أفرّ من «مظلومية النساء» كما يفر السليم من الأجرب!. الأجرب؟!.. نعم.. برغم أن العبارة فى المثال الشهير هى: «كما يفر السليم من المجذوم».. ولكن لماذا لا نكتبها هكذا: «الأجرب»؟!.. لعلها تكون أكثر استفزازا!. «يالك من مستفز!».. أراك الآن تقولينها يا سيدتى؛ قارئتى العزيزة.. بالطبع أنت عزيزة.. ولكن لا بأس.. لعلى مستفز. على أى حال، ما أطلبه الآن منك فقط هو أن تتريثى، وتهدئى، لعلك تلاحظين - فى السطر الأول- أن “الجرب” كان قرين «المظلومية» لا «النساء» بالطبع.. فمن ذاك الذى يقوى على البعاد يا غالية؟! (كيف يمكن أن يضع الكاتب فى صحيفة ورقية إشارة غمزة العين الشهيرة هنا كما فى الفيسبوك؟!). ................ «أدعوكم بشدة لكى تحفظوا جيدا اسم هذه الكاتبة؛ ريم أبوالفضل، وأجزم بأنها ستكون فى غد قريب اسما ذائع الصيت خاصة فى مضمار القصة القصيرة». لا يجرؤ صحفى، يصف نفسه بأنه مجرد قارئ متذوق للأدب، على كتابة هذه الكلمات عن أديبة، إلا إذا كان ينقلها عن ناقد أدبى كبير بقيمة وقامة الدكتور محمد زكريا عنانى. وقد يقتطع الصحفى أيضا جملة من مقال للناقد الكبير الدكتور حسام عقل، إذ يقول: «إن ريم قد خطت بالفعل خطوة وثابة ملحوظة شديدة الاتساع فى مشروعها القصصى الزاخر بالوعود». ذاك حديث النقاد إذن، وتلك كتابتهم كما جاءت بين دفتى المجموعة القصصية التى تحمل اسم «تاء وأخواتها» للكاتبة ريم أبوالفضل، والتى سبقتها مجموعة قصص قصيرة جدا بعنوان «إشارة مرور»، كانت هى بالفعل إشارة المرور الآمن لكاتبتها إلى ساحة الأدب والنقد. ذاك حديث النقاد إذن.. ولكن.. للصحفى المتذوق أيضا حديث. ولنبدأ بالحديث الداخلى، الذى دار فى رأسى، مع عتبة التلقى الثانية فى المجموعة بعد العنوان، وهى الإهداء. تقول الكاتبة فى إهدائها: «إلى تاء التأنيث.. ونون النسوة.. إلى هاء الغائب الذى لم يعد.. وألف الاثنين حين يتناجيان دونها.. إلى واو الجماعة التى تقسو.. وباقى الأحرف عندما تصمت ساكنة..». إهداء منحوت بأزميل دقيق فى بناء.. لكنه بناء يدرك زائره فورا، حتى قبل أن يقرأ عليه اسم صاحبه، أنه يقع فى مدينة «الأدب النسائى».. وتلك هى المشكلة، أو قل المعضلة، التى واجهها عقلى، بينما كنت لا أزال ضيفا يقف مستعدا لدخول البناء. مشكلتى مع «الأدب النسائى» بشكل عام، هى ذات معضلتى مع «مظلومية النساء». فدائما هناك معركة أضداد. هناك «اشتباك»، طرفاه معروفان، أزليان. هناك تاء التأنيث ونون النسوة، وهما دوما فى صف الأديبة - أى أديبة- وهى فى صفهما. أما الملاعين الآخرى؛ هاء الغائب الذى لم يعد وواو الجماعة التى تقسو وكل من يحمل مسمى «ذكر» على وجه البسيطة، فهم جميعا سبب كل الفواجع ومصدر جميع الكوارث والأزمات!. «أهلا وسهلا يا أستاذة ريم. على كل حال لقد تعودنا. سأدخل المبنى برغم ذلك. فمثلك لابد أن يقرأ له كما عرفت. لكن أهكذا يكون استقبال