تستضيف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الخميس، في مركز لوجوس بوادي النطرون، أولى جلسات اجتماع لجنة الإيمان والنظام التابعة لمجلس الكنائس العالمي (WCC)، في حدث كنسي دولي يعكس روح الحوار والوحدة والانفتاح بين الكنائس. ويأتي اللقاء افتتاح المؤتمر العالمي السادس للإيمان والنظام، المزمع عقده غدًا الجمعة، ليشكّل مساحةً للتلاقي وتبادل الرؤى بين الكنائس من مختلف التقاليد المسيحية، حول حضور الإيمان المسيحي في عالمنا المعاصر، وتعزيز الشهادة المشتركة في خدمة الإنسان وبناء السلام. احتفال مرور 1700 عام على مجمع نيقية يحمل الحدث رمزية تاريخية وروحية كبيرة، إذ يتزامن مع الذكرى ال1700 لانعقاد مجمع نيقية المسكوني الأول عام 325م، الذي أرسى أسس الإيمان المسيحي الجامع وصاغ قانون الإيمان النيقاوي الذي تتلوه الكنائس حتى اليوم. وبين نيقية ووادي النطرون، تمتدّ مسيرة إيمان وحوار تجمع الكنائس في شهادة مشتركة للحق، ومسار نحو تجديد الرسالة في عالمٍ تزداد فيه الانقسامات والتحديات.
تحضيرات المؤتمر العالمي السادس خلال اجتماع اللجنة، استعرض المشاركون التحضيرات النهائية للمؤتمر، وناقشوا نتائج مجموعات الدراسة اللاهوتية، كما وضعوا خارطة طريق جديدة لمرحلة ما بعد المؤتمر، تركز على تعزيز الحوار البنّاء وخدمة المجتمع، ومواجهة خطابات الكراهية والانغلاق بروح الاحترام المتبادل والإصغاء المشترك. وقالت الدكتورة ستيفاني ديتريش، رئيسة لجنة الإيمان والنظام بمجلس الكنائس العالمي: "الاحتفال بمرور 1700 عام على مجمع نيقية يذكّرنا بإيماننا المشترك ورسالتنا الواحدة كجسد المسيح الحي في عالمٍ تمزّقه الانقسامات، نحن مدعوون إلى السير معًا في طريق الحوار والمصالحة ليقودنا الروح القدس نحو بناء عالم أكثر عدلاً وسلامًا". مغزى استضافة مصر.. أرض التاريخ والروح من جانبه، أوضح الدكتور أندريه يفتيتش، مدير لجنة الإيمان والنظام، أن استضافة الاجتماع في مصر تحمل بعدًا رمزيًا وروحيًا عميقًا، قائلًا: "اللقاء في مصر ليس مجرد تحضير لمؤتمر عالمي، بل حدث يعبّر عن لقاء الكنائس في أرضٍ غنية بتاريخها الروحي العريق. المؤتمر السادس يمثل لحظة تأمل مشتركة لتجديد حضورنا المسيحي في العالم اليوم. ونحن ممتنون للكنيسة القبطية الأرثوذكسية على ضيافتها الكريمة ومشاركتها الفاعلة". جذور المشاركة القبطية في الحركة المسكونية تأتي استضافة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لهذا اللقاء كامتدادٍ لمسيرة تاريخية بدأت منذ عام 1937، حين شاركت الكنيسة لأول مرة في مؤتمري الإيمان والنظام والحياة والعمل في إدنبرة وأكسفورد، اللذين مهّدا لتأسيس مجلس الكنائس العالمي عام 1948. وفي العام ذاته، مثّل القمص إبراهيم لوقا الكنيسة القبطية في المؤتمر التأسيسي للمجلس، وقدم بحثًا لاهوتيًا عن الكنيسة القبطية نال إعجاب المشاركين، فتمت طباعته وتوزيعه رسميًا كوثيقة تعريفية بالكنيسة ودورها التاريخي. ورغم الانتقادات