63 تريليون دولار ديون الأسواق الناشئة حتى نهاية2017 منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ترهن مستقبل النظام المالى العالمى بنجاح الصين فى إدارة ديونها
منذ بداية العام، كان لبعض الأحداث تأثير سلبى على الأسواق الناشئة كوجهة جاذبة للاستثمار. إعادة فرض عقوبات أمريكية على روسيا ثم تركيا، فقدان الثقة بالأرجنتين، حالة عدم اليقين فى البرازيل، حرب الرسوم الجمركية وارتفاع المديونيات، وغيرها. لكن على الرغم مما تعانيه الأسواق الناشئة هذه الأيام من مشكلات عديدة، فإنه لا يمكن للمستثمرين تجاهلها تماما والأمر بات أكثر انتقائي بحيث لم يعد بالإمكان وضع جميع الاقتصادات الصاعدة فى سلة واحدة. فاتفقت جميع الآراء على أن الأرجنتينوتركيا هما الحلقة الأضعف فى السلسلة. وينصح مديرو صناديق الاستثمار الكبرى بالتركيز على دول ناشئة محددة وهى التى توفر أفضل الفرص الاستثمارية. يقول أندرا بليتز مدير إدارة الأصول فى مجموعة «لازارد» الاستثمارية: إنه يفضل الدول التى لديها سياسات مستقرة موثوق بها، مثل إندونيسيا والمكسيك، حيث كان لصناع السياسة فيهما رد فعل سريع على التحديات الخارجية الطارئة مؤخرا. كما توفر كولومبيا فرصا واعدة بدعم من ارتفاع أسعار النفط.
أما جون نورماند المحلل فى بنك «جى بى مورجان تشيس» فيقول: إنه يفضل الاستثمار فى الدول الناشئة التى تتمتع بفوائض فى حساباتها الجارية مثل تايلاند ومصدرى النفط ذى المخاطر السياسية الأقل مثل كولومبيا، وتلك التى يمكن أن تشهد زيادة فى معدلات الفائدة مثل التشيك وبولندا. فى رأى خبراء بنك «إيه بى أن امرو» أن الأرجنتينوتركيا هما الأكثر مخاطر فى الأسواق الناشئة مع فقدان البيزو أكثر من نصف قيمته هذا العام وهبوط الليرة بأكثر من 40% وسط مخاوف من عدم كفاية الإجراءات الحكومية. وفى تعليق له عن أزمة الأرجنتين مؤخرا، قال الخبير العالمى محمد العريان: إن «أزمة» تعبير قوى، لكن يمكن وصف الوضع الحالى ب»لحظة الأسواق الناشئة». وأضاف كبير الاقتصاديين فى شركة اليانز أنه إذا لم تتم إدارة الاقتصاد بشكل صحيح، فقد تتطور هذه اللحظة لتتحول إلى أزمة، قد يشكل انتشارها تهديدا على الاقتصادات المتقدمة. ويقول محللون: إنه حتى إذا لم تكن الأزمة المالية المقبلة أمريكية الصنع مثل أزمة 2008، فإن هذا لا يعنى أن النظام المالى الأمريكى بمنأى عنها. وحتى إذا كانت معظم البنوك الأمريكية فى وضع أفضل للتعامل مع الأزمات فإن أزمة الولاياتالمتحدة الجديدة ربما كانت «مستوردة» من الخارج، بانفجارات «صغيرة» فى تركياوالهند مثلا.
