مع قدوم شهر رمضان وانشغال الناس بالتقرب إلي الله يزداد الاقبال علي العبادات ولاسيما صلاة التراويح والتهجد بالاضافة إلي الصوم في نهار رمضان، ولكون الشهر الفضيل يواكب فصل الصيف تزداد مشقة العبادة، ويرهق الكثيرون جسمانيا مما يجعل بعضهم يقصر في عمله اليومي متعللا بمشقة العبادة ويزداد السؤال عن كيفية التوفيق بين العمل والعبادة في رمضان، الأمر الذي كان لابد من طرحه علي العلماء لمعرفة الرأي فيما يحتار فيه البعض من عدم التوفيق في تنظيم الوقت بين العمل والعبادة في رمضان. بداية يقول «أ.ع» مواطن: إن رمضان هذا العام أتي في منتصف الصيف وهو ما يجعل الصوم شاقا يؤثر علي أدائنا في العمل، وفي الوقت نفسه نحاول أن نبذل كثيراً من الوقت للعبادة لانه شهر واحد في العام ولا نريد أن يفوتنا فضله ولكن في النهاية لا يمكننا أداء العمل بنفس الدرجة المعتادة. كما تؤكد مني أحمد موظفة أنها تحاول أن تنهي عملها سريعا كل يوم وغالبا ما تحاول الانصراف مبكرا للذهاب إلي المنزل هربا من حرارة الجو، وعدم الإحساس بالعطش، كما تقوم بالسهر كل ليلة لأداء التراويح وقراءة القرآن وصلاة الفجر، الأمر الذي يجعل العمل صباحا شاقا، ولا يتم تأديته بالشكل المطلوب. نفس الأمر يوضح محمد كمال - عامل - حيث يقول: إن رمضان الوقت فيه ضيق، ولا يكون الإنسان قادرا علي بذل جهد في عمله أثناء صومه لاسيما مع حرارة الجو وهو ما يجعل التنظيم في الوقت صعبا، خاصة إننا نحرص علي أداء صلاة الجماعة في صلاة الظهر أثناء العمل وعقبها نشعر بالاسترخاء. وعن وجهة نظر العلماء حول معاناة الصائمين في التوفيق بين العمل والعبادة من صوم وقيام ليل يوضح د.محمد الشحات الجندي الأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية أن العبادة في الإسلام فرضت علي قدر السعة، فلم يفرض الله عباده ليست في مقدور البشر، وشهر رمضان له خصوصية عند الله، حيث جعل ثواب العبادة فيه مضاعفة، ومنذ أن فرض وهو شهر عبادة وعمل وسلوك طيب، ومعظم وقته كان في الصيف ومع ذلك حقق فيه المسلمون أفضل الأعمال كما حققوا النصر في معاركهم. وأضاف أن للمسلم في هذه الأيام المباركة أن يخصص جزءا من وقته للعبادة وآخر للعمل وعلي الصائم أن يلتزم بأداء الفرائض في أوقاتها، قال تعالي: «إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتاً»، كما عليه أن يخصص وقتا لقراءة القرآن ثم يتبع الصلاة وقراءة القرآن بالذكر والاستغفار لأن شهر رمضان من الشهور الفضيلة فينبغي علي المسلم أن يستثمرها بكل وسيلة ممكنة للتقرب إلي الله والاكثار من الحسنات والدرجات العالية كذلك أداء العبادة لوجه الله فيتخير الوقت والمكان المناسبين لقراءة القرآن فلا يجوز أن يكون ذلك في وقت العمل أو أثناء السير في الطرقات هذا بالإضافة إلي أداء واجباته في العمل المكلف به فمثلا طالب العلم عليه أن يستذكر دروسه جيدا بالانتظام في حضور المحاضرات وتحصيل المواد الدراسية أولاً بأول وكذلك من يعمل في الوظيفة العامة فعليه أن يؤدي واجباته دون تقاعس أو تكاسل فضلا عن الإحسان في معاملة الجمهور وبذلك يوفقون بين وقت أداء الخدمة العامة ووقت أداء العبادة. وشدد د. الشحات علي أن تنظيم الوقت هو أهم شيء لأن انفاق الوقت في أمور تهدره تؤدي لعجز المسلم عن حسن أداء العبادة أو العمل بالشكل المطلوب وعليه فلابد من الموازنة بين العبادة وأداء العمل الذي يحتاجه المجتمع علي أكمل وجه فيكون السلوك تعبيرا طبيعيا ونموذجا حسنا للمسلم الصائم الذي يبتغي بكل أعماله فيكون العمل عبادة للصائم تضيف رصيدا لحسناته، مشيرا إلي أن شهر رمضان يمتاز بفعل الخيرات والتواصل الحميم مع الناس والتعامل الشديد بالإحسان مع المحيطين به بحيث يكون سلوك المسلم قدوة حسنة وتعبيرا يليق