فتحت المدرسة الرمضانية أبوابها لراغبي النجاح، والتميز، وحصد أعلى الدرجات الربانية والروحية. ولكونها مدرسة لا تلتزم بمرحلة عمرية محددة، فهي تجمع بين الكبير والصغير، والشاب والهرم، والأبناء والآباء، فعلينا أن نعمل على تهيئة أطفالنا للتعامل مع الضيف الكريم بحفاوة تليق به ونغرس فيهم معاني رمضان الجميلة، التي سيستمرون على تطبيقها عمليا طوال العام، بل طيلة حياتهم.. لعل اشتراك الأبوين مع أبنائهم في تزيين المنزل مثلا بالفوانيس، والبالونات، أو بالزينة التي تصدر أضواء مبهرة من أول المظاهر التي تجلب الفرحة لديهم وتشعرهم بأن ثمة حدثا مهما قادما يستدعي منهم الاهتمام. ولا يخفى على أحد أن رمضان به معاني كثيرة وقيم نبيلة، يحاول فيه الآباءالواعون نقله لصغارهم بشكل عملي ملموس، هذا ما أكدت الفنانة القديرة كريمة مختار بقلب الأم وروح الجدة (لبوابة الأهرام )، وأكده كثير من المتخصصين- حيث دعت الآباء والأمهات إلى الرد على جميع تساؤلات أطفالهم، خاصة وأنهم مصدر رئيسي لمعلوماتهم بجوار المدرسة، قائلة: إن الخبرات الحياتية والممارسات اليومية هي التي توصل لأطفالنا القيم التي تغرس في وجدانهم، فمثلا اصطحاب الطفل للمسجد مع والده أو جده يعلمه الالتزام بالصلاة. استرجعت كريمة مختار ذكرياتها مع أولادها قائلة: "إن من أكثر الأشياء التي كانت تفرحني في رمضان هو إصرار أولادي على إتمام الصوم وهم في سن صغير جدا، رغم أنهم غير مكلفين بعد بالصوم، ورغم إقناعي لهم بأن يصوموا حتى منتصف النهار فقط". التعود على الصوم يعد (الصبر على الطاعة) والتعويد عليها، و(مراقبة الله لنا)، و(حب التصدق) من معاني رمضان الجميلة التي يجب أن يدركها الأطفال، وقد قال هذا الشأن الدكتور سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف: إن التعويد على الصوم يقاس على التعويد على الصلاة، لذا فهو -أي الصوم- يبدأ لسبع ويتم التأكيد عليه لعشر. قال عبدالجليل أن الصحابة كانوا يحرصون على فعل ذلك، فكانوا يصوّمون أبناءهم في هذه السن، ويلهونهم ببعض الألعاب حتى يشجعونهم على الصيام، وبهذا يصبح الصيام تدريبا عمليا للأطفال على ترك ما يحبون من طعام وشراب، مع التأكيد على أنهم (رقباء على أنفسهم)، وأن الله هو الرقيب عليهم وهو الذي يراهم، وأنهم يمتنعون لله، لا للامتثال لرغبة الأب والأم. أضاف عبدالجليل أن قيمة (العطاء)، من القيم التي يجب أن يدركها الطفل خاصة في الشهر الكريم، وذلك بتحريك معنى (الشفقة) في قلب الطفل للمحتاجين، وعقد مقارنة رمزية بين حال الشخص المسكين الذي قد يراه الطفل في الشارع دون مسكن ومأكل، وبين حاله المستور، مع محاولة تدريبه عمليا بأن يأخذ بعض الأموال ويمنحها للمسكين، مما يفهمه عمليا معنى (الصدقة)، ويحببها إلى نفسه خاصة بعدما يرى أنه أدخل السرور على قلب المحتاجين. رمضان والأصالة المصرية إن الحفاظ على التقاليد المصرية القديمة التي اعتادها المصريون، و(إشاعة روح البهجة) عند الأطفال من المعاني التي يجب ألا تفتقدها البيوت المصرية، هذا ما صرح به الأستاذ الدكتور بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر (لبوابة الأهرام)، قائلا: إن روح الفرحة هذه تأتي مثلا من خلال سماع مدفع الإفطار أو الإمساك، أو ترديد بعض الأغاني الرمضانية الشهيرة لأولادنا التي نتنسم فيها تراثنا المصري العريق، مثل وحوي يا وحي، والعيد فرحة.. وغيرها من الأغاني التي لها سحرها على السامع. ويستكمل عوض قائلا: إن إشاعة الروح الإيمانية لدى أطفالنا من خلال اصطحابهم إلى المسجد، وتوسيع دائرة الربط بين أبنائنا وأبناء الآخرين من القيم الرمضانية التي تنمي (روح الجماعة )في الجيل الجديد، وتزيد الرباط القلبي بينهم –أي الأطفال- وبين الله، فضلا عن أن أداء صلاة الجماعة تنقل مفاهيم العبادة للأبناء بأسلوب هادئ، بخاصة إذا كان هناك من يلقى موعظة جديدة بين الصلوات. ويوضح بكر أن شهر رمضان يعد بيئة خصبة لتقوية العلاقة بين الأطفال والقرآن الكريم، خاصة وأن المساجد