إذا كانت التربية الروحية من أهم أهداف الصيام فإنها في نفس الوقت الهدف الاسمي للعبادات كلها في الإسلام وهي أيضا الثمرة التي وضعت من أجلها النظريات التربوية الحديثة لذلك نتساءل: كيف نستثمر الصيام في تذكية سلوكيات النشء والشباب. وبما ان العبادات الإسلامية ليست مجرد كلمات تقال وحركات تؤدي فإن لشهر الصوم والعبادات آثار محمودة علي الفرد والمجتمع ما هي هذه الآثار؟ وكيف ننميها؟ تقول د.نرمين أحمد إسماعيل الخبيرة التعليمية ان الوحدة والتوحيد أهم قيمتين تربويتين يمكن ان نبثهما في نفوس الأطفال والنشء بمختلف المراحل التعليمية والعمرية فالوحدة في اسمي صورها نجدها في توحد العادات والتقاليد بين أفراد المجتمع جميعا بمختلف فئاته حتي اخواننا من أصحاب الديانات الاخري يحترمون مشاعر المسلمين ويسيرون علي عاداتهم فيتوحد الكل في نسيج سلوكي وحركي واحد يشعر الفرد بأنه جزء من جماعة كبيرة ومجتمع مترامي الاطراف يجب ان يحترمه ويعمل علي نهضته أما التوحيد فيتجلي في اشعار الطفل بأن الصيام »سر بين العبد وربه« وان العبادة الوحيدة التي لا يشوبها »رياء« فتقوي لديه قيمة توحيد الله والايمان به كمسير لحركة الكون ومراقب لكل صغيرة وكبيرة فيه حتي خائنة الاعين وما تخفي الصدور. خلق العطاء مبكرا وتري د. نرمين أيضا ان تعويد الطفل علي الصوم يجب ان يقترن بالمفاهيم التي تربطه وتدربه علي مكارم الاخلاق فمن خلال الصوم الذي هو سر بين العبد وربه يتعود الطفل علي المراقبة الذاتية والامانة في علاقته بربه وبمن حوله وبالمجتمع بصفة عامة وهو سلوك نحن في أمس الحاجة إلي ترسيخه في نفوس النشء والشباب في المرحلة الراهنة. كما ان الفرحة والعيدية التي يحصل عليها الطفل بعد افطاره يجب ان تقترن في ذهنه من خلال المربين بأن المكافأة لاتأتي إلا بعد العطاء والصبر لتعويده علي العطاء والاحساس بالآخرين طوال حياته حتي لا يجنح للسلوك الفهلوي الذي يتسلل إلي سبل الأخذ دون ان يعطي وهذا يتضح حاليا في الأطفال والشباب الذين يهملون دروسهم ويحاولون الحصول علي أعلي الدرجات في الامتحانات بالغش أو بسبل التحايل الأخري. وتضيف ان هناك رباطا وثيقا بين ما فرضه الله علي العباد وبين ترسيخ أمهات مكارم الاخلاق في سلوكياتهم ويبرز هذا المفهوم في شعيرة الصوم بصفة خاصة حيث لا يقبل الصوم في رمضان ويعلق ثوابه حتي يشعر الصائم بالفقراء والمحتاجين ويعطيهم حقهم من صدقة الفطر، وقدربط رسول الله »عليه الصلاة والسلام« بين الصوم وبين تحمل أذي الناس والصبر علي مضايقاتهم فإن سب احدهم الصائم أو شاتمه أمره رسولنا بالصبر وليقل اني صائم كما خصنا ديننا الحنيف علي الاكثار من اعمال البر في هذا الشهر لان ثوابها أعظم وبذلك ندرب النشء علي السلوكيات الفضيلة التي تنهض ببيئته ومجتمعه المليء بذوي الحاجات. رمضان بالقرية هناك بعض المسلمين الذين يسارعون للمبالغة في الاشباع من الملذات واللهو مع بدء شهر رمضان وكأن رمضان أصبح فرصة لتنمية الفكر الاستهلاكي ودعوة للاسترخاء في مواجهة الفكر الانتاجي الذي لا تصلح تنمية أو رخاء الا به. وتوضح ان رمضان قديما كان يرتبط في نفوسنا ونحن أطفال بشيء من الهيبة والالتزام بآداء الصلوات والذهاب إلي المساجد واللهو والترويح المثمر بعد صلاة التراويح بانشاد الاغاني الرمضانية التي تدعو إلي مكارم الاخلاق وتذم المفطرين الذين لا يعطفون علي الفقير والمحتاج كل هذا ونحن نجوب بالفوانيس جميع شوارع القرية وحواريها. ان التدريب علي الصيام شهرا كاملا بالنسبة للنشء بمحض ارادتهم وامتناعهم عن الاستمتاع بما أحله الله خضوعا لأوامره كفيل بتدريب الأطفال والكبار علي تجنب المحرمات طوال حياتهم لانهم إذا امتنعوا عن المباح في باقي أشهر العام فأولي بهم ان يستطيعوا الامتناع عن المحرمات وجميع العبادات في الإسلام. الهدف فيها ان تستثمر في سلوكيات العباد ومعاملاتهم حتي لا تتحول إلي طقوس شكلية لأن الهدف من الشريعة الإسلامية اعمار المجتمع والنهوض به حتي يكون المجتمع الإسلامي هو اليد العليا علي غيره من المجتمعات وحتي لا يتحول إلي كيان ضعيف والمؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير وقوة الافراد تتبعها بالضرورة قوة المجتمعات التي يعيشون فيها.