إستكمالاً لمقالي السابق " إحذروا .... الشركات العائلية أمن قومى " الذى تناول وجوب حذر العائلة من فرص فشل شركاتهم وإستثماراتهم وذلك من خلال سرد لمجموعة من النصائح والإجراءات والتى توافق عليها العديد من كتاب أدبيات الشركات العائلية للحد من تحقق تلك الفرص التى تؤدى إلى زوال تلك الشركات . كما تناول المقال أهمية وتأثير الشركات العائلية على الإقتصاد القومي المصري من حيث عدد الشركات العاملة فى الحياة الاقتصادية ونصيب هذا القطاع من الناتج القومي الإجمالي وكذلك المخاطر التي تنتاب هذه الشركات وخاصة مخاطر الإنقراض أو الإندثار . والجدير بالذكر هنا وكما طلب منى أحد المعلقين على المقال السابق توضيح مفهوم الشركات العائلية وأقول له في كلمات يسيرة بأن الشركات العائلية هي الشركات التي تكون فيها السيطرة فى الملكية أو الإدارة أو حقوق التصويت أو جميعهم لعائلة واحدة أو لتحالف عائلي باتفاق مسبق . أن الشركات العائلية تمثل شريحة ضخمة من شركات القطاع الخاص العامل فى الحياة الإقتصادية المصرية – هناك العديد من شركات القطاع الخاص لا تنتمي إلى قطاع الشركات العائلية وهى تلك الشركات التي لا تتوافر فيها شروط السيطرة فى الملكية والإدارة أو حقوق التصويت لعائلة واحدة مثل الشركات المساهمة التي تتوزع ملكيتها على عدد كبير من الأشخاص والجهات الاعتبارية – وبالتالي أصبح دعم ومساندة الدولة للشركات العائلية هو في حد ذاته دعم ومساندة للقطاع الخاص فى العموم . ونظراً لاستحواذ الشركات العائلية على ما يقرب من 75 % من قيمة الناتج القومي الإجمالي فإن السياسات التى تنتهجها الدولة فى دعم هذا القطاع تعد بمثابة سياسات داعمة للإقتصاد القومي كله وأى سياسات تنتهجها الدولة فى عكس هذا الإتجاه فهي بمثابة ضربة قاسمة للإقتصاد القومي وإجهاض لكل جهود وخطط التنمية وغيرها من المؤشرات الحيوية الدالة على صحة الإقتصاد القومى . لذا : أدعو الجهات المعنية فى الدولة إلى الحرص فى التعامل مع ملف الشركات العائلية والنظر إليه بإعتباره أمن قومى وألا تجعل هذا القطاع يدفع فاتورة سياسات الإصلاح الإقتصادى بمفرده وإلا قد يحدث مالا يحمد عقباه .... من فشل وهجرة رؤوس الأموال العائلية وإجهاض فرص التنمية المستهدفة وفى هذا الإطار أقترح الأتى : 1- تهيئة بيئة الأعمال القومية وإزالة كافة العقبات التى تعوق الإستثمار الجاد والهادف وبمنتهى السرعة وعقد مؤتمرات تعريفية على مستوى المحافظات للإفصاح عن الفرص الإستثمارية المتاحة وجذب الإستثمار المحلى بدلاً من أن نلهس وراء الإستثمار الأجنبى دون طائل ملموس وهل سيأتى مستثمر أجنبى إلى مصر والمستثمر المحلى يعانى من البيروقراطية والقيود ووصمة بأنه إنتهازى ومستغل !! يجب على الدولة دعم ومساندة القطاع الخاص بشكل عام والشركات العائلية بصفة خاصة للنهوض بإستثماراتهم وإزالة كل القيود ومنحهم كل الحوافز والتسهيلات والتنازلات التى قد تمنحها الدولة للمستثمر الأجنبى – دائماً ما يسعى المستثمر الأجنبى إلى تحويل أرباحه وفوائض إستثماراته إلى الدولة الأم – أما المستثمر المحلى يسعى دائماً إلى إعادة إستثمار العوائد فى بلده والقارىء يعى تماماً الفرق بين هدف الاثنين . - ونحن بالقطع لسنا ضد جذب الاستثمارات الأجنبية بل أنا من أشد المؤمنين بضرورة ووجوب جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وخاصة للاستثمار فى المجالات التى تتطلب خبرات وتكنولوجيا متقدمة وصناعات وأنشطة إقتصادية نوعية وأعى تماماً مزايا الاستثمار الأجنبى على كافة المستويات سواء على صعيد نقل التكنولوجيا الحديثة والمهارات الإدارية ورؤوس الأموال الضخمة والخبرات .... الخ لكن أنا على يقين تام بأن رضاء المستثمر المحلى هو السبيل الوحيد لجذب المستثمر الأجنبى . 