بالانتشار الميداني والربط الرقمي.. بورسعيد تنجح في إدارة انتخابات النواب    بالصور.. مدير محطة حدائق الأهرام بالخط الرابع للمترو: إنجاز 95% من الأعمال المدنية    التطبيق يبدأ في يناير.. الجمارك ترد على 50 سؤالاً حول ال «ACI»    وزير الدفاع الإيطالي يؤكد دعم بلاده لاستقرار لبنان وبناء قدرات جيشه    ويجز: ألف مبروك علينا كلنا وانتظروا منتخب الفراعنة فى النهائى    أمم أفريقيا 2025| وائل القباني: منتخب الفراعنة قدم أداء جيدًا.. وهناك عيب وحيد    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    إخماد حريق داخل قاعة أفراح بأبو النمرس دون وقوع إصابات    المؤبد والمشدد 15 سنة ل 16 متهماً ب «خلية الهيكل الإدارى بالهرم»    ضبط سجائر مجهولة المصدر في حملة تموينية بأسواق الفيوم    حماية القلب وتعزيز المناعة.. فوائد تناول السبانخ    وزير الدفاع الإيطالي: روما مستمرة في دعم استقرار لبنان وتعزيز قدرات جيشه    فلسطين.. إصابة ثلاثة مواطنين في هجوم للمستعمرين جنوب الخليل    القانون يضع ضوابط تقديم طلب اللجوء إلى مصر.. تفاصيل    ما هي أسباب عدم قبول طلب اللجوء إلى مصر؟.. القانون يجيب    ليفربول يحتفل بأول أهداف محمد صلاح مع منتخب مصر فى كأس أمم أفريقيا    كأس أفريقيا.. عمر مرموش رجل مباراة مصر وزيمبابوي    محمد هاني: أهدرنا 5 فرص محققة أمام زيمبابوي    فرحة أبناء قرية محمد صلاح بهدف التعادل لمنتخبنا الوطني.. فيديو    محمد هاني: فوز مصر على زيمبابوي دافع معنوي قبل مواجهة جنوب أفريقيا    فولر ينصح شتيجن بمغادرة برشلونة حفاظا على فرصه في مونديال 2026    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    القصة الكاملة لمفاوضات برشلونة مع الأهلي لضم حمزة عبد الكريم    ليفربول يعلن نجاح جراحة ألكسندر إيزاك وتوقعات بغيابه 4 أشهر    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث اصطدام جرار زراعي ودراجة نارية بالبحيرة    بعد 5 أيام من الزفاف.. مصرع عروسين اختناقًا بالغاز في حدائق أكتوبر    مصرع شاب وإصابة آخر فى حادث تصادم جرار زراعي بالبحيرة    الكرملين يربط أي تعديلات أوكرانية وأوروبية بما تم الاتفاق عليه في قمة ألاسكا    هيئة الدواء: متابعة يومية لتوافر أدوية نزلات البرد والإنفلونزا خلال موسم الشتاء    ستار بوست| أحمد الفيشاوى ينهار.. ومريم سعيد صالح تتعرض لوعكة صحية    دراما بوكس| «المتر سمير» ينافس في رمضان 2026.. وأيتن عامر تعتذر    وسط شائعات النقص.. الحكومة تطمئن المواطنين بشأن توافر الأدوية: لا أزمة في السوق    «الشيوخ» يدعم الشباب |الموافقة نهائيًا على تعديلات «نقابة المهن الرياضية»    برلماني يقترح إنشاء هيئة لتنظيم السوق العقاري وحماية المواطنين من النصب    مروة عبد المنعم: حزينة من كمية التطاول غير المهني على الفنان محمد صبحي.. بابا ونيس خط أحمر    متحدث الصحة: التشغيل التجريبي للتأمين الصحي الشامل يبدأ في المنيا بالربع الأول من 2026    مصر و الأردن يؤكدان تعزيز التعاون في النقل البري خلال اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة بعمان    