عرض مؤخرا أحد الأفلام التى تتناول حقبة الحرب الأهلية فى أمريكا . وقد تضمن أحد مشاهده حوارا بين اثنين من كبار القوم، أحدهم يحذر من ثورة الجياع والفقراء، فكان رد الآخر، أن نصف هؤلاء سوف يتولى القضاء على النصف الآخر الاشارة الى هذه العبارة والقياس مع الفارق فيما تشهده ميادين وشوارع القاهرة، بل العديد من المحافظات من مواجهات ومظاهرات دخلت فى حيز العنف وسقوط قتلى وجرحى، يشير إلى أن الايدى العاطلة وفاقدى الامل فى الحصول على فرصة عمل ملائمة ومستوى معيشة آدمى، إما انهم خضعوا لاغراءات المال والرشوة المعنوية والمادية، وإما أنهم فى مواجهة حائط سد لا يمكنهم افتراش الطرق والشوارع للعرض العشوائى للمنتجات فيكون التعبير عن الضيق والغضب والخروج لاعلان ذلك على الملأ . . الاشارة الى هذه النقطة، لا تنفى عن هذه المظاهرات والاعتصامات التى تجتاح محافظات وأقاليم مصر، الرغبة فى إبداء الرأى والرأى الآخر، انطلاقا من دوافع سياسية ومشاركة شعبية . . ولكن الامر المؤكد أن هناك وقودا يغذيها ينطلق من اعتبارات اقتصادية، سقطت أو أسقطت من الحسابات، إنها قضية البطالة التى ترتفع وتتزايد، والفساد الذى ينتشر وينتشر . ولا مجال لمواجهته باجراءات فعالة، طبقا للتقارير الدولية ونظيرتها على الصعيد المحلى . فطبقا لما أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء ارتفع معدل البطالة الى 12.5 % خلال يوليو وأغسطس وسبتمبر من العام الحالى مقابل 11.9 % خلال نفس الفترة من العام الماضى 2011 وهذا يعنى أن تطورات ما بعد 25 يناير، لم تقدم المناخ الملائم لتزايد فرص العمل نتيجة لانكماش الاستثمار المحلى وانسحاب الاستثمارات الاجنبية . . بل إن الارقام التفصيلية تضيف بعدا آخر أكثر قتامة حيث إن معدل البطالة فى الحضر قفز الى 16.3 % مقابل 9.5 % فى الريف، مع تركزها فى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 29 عاما لتصل الى 78.3 % من إجمالى العاطلين منهم 46.4 % للفئة العمرية بين 20 24 عاما، 22.1 % للفئة العمرية 25 29 عاما . . وجاءت الارقام الصادرة عن وزارة القوى العاملة والهجرة بالنسبة لشهر أكتوبر 2012، لتزيد من قتامة الوضع وتضرب أجراس الانذار لمن أصمت آذانهم وأغفلت أعينهم عن رؤية الواقع الاقتصادى والاجتماعى وتبعاته السياسية فى مصر، لقد اكدت الارقام أن هناك ما يقرب من 164 ألف مواطن انضموا الى طابور العاطلين، وان عدد الراغبين فى البحث عن فرص عمل قد اقترب من 193 ألف فرد سجلوا أنفسهم فى مكاتب العمل التابعة للوزارة خلال نفس الشهر أكتوبر 2012. . واذا كان الوضع كذلك واذا كان الفساد والرشوة والمحسوبية قد أدت الى تراجع مصر الى المرتبة 118 كانت فى المرتبة 112 فى العام قبل الماضى أى 2010 فهل هناك طاقة أمل أو بصيص من ضوء أمام جيش البطالة والمحاصرين فى خانة حد الكفاف. وقد يقول قائل إن هذه الاوضاع نتيجة طبيعية لما بعد ثورات الربيع العربى ولكن الامانة العلمية والموضوعية تقتضى الاشارة الى أن تونس احتلت المرتبة 75، وحتى سوريا التى تشهد حربا أهلية تحتل المرتبة ال 144 . إنه الاقتصاد يا سادة، الفريضة الغائبة فى أحداثنا الراهنة . . فانتبهوا حتى لا يقضى نصف الفقراء على النصف الآخر مادامت لقمة العيش لم تعد تكفى الاثنين، وقد سبق التحذير من تآكل سوق العمل بينما التصريحات الوردية الرسمية تتوالى