2- البعد كل البعد عن سياسات التسعير الجبرى للعديد من الخدمات التى يقدمها القطاع الخاص بشكل عام والعائلى بشكل خاص حيث اتباع تلك السياسات من قبل الجهات الرسمية فى الدولة تعد بمثابة إعلان التأميم على تلك المؤسسات وإجهاض مسعاها مما يؤدى إلى التشكيك فى نوايا الدولة تجاه تلك المؤسسات والتى أنا على يقين تام بصدق تلك النوايا نحو الإصلاح والتنمية الحقيقية – ومثال على ذلك سياسات تسعير الرسوم الدراسية فى قطاع التعليم الخاص بشقيه الجامعى وما قبله بحجه عدم المغالاة على أولياء الأمور والمواطنين – هذا ليس صحيحاً– خاصة أنه فى حالة ترك تسعير الرسوم لقوى العرض والطلب وآليات السوق الحر سيكون المستفيد الأول هو ولى الأمر والمواطن سواء على مستوى إنخفاض قيمة الرسوم– تعد قيمة الرسوم الدراسية واحدة من معايير المفاضلة بين المؤسسات التعليمية وليست المعيار الأساسى - أو على مستوى رفع كفاءة العملية التعليمية نفسها وذلك بفضل أليات المنافسة بين المؤسسات التعليمية ، وهنا يكون المستفيد الإقتصاد والمواطن والمؤسسات معاً . 3- إعلان الدولة لميثاق واضح لا رجعة فيه وتتخذ كل ما يلزم تجاه ذلك بإطلاق السوق المصرى سوقً للإقتصاد الحر بمعنى الكلمة يعمل وفقاً لآليات العرض والطلب لا تتدخل الدولة فى آلياته إلا لمنع الإحتكار وتعظيم المنافسه والرقابة على جودة السلع والخدمات وحماية المستهلك والحد من الفساد وإعلاء سيادة القانون مع تقديم حزم من البرامج التحفيزية للإستثمار المحلى والاجنبى كما لا تدخل الجهات والهيئات الحكومية كمستثمر أو كمنافس فى أى نشاط إقتصادى إلا لدواعى قومية والمشروعات الإستراتيجية العملاقة والتى من شأنها حماية الأمن القومى وأن تلعب الدولة دور المنظم والمراقب والداعم للمستثمرين . وخاصة أنه فى حالة دخول الدولة كمستثمر فى أنشطة إستثمارية ستكون المنافسة غير عادله وهنا ستهاجر الإستثمارات المحلية والأجنبية إلى بيئات إستثمارية آخرى . 4- إصدار وتطوير القوانين التى تنظم عمليات الإندماجات والإستحوذات بالشكل الذى يقدم حوافز إستثمارية وضريبية تشجع على تكوين كيانات إقتصادية قوية قادرة على المنافسة المحلية والدولية ويكون لدينا شركات عابرة للقوميات ومتعددة الجنسيات تستثمر فى كل دول العالم محققة لعوائد ضخمة تحولها إلى بلدها الأم وهى مصر وفى هذه الحالة يكون لدينا مورد لا يستهان به فى تدعيم حصيلة النقد الأجنبى وأثره على إستقرار سعر الدولار وقوة العملة المحلية . 5- تأمين هواجس القطاع العائلى منإقدام الدولة على سياسات ضارة بإستثماراته وليطمئن الجميع بأن مصر بلد الأمن والأمان على المستوى الإقتصادى ولا رجعة إلى سياسات التأميم والمصادرة والإضطهاد والمطاردة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر والقضاء على كل المخاطر التى من شأنها تخفيض قيمة تكلفة الأموال المستثمرة سواء المحلية أو الأجنبية وجعل مصر دولة جاذبة بحق للإستثمار الآمن ذو المخاطر المحسوبة والمحدودة . 6- توفير بيئة معلوماتية خصبة و شفافة تتيح لجميع المستثمرين نفس القدر من المعلومات وفى نفس الوقت ودون تكلفة عن فرص الاستثمار المتاحة وتقديم الدعم الكافى والتسهيلات اللازمة لتفعيل تلك الفرص . وأعتقد أن كل هذا يجب أن تأخذه الدولة فى الإعتبار والحذر فى التعامل مع الإستثمارات العائلية و الخاصة بإعتبارها أمن قومى وأن رعاية الدولة لها يعد أمر حتمى وواجب وطنى . ونحن على ثقة ويقين بأنه قد آن الآوان لإستغلال الإرادة والعزيمة الصادقة على المستوى السياسى والإقتصادى الذى تعيشه مصر الآن للنهوض بالإقتصاد القومى وتهيئة البيئة الإستثمارية المحلية - والذى يعد القطاع العائلى آحد أدواته الهامة وقوته الضاربة – لجذب المزيد من الإستثمارات العائلية والخاصة .