تفاؤل حذر تشير توقعات بنك «مورجان ستانلى» إلى أن الاتجاه النزولى الذى بدأ منذ 6 أشهر فى الأسواق الناشئة سوف يهدأ قليلا، ويوفر بعض الاستقرار، وذلك بسبب القيم المنخفضة للأصول، وهو سبب تفاؤل بنك «جولدمان ساكس» بأن شهية المستثمرين تجاه هذه الأصول سوف تشهد تحسنا ملحوظا.كان البنك الاستثمارى «مورجان ستانلى» قد أعلن فى الثانى من أكتوبر الجارى، تغير نظرته للسندات والعملات فى الأسواق الناشئة إلى الوضع «محايد» بدلا من «سلبى» بعد موجة البيع المكثف الأخيرة، التى جعلت الأسواق الناشئة جاذبة مرة أخرى، حيث إن أسهمها أصبحت أرخص بنحو 30% عن نظيراتها بالدول المتقدمة. لكن على الرغم من تفاؤل بعض البنوك العالمية بتجاوز هذه التراجعات الحادة وتحسن الأسواق الناشئة، فإن محمد العريان طالب المستثمرين بالحذر، على اعتبار أن أوضاع الاقتصاد الكلى لا تزال غير مواتية للدول النامية. وقال إنه من السابق لأوانه أن يعيد المستثمرون تخصيص استثماراتهم والتحول عن الاستثمار فى سندات الخزانة الأمريكية والاتجاه إلى الأسواق الناشئة. فكانت نصيحة العريان بتوخى الحذر قائلا: إن ارتفاع أسعار النفط وصعود الدولار إلى جانب تباطؤ النمو العالمى وتقييد السيولة كانت دائما مزيجا مثيرا للمشكلات بالنسبة لعدد من الأسواق الناشئة. ومن ثم يتعين على المستثمرين التريث قبل إعادة هيكلة محافظهم المالية. وبحسب العريان، تشهد العملات تقلبات واسعة وبشكل خاص فى الأسواق الناشئة. ومع تفاوت السياسة والنمو والفائدة لصالح الولاياتالمتحدة فإن الاحتمالات كبيرة لمزيد من صعود قيمة للدولار. ويؤثر ذلك فى عدد أكبر من الأصول الهشة خاصة فى الأسواق الناشئة التى شهدت تدفقات نقدية خارجة كبيرة فى الفترة الأخيرة، وأصبحت السندات المقومة بالعملات الأجنبية والمحلية وكذلك العملات تحت الضغط. حرب ترامب التجارية ورفع الفائدة الأمريكية.. مصدر رئيسى لأوجاع الأسواق الناشئة يرى محللون أن ما تمر به الأسواق الناشئة من مشكلات العملة وتراجع النمو وتفاقم الديون بداية أزمة جديدة، ويحذرون من خطورتها عن أزمات سابقة. وتتركز أزمة الأسواق الناشئة هذه الأيام فى الدول «الخمس الهشة» -البرازيل، والهند، وإندونيسيا، وتركيا، وجنوب إفريقيا- وهى المجموعة التى عانت كثيرا عندما بدأ مجلس الاحتياطى الفيدرالى عام 2013 الانسحاب التدريجى من برنامج التحفيز النقدى، فالمجموعة عانت كثيرا من تراجع حاد فى قيمة عملاتها ومن ارتفاع عجوزات الحسابات الجارية والاضطرابات السياسية. ومما زاد من الضغوط على تلك الاقتصادات هبوط أسعار السلع ومخاوف بخصوص تباطؤ نمو الاقتصاد الصينى. غير أنها بدأت تتعافى، فتغيير الحكومة فى الهند وإندونيسيا أدى إلى إصلاحات سياسية واقتصادية. وبدأت عودة المستثمرين إلى تلك الأسواق وزادت التدفقات إلى صناديق الأسواق الناشئة.
اليوم تلوح فى الأفق أجواء أزمة جديدة، والسبب صعود الدولار وتصاعد التوتر الذى يثيره الرئيس دونالد ترامب -منذ توليه منصبه- وبما يعزز مخاطر حرب تجارية شاملة بين الولاياتالمتحدةوالصين، بالإضافة إلى ما يمثله رفع أسعار الفائدة الأمريكية من تحديات للأسواق الناشئة. ومن ثم يبدو أن الأزمة الحالية دخلت مرحلة جديدة. وهنا يشير محللون إلى اتساع نطاق الأضرار، فالأزمة ستطال اقتصادات تمتد من أمريكاالجنوبية إلى تركيا ومن جنوب إفريقيا إلى بعض من أكبر الاقتصادات فى آسيا مثل الصينوالهند.