الضيوف؟!».. هكذا فكرت، وإلى نفسى تحدثت، ثم دخلت. داخل بناء «تاء وأخواتها»، كان أول ما لفت نظرى فى الحقيقة هو أننى أقف أمام «أدب»؛ أدب حقيقى. فقد اعتدت فى أبنية كثيرة أخرى، سواء كان أصحابها رجالا أو نساء، أن أستشعر أننى أقرأ لإنسان يكتب عن ذاته ولكن بصيغة الأدب. لا بأس أن يكتب المرء عن نفسه، بل أننا جميعا فى الحقيقة عندما نكتب فنحن نخرج مكنونات أنفسنا، لكن الأديب الحقيقى هو ذاك الذى يكون قادرا على العيش فى فضاء الخيال؛ هو من يغوص فى أعماق بحر ذاته وخبراته، ثم يعود ليخرج منها منطلقا، محلقا، راسما فى سماء الخيال خيوطا وشخوصا وأحداثا، تمس وتدهش وتغير، تتقاطع مع حياة الناس؛ كل الناس.. وذلك هو ما فعلته ريم أبوالفضل فى بنائها الأدبى. «العجلة من الشيطان».. راقنى ترتيب البناء، لكن هاجس الإهداء، وفرارى الدائم من مظلومية النساء، دفعانى إلى التعجل والتحدث إلى الصديقة الأديبة السكندرية «ريم» قبل أن أتم قراءة «تاء وأخواتها» كاملة. قلت لها وقتها: «إننى أقرأ الآن بتمعن لكن لى رأيا فهل أقوله؟». ردت بالايجاب ضاحكة وقائلة: «ربنا يستر». قلت: «لماذا كل هذا الوجع؟. أقصد وجع المرأة من الرجل. عذرا. لكننى وجدت كاتبة حقيقية لديها خيال خصيب وأفكار متجددة، فشعرت أنى أربأ بها عن أن تكون مشابهة لمعظم الأدب النسائى الذى تنتشر به المظلومية من جنس الرجال عموما». ردت ريم أبوالفضل فقالت: «قصص (تاء) ليست كلها مع المرأة بتحيز أعمى. المجموعة بها إمرأة قاتلة وأخرى معقدة وغيرهما. بل أننى أقول من خلالها بوضوح إن المرأة هى التى لا تساند قضيتها من الأساس، وأنها هى المسئولة عن وجود رجل متخلف أو امرأة مقهورة، فعندما تصلح المرأة نفسها أولا يمكن أن نطالب الرجل بعد ذلك بمساندتها. وبالتالى فإن شعور مظلومية المرأة الذى تعبر عنه المجموعة القصصية ليس ضد الرجل فقط بل ضد المرأة ذاتها وجنسها ومجتمعها». وكأن الأديبة الموهوبة أرادت أن تحسم هذا الجدل، فوجدتها تخبرنى: «انتهيت الآن من كتابة مجموعة قصصية جديدة ستكون مفاجأة. اسمها (بوح الرجال). هى بالكامل بلسان الرجل. كلها وجع أيضا. لكن عن وجع الرجال. كتبتها بشكل محايد نسيت فيه جنسى». ثم أنهت كلامها بقولها: «(تاء وأخواتها) كانت هى نصف المشروع، الذى سيكتمل ب (بوح الرجال)». وهكذا يا سيدتى.. قارئتى الغالية.. ألا ترين؟.. البوح مطلب موضوعى للطرفين.. أما المظلومية فداء منفر للجنسين.. ألا ترين أن للحقيقة دوما وجهين؟.. ولكن مهلا.. مهلا حقا.. مالى أرانى أنصح طرفا دون الآخر؟!.. لماذا قلت وحسب: «يا سيدتى»؟!.. ولماذا قلت لريم إن «بوح الرجال» سيكون له احتفاء خاص للغاية؟!.. يا الله.. لعلى سقطت أيضا فى اللاموضوعية، فللرجال أيضا مظلومية.. يا الله.. ياله من اشتباك أزلى.. لكنه اشتباك انسانى.. يظل هو المحبب دوما.. برغم العناد.. فمن ذاك الذى يقوى على البعاد؟!.