التي وُجهت له، أكّد القمص إبراهيم لوقا أن: "اللقاءات المسكونية ليست تنازلاً عن الإيمان، بل فرصة للشهادة لكنيستنا القبطية وخدمتها للعالم بروح المحبة والتفاهم". حضور قبطي متجدد عبر الأجيال تواصلت المسيرة مع القمص مكاري السرياني (الأنبا صموئيل لاحقًا)، الذي شارك في الجمعية العمومية الثانية لمجلس الكنائس العالمي عام 1954 بالولايات المتحدة، وكرّس حياته لخدمة الإنسان وبناء الجسور بين الكنائس حتى نياحته عام 1981. ويأتي اجتماع لجنة الإيمان والنظام اليوم كحلقة جديدة في هذه المسيرة الممتدة، التي تربط بين أصالة التراث القبطي ومسؤولية الحاضر المسكوني. وادي النطرون.. منارة للحوار والسلام يحمل وادي النطرون رمزية خاصة باعتباره مهداً للرهبنة القبطية وواحدًا من أقدس الأماكن المسيحية في العالم، ليصبح اليوم منصة للحوار والتأمل في كيفية تجديد رسالة الكنيسة في زمنٍ يعجّ بالصراعات والتحديات. ويُعدّ هذا اللقاء هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط وإفريقيا، في إشارة إلى الدور المتنامي للكنيسة القبطية في تعزيز التفاهم وبناء السلام بين الشعوب والكنائس.
البابا تواضروس الثاني: المؤتمر تكريم لآباء الإيمان واحتفاء بتاريخ الكنيسة وفي كلمته خلال الاجتماع الأسبوعي، أعرب البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عن سعادته بانعقاد المؤتمر في مصر، قائلًا: "الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تستضيف لأول مرة مؤتمرًا دوليًا لمجلس الكنائس العالمي، ولأول مرة يُعقد مؤتمر لجنة الإيمان والنظام في كنيسة شرقية أرثوذكسية بإفريقيا." وأضاف، "اختيار مصر يحمل دلالة رمزية كبيرة، فمجمع نيقية انعقد أصلًا لمناقشة بدعة نشأت في أرض مصر، واستضافة المؤتمر اليوم تكريم للقديسين البابا ألكسندروس والبابا أثناسيوس الرسولي، رأينا أن أفضل تكريم لهما أن تأتي كنائس العالم إلى مصر لتحتفل بتاريخ كنيستنا القويم". وأكد أن المؤتمر لا يهدف إلى وحدة الكنائس، بل إلى تعزيز علاقات المحبة والشراكة بينها، موضحًا أن الحوارات العقائدية تظل في إطار اللقاءات اللاهوتية الرسمية التي يعقدها المجمع المقدس مع مختلف الكنائس. مصر تحتضن الحوار من قلب الرهبنة واختتم البابا تواضروس كلمته قائلًا: "نحن سعداء بأن تستضيف مصر هذا المؤتمر العالمي في حضن دير القديس الأنبا بيشوي، أحد أقدم الأديرة في العالم، ليشاهد ضيوفنا عن قرب أصالة الكنيسة القبطية وعمقها الروحي، إنه حدث مفرح أن يُقام المؤتمر السادس للإيمان والنظام هنا على أرض مصر." من نيقية إلى وادي النطرون.. مسيرة إيمان وحوار من أدنبرة عام 1937 إلى وادي النطرون عام 2025، تمتد المسيرة القبطية كجسرٍ حيّ بين الكنائس والشعوب، حاملةً رسالة محبة وسلام، فالكنيسة التي حفظت الإيمان بدماء شهدائها، تقدّمه اليوم للعالم في صورة حوارٍ وانفتاحٍ وخدمةٍ للإنسان، لتبقى شاهدًا أمينًا وشريكًا فاعلًا في مسيرة الرجاء المسيحي حول العالم.