انطلقت صباح اليوم الجمعة، أعمال المؤتمر السادس للجنة الإيمان والنظام التابعة ل مجلس الكنائس العالمي، في مركز لوغوس للمؤتمرات الكنسية بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون – مصر، وسط أجواء روحية ومسكونية عكست عمق الحوار والتعاون بين الكنائس من أجل تعزيز الشهادة المسيحية المشتركة في عالم اليوم. شهدت الجلسة الافتتاحية كلمة رسمية لقداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، رحّب فيها بالوفود المشاركة من مختلف الكنائس، مشيرًا إلى أن احتضان مصر لهذا الحدث يعكس دورها التاريخي كأرض مقدسة ومهدٍ للرهبنة ومصدر إلهامٍ للحياة الروحية في العالم. مجمع نيقية... حجر الأساس للعقيدة المسيحية استهلّ البابا تواضروس كلمته بالتأكيد على أهمية المجامع الكنسية في تاريخ الإيمان المسيحي، مشيرًا إلى أن مجمع الرسل في أورشليم شكّل البذرة الأولى للفكر المجمعي القائم على الحوار والإرشاد الإلهي. ثم تناول قداسته مجمع نيقية المسكوني الأول (325م)، موضحًا أنه انعقد بدعوة من الإمبراطور قسطنطين الكبير لتحقيق وحدة الإيمان بعد ظهور انقسامات عقائدية حادة، حيث شارك فيه 318 أسقفًا من أنحاء العالم، وكان للكنيسة القبطية، ممثلة في البابا ألكسندروس والشماس الشاب أثناسيوس الرسولي، دور محوري في صياغة العقيدة الجامعة. وأشار البابا إلى أن المجمع أقرَّ قانون الإيمان النيقاوي الذي ثبّت ألوهية الابن ووحدة الجوهر الإلهي، كما وحّد موعد عيد القيامة وأصدر قوانين كنسية لتنظيم الحياة الكهنوتية. من نيقية إلى اليوم: وحدة الإيمان ومسيرة الحوار وأوضح البابا تواضروس أن مجمع نيقية لم يكن مجرد حدث لاهوتي، بل محطة تاريخية أسّست لهوية الكنيسة الجامعة، إذ أرسى مبدأ أن الإيمان يُحدَّد من خلال المجامع الجامعة لا بالآراء الفردية. وأضاف أن الذكرى ال1700 للمجمع تمثّل فرصة لتجديد الالتزام بالإيمان الرسولي والانفتاح على الحوار البنّاء بين الكنائس، قائلًا: "استذكار مجمع نيقية ليس احتفالًا بالماضي، بل دعوة متجددة للثبات في الإيمان والسعي نحو الوحدة المبنية على الحق والمحبة." وأكد قداسته أن الوحدة المسيحية الحقيقية تقوم على الشركة الكاملة في الأسرار الإلهية، مستشهدًا بقول الكتاب المقدس:«ربّ واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة» (أف 4:5). الحوار اللاهوتي... طريق نحو الفهم المشترك وشدّد البابا على أهمية الحوار اللاهوتي المعاصر كوسيلة لفهم أعمق للإيمان الواحد، مشيرًا إلى أن الحوار ليس جدلًا أو فرضًا للرأي، بل إصغاء متبادل وشهادة للحق في روح المحبة. وقال : "كما اجتمع آباء نيقية بروح الشركة لصياغة تعبير مشترك للإيمان، تُدعى الكنيسة اليوم إلى حوار يقوم على الفهم والاحترام المتبادلين في إطار الإيمان الواحد." الكنيسة القبطية... شهادة حية على ثبات الإيمان وفي ختام كلمته، عبّر البابا تواضروس الثاني عن سعادته باستضافة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لهذا الحدث العالمي في أرض مصر، موضحًا أن وادي النطرون كان وما زال منارةً روحية للعالم أجمع. ودعا المشاركين إلى التعرف على الكنيسة القبطية العريقة التي حافظت على إيمانها المستقيم وتراثها الآبائي العميق عبر العصور، وإلى اكتشاف مصر التي "احتضنت الإيمان منذ فجر التاريخ، ومنها انطلقت الرهبنة إلى العالم أجمع". واختتم البابا كلمته بالدعاء من أجل أن يثمر المؤتمر ثمارًا جديدة على طريق الوحدة المسيحية، قائلًا:"فلنرفع قلوبنا بالشكر لله الذي جمعنا في هذا اللقاء المبارك، طالبين أن يمنحنا روح الحكمة والفهم لنواصل المسيرة نحو تحقيق وحدة الإيمان في الحق والمحبة." حدث تاريخي في قلب مصر يُعدّ المؤتمر السادس للإيمان والنظام من أبرز الأحداث في مسيرة مجلس الكنائس العالمي، إذ يجتمع فيه قادة الكنائس وخبراء اللاهوت من مختلف أنحاء العالم لمناقشة قضايا الإيمان والوحدة الكنسية في عالم يتحدّى القيم الروحية والإنسانية. يأتي انعقاد المؤتمر في مصر ليؤكّد مكانتها التاريخية كجسرٍ روحي يجمع الشرق والغرب، وكمنارةٍ للإيمان المسيحي في العالم.