د. مجدي العفيفي المرأة والسياسة.. عبارة ربما تبدو متناقضة.. أليس كذلك؟ لا.. ليس كذلك، فإن للعبارة وجهًا آخر، يتجلى حقيقة إنسانية وتاريخية، في المرجعية العرفية والمعرفية، التي يتبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بل هي العلامة البينة، واللحظة الفارقة، بين الوهم والحقيقة، في النظرة والناظر والمنظور، أو يفترض ذلك. السؤال: إلى أي مدى تتواجد المرأة على المسرح السياسي؟ قد يبدو هذا السؤال استنكاريًا، وإن أراد أن يلقي بظلال توحي بإنجاب سؤال آخر: وما الذي يعيق شوط المرأة في هذا السباق؟. يقولون إنه من غير المألوف، أن نجد المرأة على الساحة السياسية، لماذا؟ لأن السياسة مسرح للرجال فقط، ولا أن نجدها في الحرب أيضًا؛ لأن الحرب هي استمرار للسياسة، ولكن بأساليب أخرى. فهل هذه الصورة ليست أكثر من وهم، أو ينبغي أن لا تكون كذلك؟ هل لأنها من صنع الرجل، والرجل هو الذي يؤرخ؟ لكن هذه الصورة تغيرت تمامًا، فهناك محاولات مستمرة لإنصاف المرأة وبيان دورها الخطير في الحياة والمجتمع، وفي حياة الرجال العظماء، لقد اتجهت إلى الاقتصاد، وتفوقت في مجالات علم النفس والاجتماع والدراسات الإنسانية، والعلوم الحديثة، لكن لا تزال السياسة كعلم وفن وممارسة، شاقة على المرأة.. هكذا يرى الرجال، والجملة الأخيرة للكاتب الراحل أستاذي "أنيس منصور" الذي كان مناوشًا للمرأة وعاشقًا أيضًا، وإن ارتدى عباءة العداوة لها لكن لابد أن يكون للمرأة دور كان يبحث عنه عذابًا وعذوبة. ففي التاريخ نساء نجحن في أن يتقدمن الرجال بالقوة والذكاء مثل:«حتشبسوت.. كليوباترا.. بلقيس.. زنوبيا.. سميراميس.. الخيزران أم هارون الرشيد.. شجرة الدر.. وغيرهن، برغم أن هذه المجتمعات الشرقية، لا تستريح إلى تقدُّم المرأة على الرجال. وفي التاريخ الإغريقي أسطورة تقول إن الرجال عندما احتاجوا إلى حبال لجر السفن الحربية قصرت النساء شعورهن وجعلناه حبالا، وليس هذا إلا مساهمة متواضعة من المرأة، فالذي تستطيعه المرأة أقوى من ذلك، فأثرها على عقل الرجل وقلبه وحواسه أخطر من ذلك، فهي تعكس الشقاء والهناء عليه، وهي تستطيع أن تضلله بالفشل أو تكلله بالنجاح. المرأة تصبح جميلة إذا أسدلت على فكرها وتفكيرها حجابًا مستورًا، وارتدت قناعًا مسطورًا، إلا أنها مرفوضة إذا صارحت وكاشفت وانكشفت عقلًا وفكرًا. وهي نور يحوم حولها الرجل مرفرفًا بجناح النسر فيه، لكن سرعان ما تتحول إلى نار يستأنس بها (أبوجهل) الذي لا يزال حيًا. وإذا اخترقت.. احترقت !. والحريق امرأة، والنار امرأة، والعذاب امرأة، والهزيمة امرأة!. لكن أبا جهل ومعه أبولهب نسوا أن العذوبة امرأة أيضا..! وفي المنظور الغربي يقول الكاتب الفرنسي (بلزاك) إن المرأة كالصحف لا تتألق إلا إذا كذبت، ولا تهدأ إلا إذا جعلتك تصدق أكاذيبها، والمجتمع كالرجل، لأنه سوف يستسلم في النهاية، وتحرر المرأة إفساد لها، وإذا أردت أن تعرف مدى قسوة المرأة مع هذا الكائن الجميل الذي نحبه، فانظر إليها وقد جلست مع بنات جنسها، لا أتمنى أن أكون امرأة، ولا أتمنى أن أكون رجلا، أجدني مضطرًا لأن أتعامل مع امرأة ولا أعرف طريقًا