أصبح للسوشيال ميديا تلك القوى الناعمة التي تحكمت في حياتنا سلبًا وإيجابًا، دور كبير في مجريات الأمور في حركة البيع والشراء فتستطيع من ورائها جني الأرباح الطائلة من خلال الدعايا والتسويق الجيد لمشروعك من خلالها، ويمكن أن تخسر كل ما تملك إذا وقعت في المحظور واشتكى عبر صفحاتها أحد عملائك من فساد المنتج الذي تبيعه . وبالتأكيد ليس هناك من نجا من شراء سلعة فاسدة، أو جهاز معطل، أو حتى خدمة سيئة في مطعم أو جهة حكومية، وربما كانت تجربة متكررة وتعرض لها الجميع في عدة أماكن، وكانت كلمة "معلش" و"المسامح كريم" هي وسيلة "الترضية" التي يحصل عليها الشاكي من المشكو في حقه، أو ربما كان الأسلوب غير اللائق والذي ربما وصل إلى حد الشجار هو سيد الموقف. "السلعة المباعة لا تُرد ولا تستبدل" شعار كان - ومازال- ترفعه المحلات التجارية في وجه العميل كمبدأ لرفض الاستماع للشكوى أو يفكر حتى في تقديمها أو عرضها على الجهة المشكو في حقها أو حتي في أية جهة مختصة مثل جهاز حماية المستهلك الجمعيات المهتمة بهذه القضايا، إلا أن عدم الاهتمام بتلك الشكاوى وتضييع وقت العميل في اتصالات وإجراءات لا طائل من ورائها في النهاية، كانت تجعله يحجم عن تلك الفكرة، ويرضى بخسارته. وبانتشار وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع ظهرت معها خاصة خلال السنوات الخمس الماضية صفحات تضم إليها آلافًا بل ملايين أحيانًا من مستخدمي "الفيسبوك" لتدافع عن مصلحة العميل حاملة أسماء مثل "تجربة"، و"لاتتسوق هنا"، و"حد يعرف"، و"اسأل مجرب"، قوة السوشيال ميديا والتي أصبحت منبرًا لعرض التجارب السلبية التي يتعرض لها العملاء. سارة عبد العظيم- ربة منزل- تعرضت لتجربة سيئه في أحد المطاعم الشهيرة وكتبتها علي صفحتها الشخصية ثم نشرتها أيضًا علي صفحات متخصصة في عرض المشاكل وتقول:"كتبت تفاصيل المشكلة بالكامل على الفيسبوك وعملت "منشن" للمطعم لأني لم أجد منهم استجابه على أرض الواقع فبعد دخولي المطعم وطلب ما أريد من طعام، لفت نظري أن السلطة واللحوم كانتا غير طازجتين وكذلك الخبز كان يحتوي على عفن". وتضيف ل"بوابة الأهرام"، لما لم أجد استجابة من المطعم الغالي الشهير عرضت تجربتي السيئة على صفحتي الشخصية للأصدقاء فتفاجأت للتفاعل الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي، لافتة إلى أن المطعم استجاب للدعايا السيئة عنه وهاتفني وعرض تعويضًا عبارة عن دعوة مجانية لأسرتها لزيارة المطعم مرة أخرى. تحولت السوشيال الميديا من مجرد صفحات يعرض عليها الشخص تجربته السلبية أو الإيجابية إلى وسيلة ضغط على تلك الشركات التي أصبحت تخشى من حشد رأي عام مضاد وسلبي عن منتجاتها، وبخاصة مع التفاعل الكبير مع هذا النوع من المنشورات والذي يتخطى الآلاف من المشاركات، مما يكون له عظيم الأثر. أحمد سعيد الخبير في مجال التدريب على الصحافة الالكترونية والسوشيال ميديا، يرى أن أهم أسباب لجوء المستهلك -أيًا كان نوع السلعة أو الخدمة التي حصل عليها- للشكوى عبر السوشيال ميديا، هو غياب خدمة العملاء المحترفة في مصر من أول البنوك. ويضيف سعيد ل"بوابة الأهرام" أنه حتى خدمة الخطوط ساخنة التي تقدمها بعض الأماكن لا يتم التفاعل الحقيقي مع رسالة المستهلك، مما يدفعه للتصعيد