدالناصر لجده: أنا كلفتك كثير يا جدي شكراً وطلب منه الدعاء له وكان هذا في عام 1948 فقال جده: روح يا جمال يا واد ولدي يعطيك الله أعلي رتبة ويجعلك حاكم مصر. ويتجاذب معنا أحمد حسن خليل أطراف الحديث ليسرد لنا حكاية سماعها عن الزعيم فيقول: عندما كنت في ليبيا سنة 1990 وكنت أعمل مدرساً وهناك قابلت رجلاً سوريا قال لي لو تعرفواجمال عبدالناصر علي حق لوضعوه أمام أعينكم دوما فقلت له: لماذا فقال: إن هناك أميرًا كويتيا تبرع له بنصف مليون جنيه لبناء منزل له بالقاهرة ليليق به كزعيم للعرب فقبل الرئيس التبرع وأمر وقتها وزيرة الشئون الاجتماعية أن تجمع الفتيات المسجلة بالأحداث وأقام لهن بهذه المنحة مصنع تريكو للعمل فيه وبعد 8 أشهر من عمل المصنع حضر الأمير الكويتي إلي مصر وقابل الرئيس وقال له: إذا كان المنزل يحتاج لأموال أخري أنا مستعد فطلب منه الرئيس زيارة المنزل الذي تبرع له. فوجده مصنع تريكو فانبهر ونظر لجمال بإعجاب واحترام شديد وقال: إن كان هذا جميل لكن المال كان لك أنت، فأجابه جمال: أنا لست في حاجة لمنزل بل نحن في حاجة لرفع الشعوب العربية والارتقاء بمعيشتها. أما عبدالناصر طه ابن عم الزعيم فقال: إن والده زرع أراضي طرح النهر وعندما علم عبدالناصر أن عمه أخذ أرض ملك للدولة أصدر قرارًا للمهندس سيد مرعي وزير الزراعة وقتها برد جزيرة بني مر بما فيها من زراعة للدولة وتوزيعها علي أسر المجندين والمعدومين وتم توزيعها بالفعل بما فيها الأرض التي أخذها عمه. والتقينا بابن عم آخر للزعيم هو الذي قال إن جمال عندما ذهب لتقديم أوراقه بالكلية الحربية دون وساطة سأله الضابط من وسطتك فأشار لأعلي الله فقال له الضابط: روح مع السلامة علي بيتكم، وقتها ذهب لعمه وعندما فتح الباب سأله عن سبب البكاء فأجابه جمال: لم يقبلوني بالكلية فطبطبت عليه وقال أنا هجيب لك وسطة واستكمل قائلاً: كانت وسطته واحد باشا اسمه عبدالوهاب من قرية بني محمد فأخذ منه كارت ودخل به المقابلة في تاني سنة ليقدمه قبل أوراقه وقبل علي الفور.