يبدو أن اللعنة، قد أصابت أسواق الملابس المستعملة هذا العام، حيث خيمت حالة من الركود على حركة البيع والشراء، تزامنًا مع ارتفاع الأسعار، ووكالة البلح، إحدى المناطق التي يلجأ إليها المصريون، متوسطو ومعدومو الدخل، لشراء ملابسهم في الأعياد والمناسبات، أصبحت خاوية من المارة الذين كانت تتزاحم بها طرقاتها الضيقة. في الشمس اللافحة، وقف محمد ذلك الشاب العشريني، يرص بضاعته بشكل جذاب، هنا ملابس الأطفال الملونة والمزينة بالخرز والورود، وهناك عباءات حريمي، قال بنبرة لا تخلو من اليأس، "العيد السنة دي مش هيبقى ليه طعم زي كل سنة.. المكسب شحيح أوي"، يمسك بقميص أطفال، ويلوح به، لسيدة تمر من أمامه ومعها أطفالها، لا تلتفت إليه وتكمل طريقها. يضيف، تربيت في الوكالة يوم أن كان الجنيه له قيمة، والمكسب وفير، والبضاعة يتم خطفها من الزبائن في إشارة منه إلى رواج حركة البيع والشراء، لافتًا إلى أن ارتفاع سعر الدولار جعل المستورد غاليًا على الزبون، فأصبحوا يلجأون إلى الملابس المصنوعة من خامات رديئة –البوليستر-حتى تكون أسعارها مناسبة. في عام 1880، قرر 15 تاجرًا من مصر وسوريا وفلسطين، إنشاء سوق وكالة البلح، ومع الوقت، تمت توسعة السوق وزاد عدد التجار، وذاعت شهرة الوكالة، ليصبح سوقًا شعبيًا لا مثيل له، وفي الثلاثينات، باع اليهود محلاتهم، بعد أن مرت مصر بحالة ركود اقتصادي، وأخذت حينها الوكالة اتجاهًا في بيع الملابس المستعملة، وكانت في البداية تسمى بسوق "الكانتو"، واستمر بها هؤلاء التجار حتى الخمسينيات، ثم اشترت الوكالة عائلة من صعيد مصر، ومن ثم تعددت محلاتها. رصدت عدسة "بوابة الأهرام" بالوكالة ركودًا واضحًا، على الرغم من اقتراب عيد الأضحى المبارك، الذي يعتبره التجار ذروة الموسم بالنسبة لهم ؛ وعزا التجار حالة الركود الحالية لارتفاع أسعار الملابس بعد تحرير سعر الصرف، والذي تسبب في ارتفاع كبير في أسعار هذه الملابس المستوردة. يقول سعيد محمد- تاجر- إن تكاد حركة البيع تتوقف في السوق، بسبب ارتفاع الأسعار بأكثر من 300%، علي حد قوله، لبعض أنواع الملابس الجاهزة، ما أثر بصورة مباشرة على دخل صغار التجار في معظم الأسواق. وتابع ل"بوابة الأهرام"، أن غياب المنتج المحلي المدعوم من الأسواق، واعتمادنا على استيراد الملابس من الخارج، أدى إلى تفاقم المشكلة، مطالبًا، بتخفيض الجمارك على الملابس الجاهزة. وأوضح، أن معظم الملابس الموجودة قادمة من الصين، وكانت تباع العام الماضي من 15:20 جنيهًا، بينما هذا العام تباع من 70: 100 جنيهًا. وقال نبيل خميس، تاجر بالسوق، حركة البيع تراجعت 90% هذه الأيام، مقارنة مع الأعوام الماضية، مشيرًا، إلى أن أولويات الزبائن اختلفت أمام موجة الغلاء الحالية، فالكثير من زبائن هذه الأسواق من الطبقة المتوسطة، وأصحاب الدخل المحدود، والذين لم يعد شراء الملابس الجديدة ضمن اهتماماتهم، خاصة أن هناك أولويات ملحة مثل توفير الطعام والتنقل والتعليم للأسرة. هشام موسى، أحد زبائن بالسوق، ورب أسرة مكونة من 5 أفراد، يقول ل"بوابة الأهرام" إن زيادة الأسعار تخطت مقدرة الكثيرين من الموظفين، وأصحاب المعاشات، والذين ليس لديهم أي دخل إضافي، مشيرًا إلى أن راتبه الشهري لا يتعدى 3 آلاف جنيه فقط، وأنه مع ارتفاع الأسعار، فإن ميزانيته ستتأثر بشدة هذا الشهر. وأشار إلى أنه اضطر لشراء ثلاث قطع مختلفة، بحوالي 300 جنيه، موضحًا، أن لم يكن يتوقع أرتفاع الأسعار بوكالة البلح، والتي كانت مقصدًا لمحدودي الدخل والفقراء. وأكد، أن صغار التجار لا ذنب لهم في حالة الغلاء الحالية، لأن الأسباب معروفة للجميع، وفي مقدمتها، تحرير سعر صرف الجنيه، واستغلال كبار المستوردين لهذه الظروف، ورفع أسعارهم بطريقة تضاعف من دخلهم، وطالب موسى، بضرورة النظر في جمارك بعض السلع والملابس المهمة، وتفعيل الدور الرقابي حتى مرور هذه الظروف. فيما لفتت فاطمة-ربة منزل-إلى أنها لن تشتري ملابس العيد لأولادها هذا العام، خاصة، وأن ميزانيتها لن تكفي، مشيرة إلى أن زوجية يعمل ب"اليومية" في أحد مصانع البلاستيك، ولا يتعد دخلهم الشهري ال2000 جنيه، وأن العيد يتزامن مع موسم المدارس ومصاريفها وشراء الأدوات المكتبية والمدرسية. وأكدت فاطمة ل"بوابة الأهرام"، أنها لديها ثلاثة أطفال في المرحلة الابتدائية، وأنها بحسبة سريعة، بعد أن رأت الأسعار بالوكالة، أيقنت أن الميزانية ستتعدى ال1000 جنيه، لذا قررت أن تنصرف دون أن تشتري. لماذا يمتنع المصريون عن شراء ملابس العيد من "وكالة البلح" هذا العام؟| فيديو