"يوما ما سأكتب عن هذا المكان": كتاب جديد للكاتب الكينى بينيافانجا وايناينا، الذى قدم من قبل كتابه الساخر من النظرة الغربية للقارة السمراء: "كيف تكتب عن إفريقيا؟!"، فضلا عن قصته "استكشاف البيت"، التى حصل بها على جائزة البوكر الإفريقية. والكتاب- الذى يقع فى 256 صفحة- لا يهم فحسب أولئك المعنيين بالأدب الإفريقى والسرد فى حقبة ما بعد الاستعمار. إنه كتاب يتوافق مع ذائقة كل من يشعر بالحنين للكتابة المتقنة، فى زمن الكتابات سريعة التجهيز، والخالية من السعرات الثقافية، ناهيك عن أصالة الإبداع. ويروى الكاتب الكينى وقائع طريفة عن نهمه غير العادى لقراءة كل ما يجده وتقع عليه عيناه، وولعه على وجه الخصوص بقراءة القصص، منذ أن بلغ الحادية عشرة فى بلدة "ناكورو" بكينيا، حتى بدا وكأنه ممسوس بحروف الكلام. غير أن أجمل ما فى الأمر أنه ربط بدهاء فنى بين هذا الولع بالقراءة وبين ذكرياته عن أيام الصبا والمراهقة والدراسة ورهانات المستقبل وأحداث السياسة ومحيط العائلة متعددة الجنسيات، بين الأب الكينى- الذى يمتلك مزرعة- والأم الأوغندية المحبة للأدب. ويسرد وايناينا ذكرياته فى عالم الكتابة، وبدايات كتابة القصص والمسرحيات التى كانت تستهلك الكثير من وقته المفترض للدراسة فى مدرسته الداخلية، حتى سفره إلى جنوب أفريقيا للدراسة الجامعية، والتى كانت أيامئذ تنفث آخر ما لديها من شرور نظام الفصل العنصرى، وسموم التمييز بين البشر. و يقدم بينيا فانجا وايناينا وصفا طريفا لغرفته أثناء الدراسة الجامعية فى جنوب أفريقيا، حيث الفراش الغارق بين أكوام الكتب والمجلات وأكواب الشاى وأعقاب السجائر وثمار جوز الهند وأغلفة الشيكولاتة وعلب الثقاب والتلفزيون الصغير. و مع العودة للوطن، بأحواله المضطربة، كان للكاتب أن يلاحظ تراجع خاصية المرح والسخرية التى يتميز بها مواطنوه، جراء مد البؤس والفقر، وكان لبينيا فانجا وايناينا أن يسعى لمقاومة كل هذا البؤس بالكتابة المتأملة لهؤلاء البشر، الذين يعيشون فى مدن الصفيح والعشوائيات على أطراف نيروبى وحولها. فى ساعات النهار، يمارس بينيا فانجا وايناينا- الحاصل على جائزة "كين" أو البوكر الأفريقية عام 2002- فعل الكتابة. وفى ساعات الليل، يمارس فعل التأمل فى أحوال البشر، وهو يسير وسط الشوارع والدروب والأزقة المتلوية، على أمل أن يصل لروح الشعب ونبض رجل الشارع.