عدد من تلك الدول انخفضت عملاتها إلى مستويات متدنية غير مسبوقة مع ارتفاع معدلات التضخم والبطالة. وفى بعض منها تتصاعد التوترات مع الولاياتالمتحدة مثل تركياوالصين. مؤخرا جاء طلب الأرجنتين لصندوق النقد الدولى للحصول على قرض طوارئ بمثابة صدمة للأسواق فانخفضت عملتها 50% مقابل الدولار ورفعت الفائدة إلى 60%. فى الوقت نفسه تصاعد التوتر بين تركياوالولاياتالمتحدة لم يدفع الليرة إلى أقل مستوى -بفقدانها 40% من قيمتها منذ بداية العام- فحسب وإنما أصول أسواق ناشئة أخرى كذلك. وما يزيد من مشكلات الأسواق الناشئة ارتفاع حجم ديونها وصعود الدولار الذى يرفع تكلفة السداد. وتشير أحدث إحصاءات معهد التمويل الدولى إلى ارتفاع حجم ديون الأسواق الناشئة -وتشمل الصين- من 9 تريليونات دولار فى عام 2002 إلى 21 تريليون دولار فى 2007 لتصل إلى 63 تريليون دولار فى 2017. ومؤشر مورجان ستانلى للأسواق الناشئة أقل حاليا بنحو 9% عن بداية العام. اليوم تدور إشكالية المستثمرين حول الاحتفاظ باستثماراتهم فى الأسواق الناشئة أو الخروج منها. وعلى الرغم من أن ارتفاع المخاطر يعنى ارتفاع الأرباح، فإن أساسيات السوق توحى بأن السيناريو الحالى سيؤدى إلى أزمة خطيرة. فى الوقت نفسه ارتفاع الفائدة فى الولاياتالمتحدة واقتصادات كبرى أخرى قد يجذب المستثمرين الدوليين بعيدا عن الأسواق الناشئة، ما يعزز نظرية «انفجار فقاعة الأسواق الناشئة قريبا».
منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية: الاستقرار المالى العالمى يعتمد على قدرة الصين على إدارة دينها
من جانبها، حذرت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية من ارتفاع مستويات الديون باعتباره أكبر تهديد للاستقرار المالى، وقالت فى أحدث تقرير لها إن المستقبل المالى العالمى يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة الصين على إدارة دينها. ويقدر إجمالى الدين الصينى بنحو 11.2 تريليون دولار بنهاية الربع الثالث من 2017 منها 4.1 تريليون دين سيادى. ويبدى البعض شكوكه حول مشروعات البنية التحتية المقترحة فى إطار مبادرة «الحزام والطريق» التى سيتم تمويل معظمها بالاقتراض، وفى الوقت نفسه ستواجه تلك المشروعات تحديات خاصة بمناخ الأعمال فى الدول المطلة على طريق الحرير الجديد.
رفع الفائدة الأمريكية يضر بعملات الأسواق الناشئة أما صندوق النقد الدولى فأشار فى أحدث تقرير له إلى المخاطر المحيطة بأزمة العملة فى بعض الدول الناشئة، محذرا من بلوغ الدين العام وديون الشركات مستويات قياسية، فالوضع السيئ الذى تعانيه هذه الاقتصاديات يتبع سيناريو تقليديا، عندما ترفع الولاياتالمتحدة أسعار الفائدة ينعكس ذلك سلبا على الدول المثقلة بالديون الدولارية، حيث يوجه المستثمرون أموالهم إلى الدولار الذى تتعزز جاذبيته. وبالتالى تتراجع عملات الدول الناشئة. وخفض الصندوق فى تقريره الأخير عن «آفاق النمو العالمى» توقعاته للنمو فى البرازيل، أكبر اقتصاد فى أمريكاالجنوبية. وكذلك الأرجنتين التى حصلت على 57 مليار دولار كمساعدات مالية من الصندوق. وقال التقرير: إن الأرجنتين هى «الحلقة الأضعف» فى سلسلة الأسواق الناشئة والسبب فى تباطؤ نمو أمريكا اللاتينية. وتوقع انكماش الاقتصاد الأرجنتينى بنسبة 2.6% فى 2018 و1.6% فى 2019.