للخلاص منها. وترد عليه الكاتبة الفرنسية (فرانسواز جيرو) رئيسة تحرير مجلة (ال) ومجلة (الإكسبريس) بأن مثل هذه الأفكار هي التي عطلت تقدم المرأة، فبلزاك وهو عبقرية أدبية وفلسفية، لا يفكر في طريقة للتعايش مع المرأة، ولا أن يكون زوجًا أو أبًا، إنما هو مشغول بإزالة هذه المصيبة التي اسمها المرأة، ثم مطلوب منا نحن النساء أن نحترم مثل هذا التفكير الذي يجعلنا ننظر إلى أنفسنا على أننا مرض، أو داء، أو بقعة سوداء، أو لعنة السماء على الأرض. وفي حين يقول قاسم أمين إنه متى تهذب ورق الشعور، أدرك الرجل أن المرأة إنسان من نوعه، لها ما له، وعليه ما عليها، نجد توفيق الحكيم يقول إن المرأة لا تصلح أكثر من صانعة لألوان الطعام، يرتبط قدرها بتفوقها في إتقان صينية البطاطس، لكنه يقول أيضًا إن حواء فيلسوفة؛ لأنها أخرجت آدم من الجنة!. وتحمل ذاكرة التاريخ لقطة ذائعة الصيت في إطار العلاقة بين الرجل والمرأة، فقد كان (يوليوس قيصر) يتحدث إلى طفله الصغير، ويحسده على ما هو فيه من نعمة، فيقول له: أنا أحكم العالم، وأمك تحكمني، وأنت تحكم أمك، فأنت إذن تحكم العالم كله!. ويبرر الرجل أنه لهذا السبب تشتغل المرأة بالسحر، وكان من تعاستها أن حكم عليها الرجل بالإعدام غرقًا أو حرقًا أو شنقًا، وكان هذا الموقف أكبر دليل على المشكلة التي تعانيها المرأة، وعلى العنف الذي يتخذه الرجل في مواجهة المرأة، فالمرأة تريد أن تتمرد على (الدور) الذي حدده لها الرجل، وأن تثور على الإطار الذي بناه الرجل من الأسمنت المسلح من مئات السنين، حتى لا تخرج المرأة منه أو تخرج عليه بالسحر، هو محاولة من المرأة لكي تستعين بقوى أخرى ضد الرجل، كما تقول الكاتبة الأسترالية جرمين جرير في كتابها (الأنوثة العاجزة). وهكذا نرى على مرايا العلاقة بين الرجل والمرأة، تعقيدات وخيوط متشابكة، بعضها حريري، وبعضها حديدي، صراع رقيق، وعنف لين، وقسوة حانية، وفض اشتباكات، وتعصب ضد ومع (تاء التأنيث) وهجوم شرس على نون النسوة، وهجوم مضاد منهن، أظافر حادة طويلة مسنونة، وتكشيرات تحسبها المرأة ابتسامات على طريقة: إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم إنها مجموعة من المفارقات، تبعثر العلاقة بين الرجل والمرأة، وتمنحها حريقًا في العلاقات إلى حد جعل كثيرًا من الكتاب يرون أن العلاقة بين آدم وحواء هي مدار العلاقات الإنسانية. والذين يكتبون عن المرأة، ويتخذون مادتهم من حواء، يشكلون طائفة من العناوين تجعل المرء منا يتميز من الغيظ، إن (الذي) و(الذين) هم على السطح أبطال المسرح، أما (هي) و(هن) و(اللاتي) وراء ستائر النسيان، مجرد أسماء إشارة لفعل وتنفيذ لأمزجة الضمائر الرجالية المعذبة والمغيبة. حتى في عالم الجمال والأناقة الذي هو من خصوصيات تاء التأنيث، تجد الاستبداد الرجالي، في هؤلاء الفلاسفة والمنظرين والقاسية قلوبهم، فقد انتزعوا أشياء المرأة الصغرى والكبرى، وارتدوا الأقنعة، اختطفوا منها خصوصياتها، حيروا المرأة، كثيرًا حركوها دمية على مسرح العرائس، قطعة شطرنج بلا ميدان، وظلموها بفهمهم حواء.. ترى متى يتغير السؤال: «من يصارع من»؟ ليصبح: «من يسعد من»؟