اتحاد كرة القدم يبرر السلوكيات المخزية التى صاحبت فضيحة روسيا بأن كرة القدم أصبحت صناعة و»بيزنس»، وهذا صحيح، ولكن الصحيح كذلك أن هذه الصناعة تزدهر فى معظم أنحاء العالم وأن دولا كثيرة لم يكن لها تاريخ فى اللعبة شهدناها تتطور وتتألق وتنافس فى المونديال، رغم أنها عندهم «بيزنس» أيضا! إحاطة «البيزنس» بلعبة كرة القدم لايعنى مطلقا أن تتفوق حسابات الأرباح والمكاسب على الأصول الفنية للعبة التى هى الأساس فى عشق الجماهير لها، كما ان البيزنس لايصلح مسوغا لغض الطرف عن الانهيار الأخلاقى للاعبين والإداريين الذى هو حديث الناس ومواقع التواصل الاجتماعى منذ العودة الحزينة من موسكو. وفى كل الأحوال فإن التكالب غير المنضبط على جمع المال ليس «بيزنس» بدليل الخسائر المعنوية وربما المادية التى لحقت بالشركات الراعية للمنتحب عند الرأى العام جراء عدم تدقيقها فى اختيار نجوم الفن والرياضة والصحافة وغيرهم الذين وجهت لهم الدعوات للسفر الى روسيا بزعم مؤازرة المنتخب، فيما الكل يعلم ان الموضوع كله ترويج فى ترويج من ميزانيات الإعلانات فى هذه الشركات. هذه الشركات «لعبتها غلط» لأنها راهنت على حصان خاسر، وسبب خسارته ان اللاعبين والإداريين انغمسوا فى جمع المكاسب حتى عشية يوم المبارايات الحاسمة حيث شهدنا جميعا نجوم المنتخب يسهرون امام الكاميرات حتى الفجر لتسجيل لقاءات تبين انها مدفوعة لهم ولمن أقنعهم، وربما لمن تغاضى عن هذه السلوكيات الشائنة وهذا ليس «بيزنس»! أى «بيزنس» لابد أن تحكمه قوانين وقواعد ونظم، وان تكون هناك جهة أو جهات تتولى عبء إدارة السوق وتطبيق هذه القوانين، وفى اسبانيا التى تتمتع بأقوى دورى وأضخم بيزنس للكرة رأينا اتحاد اللعبة ينهى خدمات المدرب العريق للمنتخب قبل ساعات من المونديال لأسباب تتعلق بالقيم والمبادئ، وفى اليابان رأينا اتحاد الكرة يستغنى عن المدرب العالمى الذى أوصلهم لكأس العالم ويستبدل به مدربا محليا لأسباب فنية، وكلنا تابعنا بذهول أداء اليابانيين الرائع أمام بلجيكا ليخرجوا بكبرياء مرفوع الرأس فى الثوانى الأخيرة من المباراة. ولابد ان هناك لجانا فنية وأخرى تتعلق بالانضباط والقيم تمارس عملها فى هذه الاتحادات وتراقب أداء الفرق وتأخذ القرار السليم فى الوقت المناسب. عندنا.. بُحت أصوات خبراء الكرة أمام الكاميرات يحذرون من أداء المنتخب خلال فترة الإعداد وأسلوب مدربه، لكن إدارة اللعبة صمّت آذانها عن هذه الآراء، كما صمّت آذانها وأغلقت عيونها عن المخالفات الإدارية الجسيمة والمخزية المتعلقة بالسطو على الملابس والسطو على التذاكر والمحاباة فى تسفير من لا شأن له، وغير ذلك من المخالفات والجرائم التى يمكن أن تكشفها لجنة تحقيق نزيهة. المشكلة فى كرة القدم كما فى كثير من أحوالنا الأخرى أن «المنظومة» مكتملة من حيث الشكل! الاتحاد منتخب والقوانين قائمة واللوائح كثيرة، ولكن فى التطبيق لانرى إلا أداء مفلسا وفسادا مستشريا، فما معنى أن تكون لاتحاد الكرة لجنة فنية ولكنها لاتتابع ولاتراقب ولاتوصى، وما الهدف من وجود لجنة للانضباط لاتضبط شيئا. أما الاندية وما يحدث فيها فهذه قصة أخرى أكثر تعقيدا وهوانا ولاسيما فيما يتعلق بتغول رؤساء هذه الاندية وإداراتها على الاتحاد الذى يدير اللعبة فينغمس الجميع فى لعبة مصالح كانت نتيجتها ما رأيناه فى روسيا، وما سوف نراه فى البطولات المقبلة للمنتخب وللأندية التى ظهرت تباشيرها مع الأهلى والزمالك من قبل روسيا. المنتخب يتدحرج بسرعة فى تصنيف الفيفا من المرتبة العاشرة التى وصلها قبل سنوات لينزلق دون المرتبة الخمسين بعد نتائج روسيا. ولابد ان يكون هناك مسئول يتحمل مسئولية هذا الإخفاق وهذا الهوان، ولاأجد هنا غير الاتحاد الذى يدير اللعبة، غير أنه –يا للأسف!- رئيسه قدم اعتذاره ولكنه رفض الاستقالة! إزاء هذا العبث لابد أن يكون هناك تدخل من قبل الدولة، فهذا الاتحاد الذى يستخفى خلف لوائح الفيفا يجب أن يجد من يلزمه بتحمل مسئولية سوء إدارته وسوء النتائج وهناك أكثر من طريق كما شرح الخبراء، أما اللاعبون الذين هم فاكهة اللعبة ومعشوقو الجماهير فمن حقهم تنمية مواردهم، بل المشاركة فى الإعلانات ولكن ببعض العزة والكبرياء، ولهم فى محمد صلاح أسوة حسنة وفى رونالدو وميسى ونيمار وغيرهم الاختيار الذكى لإعلان يفيد اللاعب والشركة الراعية وشركة التسويق يفيد الجميع، أما «شجع بروح الفانلة» فهى تلخص مدى الهوان والانحدار الذى بلغته صناعة كرة القدم فى مصر.. واللى مايعرفش يقول «بيزنس»!