بحرمة هذا الشهر الكريم. ويقول الدكتور رشاد خليل عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر الشريف: إن رمضان شهر مبارك يحمل في حياته وقدومه الخيرات والأجر والثواب والإسلام عندما يفرض عبادة أو يقرر أمر لتكليف البشر فإنما يهدف إلي أن يكون الأمر في طاقتهم ووسعهم وليس ارهاقا أو إحراجا لهم لأن من سمات الإسلام اليسر لا العسر كما أنه دين قابل لتطبيق العمل، قال تعالي «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» ومن هنا نجد أن شهر الصوم دائما فيه رحمة ويسر بالعباد وعلي المسلمين أن يغتنموا فرصة قدومه بكسب الحسنات والابتعاد عن اقتراف السيئات. وأضاف أن الصوم ينبغي أن يكون دافعا للعمل لأنه بقدر المشقة يقدر الجزاء كما أن الصيام فترة ليست صعبة في تحملها مقابل ما ينتظر الصائم من الأجر العظيم فهو شهر من أدي فيه فريضة كمن أدي 70 فريضة فيمن سواها، كما جاء الصوم ليحمل المسلم علي الصبر والاستسلام ومراقبة الله في كل شيء فهو فرصة عظيمة ومنحة طيبة من الله. روشتة يومية ويحدد د.رشاد خليل روشتة يومية للصائم كي يوفق فيها بين العمل والعبادة أن ينوي المسلم صومه ليلا ثم يسترخي قليلا إلي ما قبل صلاة الفجر بساعة ليستيقظ مع القرآن الكريم إلي صلاة الفجر، ثم يؤدي الصلاة في جماعة وبعد صلاته ينام إلي ما قبل موعد عمله بساعة أو بوقت كافٍ كي يستطيع الذهاب للعمل في موعده، فإذا ذهب لعمله تذكر أن كل وقت يعمل فيه أجر عبادة، حيث إن العمل عبادة، فيشحن نفسه بحب العمل أثناء صيامه حتي يحصل علي مزيد من الثواب وما إن يؤذن للصلاة فليذهب ليصلي ثم يعود لعمله مرة أخري متذكرا أن كل وقته طاعة لله وما ينتهي وقت عمله فليذهب لمنزله كي يستريح إلي ما قبل آذان المغرب، ويسارع بالإفطار مع انطلاق الآذان لأن الرسول «صلي الله عليه وسلم» قال: «الخير في وفي أمتي ما عجلوا بالفطر» ثم يؤدي صلاة المغرب وعقب الصلاة يعود ليكمل افطاره وبعد الانتهاء يسترخي وسط أسرته حتي صلاة العشاء، حيث يتوجه المسلم للصلاة فيصلي التراويح ويكون ذلك ختام يومه. ويختم د.رشاد كلامه قائلا: إن الصوم بطبيعته ينظم الوقت وإن كانت هناك مشقة فإنها بسيطة ويقدر المسلم علي تحملها فإذا نظمها عاش في سعادة روحية فالهدف من هذه العبادة العظيمة هي ارتباط المسلم بالله طوال الشهر بمراقبته في أموره كلها فيقويه علي العمل وعلي أداء العبادة لأن الثواب عظيم والأجر كبير ونهاية الصوم هي الجنة. وتقول الدكتورة عفاف النجار عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر: إن شهر رمضان مرتبط دائما بالجد والاجتهاد سواء في العمل أو العبادة والدليل علي ذلك هو أن أغلب غزوات الرسول كانت في شهر رمضان فمثلا غزوة تبوك كانت في عز صيف شهر رمضان فجاهد فيه المسلمون ونظموا بين وقت جهادهم ووقت عبادتهم لله، ومن هنا نقول: لكل إنسان عليه أن ينظم وقته بين العمل والعبادة فالصوم هو تنظيم لطريقة الطعام والشراب فإن لم يتخم الإنسان معدته بالطعام فسيصبح قادرا علي أداء صلاة العشاء والتراويح وهو بكامل عافيته وليس هذا فحسب بل سيكون قادرا علي ممارسة مهامه الوظيفية لذلك جاء تأخير السحور لمساعدته علي بداية يومه بكامل الصحة والعافية خاصة إذا أخذ قسطا كافيا من النوم بعد انتهائه من صلاة القيام فالإنسان إذا نظم وقته فسوف يخرج من هذا الشهر الكريم وهو فائز بثواب عظيم ولا مانع من ساعة وسط النهار للقيلولة لانها تساعد الإنسان علي القيام بجميع واجباته بقية النهار وعلي أكمل وجه، كما أن ممارسة بعض الرياضة مفيدة وهذا ما نراه منتشرا بين أكثر الشباب من ممارسة كرة القدم قبل الإفطار كذلك المذاكرة أو قراءة جزء معين من القرآن فرمضان شهر تستريح فيه المعدة فيتفتح الذهن والعقل وتصفوا الروح.