د. حاتم عبدالمنعم أحمد المتتبع لسياسات الحكومة الحالية بوجه عام، يلاحظ غياب البعد الاجتماعي في السياسات، والشيء الوحيد المميز لمعظم هذه السياسات هو رفع الأسعار بطريقة عشوائية، وعادة وغالبًا مايدفع ثمنها الطبقات الدنيا والوسطى، فالهدف الواضح هو زيادة الإيرادات، وخفض المصروفات، بدون مراعاة الأبعاد الاجتماعية عند اتخاذ هذه القرارات، ووجود عجز كبير في الميزانية بالطبع يستلزم خفض المصروفات، ومحاولة زيادة الإيرادات، وهذه ليست المشكلة. ولكن المشكلة في الأسلوب الأسهل الذي تتخذه معظم الوزرات من خلال رفع أو تخفيض الدعم، ورفع أسعار الخدمات بطريقة عشوائية؛ لأنه يمكن تحقيق الهدف الاقتصادي لكل وزارة أو جهة، ولكن بعد دراسة علمية، وتقييم الأثر البيئي والاجتماعي الشامل لعملية رفع الأسعار؛ بحيث يكون هناك عدالة في توزيع الأعباء والمسئوليات، وهذا ما يحدث في كل دول العالم الرأسمالية قبل الاشتراكية، وهذا يعكس غياب البعد الاجتماعي. ولذلك يرى رواد "نظرية ما بعد الحداثة" أن غياب القيم الاجتماعية قد يؤدي لكوارث إنسانية يصعب تداركها، ومن هنا لابد من وجود رؤية اجتماعية واضحة لأي قرار حتى لو اقتصادي لضمان نجاحه؛ مثال لذلك أسعار الخدمات في النظم الرأسمالية، الحكومة لاتدعم هذه الخدمات بشكل مباشر، ولكنها تعتمد على سياسة التكافل الاجتماعي؛ بمعنى أن الفئات ذات الاستهلاك الكبير هي التي تدعم الفئات ذات الاستهلاك المحدود، بدون تدخل الدولة، فمثلاً بالنسبة لاستهلاك الكهرباء الفئات ذات الاستخدام الوفير تدفع فاتورة أكبر من التكلفة الحقيقية لاستهلاكها؛ لدعم الفيئات محدودة الاستهلاك. وإذا عدنا إلى مصر نجد أن وزارة الإسكان تقريباً هي الوزارة الوحيدة التي نجحت في تحقيق ذلك؛ فمثلاً الإسكان المتوسط - وهو يعتبر فاخراً - تبيع الوحدة بمتوسط يتعدى 500 ألف جنيه، وهو في الحقيقة لا يكلفها نصف هذا الثمن، ولكن المشتري مستفيد والوزارة والشعب أيضًا؛ لأنها توفر أو تكسب نحو نصف ثمن هذه الوحدات، وبها تدعم إسكان الشباب والإسكان الشعبي، ومن هنا تحية واجبة لوزير الإسكان؛ لأن سياساته تعتمد على بعد اجتماعي مهم؛ يتمثل في تحقيق التكافل الاجتماعي لطبقات المجتمع، وإن كانت هناك ملحوظة واحدة، وهي أن الوزارة ينبغي عليها أن تلغي كل شروط الإسكان المتوسط أو الفاخر؛ لأن التوسع فيه مكسب للوزارة ولمحدودي الدخل، ومن المفضل إلغاء شروط الحصول على هذه الوحدات السكنية. وفي المقابل، نجد أن وزارة الكهرباء - برغم نجاحها الواضح في تخطي مشكلة انقطاع النور وهذه نقطة إيجابية بلا أدنى شك – فإن نظام تسعير الخدمات يفتقد الرؤية الاجتماعية، حيث نجد أن شرائح الكهرباء سبعة فقط، وتقسيمها غير واقعي، فالشريحة الاولي 50ك وات هذه استهلاك لمبة سلم، ويجب أن تكون الشريحة الاولي 300ك وات على الأقل، ثم تنتهي آخر شريحة عند ألف كيلو وات، وهذا استهلاك شقة ثلاث حجرات وتكييفين فقط في الصيف، وهو يعني الطبقة الوسطى، وبعد ذلك تتساوى الأسعار. ولذلك يجب إضافة شريحة جديدة من ألف إلى ألف ونصف، وأخرى من ألف ونصف إلى ألفين، وثالثة من ألفين إلى ثلاثة آلاف، ثم من ثلاثة آلاف إلى أربعة وهكذا، العدالة الاجتماعية المطبقة في النظم الرأسمالية تعتمد على التكافل الاجتماعي، وهو لا يوجد في سياسات وتسعير خدمات الكهرباء والماء والغاز؛ لأنه ليس مفهومًا أن نكلف الفئات الأضعف تكاليف رفع الدعم، في حين يستمتع الأغنياء بدعم واضح في أسعار البنزين والخدمات والضرائب وخلافه، ونرجو من المسئولين سرعة مراجعة ذلك قبل أي زيادات جديدة في يوليو المقبل، ونتمنى أن تكون أي زيادات جديدة للاستهلاك الكبير والتجاري، وليس على حساب الطبقة الدنيا أو الوسطى. كاتب المقال: أستاذ علم الاجتماع البيئي جامعة عين شمس