بحثًا عن حقوقه عن طريق النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن الشركات بدأت تنتبه لخطورة تلك الشكاوى المعلنة على جروبات كبيرة وصفحات فعالة، وأصبحت تطلف فرق مدربة للتعامل مع تلك الشكاوى بحرفية والرد عليها، حتى لا تكون الجهة المشكو في حقها هي الخاسر الأكبر وسيكون "الزبون على حق". ويذكر سعيد نموذجًا لأحد المتاجر الأمريكية التي وصلتها شكوى من زبون والذي قدمها بطريقة ساخرة عندما وجد "دودة" بثمرة خس اشتراها من المتجر فكتب على صفحة المتجر"لقد وجدت دودة بالخس الذي اشتريته اليوم فإذا كُنتُم تبحثون عنها فهي لدي فما كان من فريق السوشيال ميديا بالمتجر إلا أن استثمر هذه السخرية وقال له :"نعم إنه طوم وهو صديق المحل وكنا نبحث عنه طوال اليوم ونشكرك للاحتفاظ به والحفاظ على سلامته" ووعد المحل هذا الزبون بمكافأة وتعويضه عند إعادة الدودة! وهذا نموذج لإدارة الأزمة بشكل ساخر ولكنه نجح في امتصاص غضب المستهلك، وبدا كأنه متواضع، وفِي الوقت نفسه كسب المحل قدرًا من التسويق. وتتنوع أساليب الشكوى عبر السوشيال ميديا حيث تلقى تلك الموثقة بصورة المنتج أو فاتورة أو فيديو يوضح سوء التعامل، وهو ما يلجأ له العديد من العملاء، الآن لضمان المصداقية. الدكتور إيهاب مسلم، استشارى ومحاضر فى الادارة والتسويق وخدمة العملاء ومؤسس جروب "قوة السوشيال ميديا" والذي يقترب عدد أعضائه من 200 ألف عضو، يتحدث عن تجربته في هذا المجال قائلاً :"تم إنشاء الجروب لمساندة العملاء في الحصول على حقوقهم من الشركات التى لا تهتم بخدمة العملاء بشكل كافٍ، وكذلك مساعدة الشركات لتحسين خدماتها وتشجيعها على إرضاء العملاء الغاضبين، مشيرًا إلى أن الجروب حقق قدرًا من النجاح باستجابة عشرات الشركات للشكاوى، والوصول لحل مما يجعل العميل يقوم بتقديم الشكر للشركة في النهاية. ويشير مسلم ل "بوابة الأهرام" إلى أن الجروب قام كذلك بنشر مواضيع أخرى تساعد على تحقيق الهدف من الجروب مثل التجارب الإيجابية مع الشركات لدعمها وتشجيعها، وكذلك نقوم بنشر طلبات العملاء بترشيح شركات أو منتجات بناء على تجارب الأعضاء الشخصية وتقييمهم لجودة المنتجات، فتكون الآراء فى صف الشركات الجيدة والتحذيرات من الشركات الأقل في المستوى. ولضمان تحقيق هدف الجروب بموضوعية، فقد تم وضع نظام للجروب من 25 قاعدة يتم متابعة تنفيذها بمعرفة الإداريين لضمان عدم خروجنا عن الهدف المحدد. ويصل الجروب يوميًا ما يتراوح بين 400- 600 منشور ولكن مايتم نشره مابين 50-100 فقط، فالنشر يحتاج لموافقة الإدارة. حيث ترفض الموضوعات المخالفة، وأغلبها يكون إعلانات، أو موضوعات ليس لها علاقة بهدف الجروب. ويرى مسلم أن الشكوى على السوشيال ميديا تستمد قوتها من الأعضاء المتابعين، ومنهم عملاء لنفس الشركات قد يفضلون وقف التعامل مع الشركة إذا تعاملت مع الشكاوى بشكل سلبى، فالموضوع يخرج عن كونه شكوى من عميل، إلى أنه يصبح مركز اهتمام عشرات الآلاف من العملاء، ولهذا فشعار الجروب هو "معًا أقوى" وبالفعل تزداد فاعلية الجروب بزيادة عدد الأعضاء. وينصح مؤسس جروب قوة السوشيال ميديا الشركات أن تتجنب المشاكل مع عملائها، أو أن تقوم بحلها قبل أن يضطر العميل لتصعيدها إلى السوشيال ميديا، فيجد ما لا تُحمد عقباه.