سنضطر آسفين الي وقف العمل بالشركة الي حين تستطيع الدولة توفير الحماية اللازمة لاستمرارية العمل ونعتذر لعملائنا عن هذا التوقف الاضطراري. هذه الجملة هي نهاية استغاثة احد المستثمرين من اصحاب مصانع التعبئة والتغليف بمنطقة برج العرب التي تصدرت الصفحة الاولي للاهرام يوم السبت الماضي والتي يتضرر فيها الرجل من بلطجة وابتزاز دفعته الي ان جاب ضرف المصنع انتظارا لاشعار آخر وتجنبا لتخريب متعمد ومنظم يتعرض له مصنعه مثلما جاء في الاستغاثة الموجهة الي رئيس الجمهورية وبعض الوزراء.. قبلها بأيام خرج علينا رئيس جمعية مستثمري برج العرب فرج عامر ليعلن وقف العمل بمصانعه حتي يصل الي حل مع فئة من العاملين لديه كانوا يحاولون فرض سطوتهم علي بقية العمال ليجبروا الجميع علي الدخول في اضراب للحصول علي مزايا مالية قد تكون حقا لهم او قد تكون احدي وسائل الابتزاز. هذان المشهدان يؤكدان ان مناخ الاعمال في مصر بات يواجه درجة غير مسبوقة من الفوضي العمالية التي تخرج بمطالب العمال من دائرة المشروعية الي دائرة اللامشروعية ومن نطاق التفاوض السلمي المتحضر الضامن للسلام الاجتماعي بين اصحاب الاعمال والعاملين لديهم الي نطاق الابتزاز ولي الذراع والحصول علي أشياء ليست حقا مشروعا من خلال الصوت العالي والتهديد بالاضراب. وفي واقع الامر هذا هو الخطر الكبير الذي يواجهه الاقتصاد المصري لاسيما في بنيته الصناعية منذ عدة شهور ذلك لان ضرب علاقات العمل وتحويلها الي ساحة للصراع الدائم بين العمال واصحاب الاعمال لن يفيد أيا من الاطراف لان هذه العلاقة يجب ان تكون متوازنة تضمن مصالح وحقوق الطرفين لا ان تنحاز لطرف علي حساب الطرف الآخر. ومثل هذا التوازن هو الذي يضمن نمو الاعمال من ناحية وتمتع العمال بمستويات متقدمة من الاجور والخدمات العينية وصولا الي حياة كريمة يستحقونها.. في المقابل لا ينكر احد ان الظلم الاجتماعي وانعدام العدالة وسياسات سحق الفقراء الذين ينتمي اليهم غالبية الطبقة العاملة, وهي السياسات التي سادت بلادنا في السنوات الاخيرة وتعد احد ابرز اسباب الغضب والاحتقان الحالي تمثل دافعا مشروعا للعديد من العمال للمطالبة بزيادة اجورهم او تحسين شروط العمل. ولا ينكر احد ان حالة الاحباط الحالية التي نتجت عن عجز ثورة25 يناير حتي الآن عن تلبية متطلبات الشعب وشعور الجميع ان لا شيء تغير للافضل لاسيما علي صعيد قضية الاجور والتوزيع العادل للثروة القومية تتسبب في اشتعال فتيل الازمات المتتابعة بين العمال واصحاب الاعمال في الفترة الاخيرة. لكن ايضا من الانصاف ان نشير الي ان العديد من اصحاب الاعمال بادروا من تلقاء انفسهم بزيادة اجور العاملين لديهم بعد الثورة وبالتالي فإن سياسة الاضراب والتوقف عن العمل وحصار اصحاب الاعمال اصبحت غير مجدية خاصة في ظل حالة الركود والظروف الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد المصري بصفة عامة هذه الايام لان الاستمرار في الضغط علي اصحاب الاعمال وتعريضهم للمزيد من الخسائر نتيجة التوقف الطوعي عن العمل وتعريض المصانع للتخريب المتعمد لن يفيد احدا وسيكون العمال اول المتضررين منه لأن معظم اصحاب الاعمال لديهم من الثروات المتراكمة ما يوفر لهم ولابنائهم وأحفادهم حياة كريمة سواء داخل مصر او خارجها وبالتالي فإن قرار غلق المصنع يكون اسهل بالنسبة لهم من الاستمرار في ظل هذه المناكفة لأن بعض اصحاب المصانع ولديهم بعض الحق يرون ان الخضوع للابتزاز مرة سوف يعرضهم للابتزاز عشرات المرات مستقبلا الامر الذي يهدد مصير استثماراتهم ومن ثم فهم يرفضون هذا الأسلوب. هنا يكون السؤال أين دور الدولة كوسيط غير منحاز وضامن للمفاوضات بين العمال وأصحاب الأعمال. ألا تدرك الدولة أن انسحابها من هذا المجال وترك مهمة فض الاعتصامات العمالية للشرطة أو مساومة اصحاب الاعمال سوف يضرب البقية الباقية من التماسك المحدود والهش الذي لايزال الاقتصاد يبديه تحت معاول الازمة الطاحنة الراهنة؟ * الا تدرك الدولة أن عليها دورا يجب ان تؤديه في نزع فتيل الصراع القائم بين العمال واصحاب الاعمال لأنها ستكون الخاسر الأكبر في هذا الصراع بعد ان تغلق المصانع ابوابها وينضم مئات الآلاف من هؤلاء العاملين الي صفوف العاطلين ونري مزيدا من التراجع في الصادرات وفي الانتاج وينخفض المعروض من السلع في الاسواق فتزداد الاسعار اشتعالا ويكتوي بنارها الجميع, من يؤيد هذه الفوضي العمالية ويباركها ومن يعارضها ويري في استمرارها خطرا علي الوطن؟ * يا سادة لقد انقطع الخيط الرفيع بين الحرية والفوضي وسقطت هيبة الدولة والقانون وأصبحنا نواجه حالة صراع اجتماعي وطبقي غير مسبوقة تهدد البلاد بحالة من الاقتتال الأهلي لن نستطيع تجنبها ما لم نقف لحظة نراجع فيها ما يجري ونحتكم لصوت العقل والضمير قبل أن يشتعل الحريق الكبير*