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    تعيينات جديدة بكلية التربية جامعة عين شمس    البورصة تختتم تعاملاتها اليوم الإثنين بتباين كافة المؤشرات    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    محافظ بني سويف يوجه بتيسير عمل البعثة المصرية الروسية لترميم معبد بطليموس الثاني    خلال 24 ساعة.. رصد 153 مخالفة على الطرق في الغربية    "هعيش حزين".. أول تعليق من أحمد الفيشاوي بعد وفاة والدته    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    جنايات الإرهاب تقضى بالمؤبد والسجن المشدد ل5 متهمين بخلية التجمع    برلمانية الشيوخ ب"الجبهة الوطنية" تؤكد أهمية الترابط بين لجان الحزب والأعضاء    جامعة قناة السويس تعتلي قمة الجامعات المصرية في التحول الرقمي لعام 2025    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    دكتور مصطفى الروبى : مستقبل التكنولوجيا المالية في مصر (FinTech) كيف تستفيد الشركات الناشئة من التحول الرقمي    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بترت ساقه وفقد زوجته.. "عبد الكريم" يصنع البهجة بفرشاة أحذية ترعى 3 منغوليين
نشر في بوابة الأهرام يوم 13 - 08 - 2017

في جلباب يشير إلى هويته الصعيدية، ملطخ بالكثير من الأصباغ المستخدمة في تلميع أحذية زبائنه، وعمامة بيضاء كبيرة تعلو رأسه أكسبتها عوادم السيارات لونًا رماديًا، اتخذ الرجل المُسن جلسته التي اعتاد عليها لسنوات كثيرة لم تسعفه ذاكرته حصرها، يجاوره عكاز خشبي يعينه على الحركة بعد بتر ساقه، يردد ما تيسر من آيات الله بصوت متهدج يكاد يلتقط أنفاسه.
يخبئ "عبد الكريم" نصف ساقه المبتور، هربًا من نظرات الشفقة التي قد تحملها أعين المارة والزبائن، مصرًا ألا تغيب ابتسامته ليصبح من رجلٍ معاق إلى صانعٍ للبهجة بين المحيطين به.
مقابل جنيهين لا أكثر، يجلس "عم عبده" على أحد أرصفة المحروسة يملأه الرضا بما قسمه الرزاق من ابتلاء، يقول: "الفقر مش فقر جيوب وفلوس، الفقر فقر تفكير ونفوس يا بنتي.. العجز مش رجل مبتورة، والحر ما يمدش يده إلا لله".
حكم بسيطة الكلمات عميقة المعاني، تُشكل وجدان الرجل الخمسيني، حين يُسأل عن معاناته بعد بتر ساقه إثر تعرضه لحادث سيارة أقعده عن مهنته الأولى.
يستمر عبد الكريم في سرد حكايته بيد محترف تحمل فرشاة سوداء تعرف طريقها لحذاء الزبائن وكأنها تتحدى بتر الساق ويوضح.. تزوجت من ابنة عمي وجيبت منها 5 أطفال منهم 3 معاقين، كنت شغال بواب وقتها، بس عملت حادثة قطعوا فيها نص رجلي وزوجتي من حزنها عليا ماتت.
بوفاء الزوج المحب، تدمع عينا الرجل ويقسم: "زوجتي ماتت وهي بت عشرين سنة كنت واخدها صغيرة، لكن كانت أم وأب وذكية وصابرة".
وبحركة غير متوقعة، أمسك عبد الكريم بخرقة قديمة امتلأت بالأصباغ كانت تتواجد بالقرب من نعله، واستخدمها في مسح دموعه ليتابع حديثه: رفضت أتجوز وكملت مشواري وربيت العيال، دخلت 2 الجامعة وباقي معايا 3 معوقين بيقولوا عليهم "منغول" عقلهم على أدهم- حسب تعبيره.
لم يستطع ابن محافظة أسيوط الاستمرار في عمله ك"بواب" وقرر العمل في تلميع الأحذية لأن المهنة الأولى "تحتاج لعشر أيادي وزيهم رجول"- حسبما قال.