في هذا الشهر تتبارى في عقد المسابقات القرآنية وصرف المكافآت لهم، وكذلك الحال مع بعض الأسر التي تحرص على إهداء أولادهم ببعض الهدايا في حال التزامهم بقراءة الجزء المتفق عليه مع والديهم. تجربة شخصية لكل أب وأم تجربة مع أبنائهم في رمضان، حيث يحرصون على تنفيذ بعض الأمور لتوصيل وتعميم الفائدة من رمضان لأطفالهم كل حسب عمره، ولعل إحدى هذه التجارب ما روته المذيعة والإعلامية مها مدحت، مدير إدارة البرامج الدينية، بالقناة الثانية (لبوابة الأهرام) عن تجربتها مع أولادها الثلاثة في رمضان، مؤكدة حرصها على غرس قيمة(مساعدة المحتاج)و(السعي في الخير)معهم، لاسيما وأنه سلوك وقيمة يستمر عليها الأولاد طيلة حياتهم، مضيفة أن السعي في الخير قد يتمثل في إفطار صائم، أو إيصال الصدقة لمحتاجين، أو التبرع بالملابس، وقد يكون أيضا بالتبرع بكتاب. وقالت مدحت: إن من الأمور التي حرصت على أن أغرسها أنا وزوجي في أولادي في رمضان وغيره من الأوقات هي(المعاملة الطيبة مع الجيران)، وتبادل الأطباق الشهية معهم، مع حرصي بأن يقوم أولادي بتبادل هذه الهدايا بأنفسهم مع الجيران، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصانا بالجار، وأضافت أنه من الذكاء أن يقوم الوالدان بتدريب وتعويد أطفالهم على مثل هذه السلوكيات الاجتماعية التي تنم عن روح أحيائنا المصرية الأصيلة، لاسيما وأن المعاملة الحسنة معهم –أي الجيران- تقترب من مرتبة صلة الأرحام. واستكملت أنها من خلال معاملتها وعلاقتها الطيبة مع جيرانها، نشأ عند أولادها حب الناس، ومؤازرتهم، والسعي في خدمتهم قدر المستطاع، مرجعة ذلك بأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر. يخطىء من يعتقد أن شهر رمضان يحمل الخير فقط للأطفال الغير مصابين بإعاقة ما، إذ يحمل الكثير من المعاني الإيجابية والقيم لذوي الاحتياجات الخاصة، فهو يزيد من قدرتهم على التعلم والإدراك والفهم. أوضحت نادية علي أحمد، رئيس مجلس أمناء مؤسسة أنس الوجود التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة (لبوابة الأهرام)، أن المؤسسة تحرص على تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة بعض العلامات المميزة لرمضان، بطريقة عملية تحسن وظائف المخ لديهم، وتتيح لهم الفرصة على التعبير، قائلة: نقوم بعمل جولة نصطحب فيها الأطفال ذوي الاحتياجات للشوارع لتعريفهم على أشكال الزينة التي تتحلى بها الشوارع في هذا الشهر، مع تعريفهم على أشكال الفوانيس، وعقد مقارنة بين أحجامها الصغيرة والكبيرة ، وبين نوعها سواء كانت فوانيس مصرية أو مستوردة، وكذلك إذا كانت تصدر صوت أو ضوء، أو الاثنين معا، فضلا عن تعريف الأطفال الياميش، والكنافة والقطايف التي يشتهر بها رمضان. وتستكمل نادية حديثها بأن هذه الجولة تتبعها عمل ورشة عمل لتطبيق ما شاهدوه عمليا على القماش، إذ يقوم الأطفال -كل حسب إعاقته- إما بتذكر وطباعة ما شاهدوه سابقا على القماش، أو الاستعانة بنموذج معد مسبقا، موضحة أن رسم الفانوس يساعد هؤلاء الأطفال على إدراك الأشكال الهندسية الموجودة به فضلا عن الألوان، من هنا يأتي الإدراك والتمييز الذي يحسن من أداء الأطفال التعليمي. أشارت نادية إلى تلقي الأطفال في نهار رمضان جلسات تحفيظ وتلاوة القرآن الكريم، مما يعطيهم فرصة على تحسين التخاطب، إضافة إلى منحهم تدريبات تساعدهم في إطالة النَفَس، وتقوية الجهاز العصبي لديهم، والتعرف على التلون في الأصوات الناتج عن الإدغام والغنة، وهو ما يؤدي إلى تحسن عملية النطق بشكل عام، وكذلك الحال مع الصلاة التي تزيد من روحانيتهم الإيمانية وتعلي من قدرتهم على التركيز لما يقال داخل الصلاة وما يفعل من حركات. قالت نادية: إن بعض الأطفال من أصحاب الإعاقة البسيطة يلتزمون بالصوم حتى الساعة الثانية ظهرا، بينما أصحاب الإعاقة الشديدة نوجهه إلى التزام بالسلوكيات العامة مثل الهدوء والنظافة، وعدم التعدي على زملائهم بالضرب، وهي سلوكيات تستمر معهم طيلة العام، ليس فقط في رمضان.