يرتل متحدي الإعاقة في أثناء عمله آيات وأذكار تعقبها همهمات تحمل بداخلها الكثير من معان الفخر بصندوقه الخشبي الذي صنعه بيده لزبائنه المهتمين بتلميع أحذيتهم، غير مكترث بما خلفه له الحادث القديم.
كما يفتخر بابنه الأكبر الذي تخرج في كلية التربية والآخر الأوسط الذي حصل على ليسانس الحقوق بفضل مهنته البسيطة.
"إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه"- يوقن بها العجوز أن فقده لنصف ساقه محبة من الله وأنها سبقته للجنة كما أخبره الشيوخ.
يضع عم "عبده" عكاز خشبي بدائي الصنع تحت إبطه الأيمن، بينما يقبض بيسراه على صندوقه ويغادر ميدان رمسيس متوجهًا لمنزله بمنطقة الوراق، مع الساعة الخامسة مساءً، لتبدأ مهمته الأخرى وإعداد الطعام لثلاثة أبناء "منغوليين".
يأتي صبي صغير ويقطع حديثي مع عبد الكريم، بسؤال: "بتلمع الجزمة الصغيرة بكم يا حج؟" فيجيبه -دون تكبر أو خجل- من غير فلوس يابا، إرفع رجلك هنا، ثم يبدأ بتنظيف حذاء الصغير وهو يمازحه.
الرجل "الأمي" شديد الذكاء، قرأ علامات الانبهار تسيطر على ملامحي لذا قال.. "الشغل مش عيب يا بنت أبوكي، نعل الكبير والصغير على راسي طالما فيه لقمة عيش".
"زجاجة بها مادة صبغية بنية اللون وأخرى سوداء، ومثلهما شفافة إلى جانب فرشتين وعلبتين تحتويان علي مادة شمعية"- هي أدوات عبد الكريم التي يستخدمها في مزاولة عمله الذي يدر عليه دخلًا يتراوح بين (20إلى30) جنيهًا، يوميًا- وفق ما أخبرنا به.
هل لديك زبائن من النساء؟- يجيب عم "عبده": قليلين، بس في ست عجوزة من دوري كده بتيجي كل خميس تلمع جوز جزم وهي قاعدة أصلها بترفض ترفع رجلها في وشي".
يوضح"عبده" أن كثيرًا من الزبائن يرفضون وضع أقدامهم علي صندوق التلميع حياءً منهم وأنهم يفضلون ارتداء "شبشب" احتياطي يحضره هو ويضعه بجواره لمثل تلك الحالات.
بسبب مطاردات الحملات الأمنية بمنطقة رمسيس يتنقل الرجل بصندوقه من مكان لآخر، رغم تأكيده حسن معاملة رجال الأمن، إلا أنه يعاني غلو الخامات التي يستخدمها خاصة مع رفضه لرفع تسعيرته، رأفة بجيوب الناس- على حد قوله.
"لا توجد لدي أمنيات سوى أن يرعى الله لي أبنائي المعاقين من بعدي، فهذا كل ما يشغلني الآن"- قالها بعينين تلمعان بالدموع لكنه هذه المرة استدار بوجهه نحو الاتجاه الآخر في محاولة منه للتماسك وضبط النفس.
صانع البهجة الذي لم تفارقه ابتسامته رغم الوجع، قرر أن يرسم ابتسامة أخيرة على وجهي الذي ظهر عليه الحزن تأثرًا بحديثه، حيث أمسك بفرشاته وكأنها ميكروفون ليسألني: إيه رأيك تتجوزيني أجيب لك عشة ما تحلميش بيها؟.
لم ينتظر عبد الكريم موافقتي لذا أسرع بالإجابة مازحًا: عارف عارف إنك موافقة، بس أنا مرتبط.
يرفض عبد الكريم قبول أي مساعدات مادية من المارة ويعتبرها إهانة ولأنه حظي بجانب كبير من اسمه لم يتردد في إهدائي بطاقة ورقية تحمل أذكار الصباح والمساء، مؤكدًا أنها تدفع البلاء، غير أنها تجلب الرزق مختتمًا حديثه بالضحكة المعتادة "أنا مش عارف مكتوب فيها إيه بس حافظ وممكن اسمع".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.