يمكن القول بارتياح إن الزيارة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى للرياض وعقده أول قمة رسمية له مع العاهل السعودى الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز أنهت بما لا يدع مجالا للتشكيك كل محاولات تقويض العلاقات الاستراتيجية بين القاهرةوالرياض التى حققت اندفاعة قوية فى أعقاب الثلاثين من يونيو 2013، وذلك بعد ان سعت دوائر عديدة سواء داخل مصر أو فى الإقليم الى إجهاض تمددها، فى أعقاب رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز فى الثالث والعشرين من شهر يناير المنصرم، وثمة من راهن على أن الملك الجديد سوف يحدث تغييرا فى مسار هذه العلاقات، على نحو يؤدى الى خفض منسوبها وربما فتح الأبواب أمام عودة العلاقات مع جماعة «الإخوان المسلمين»، أو هكذا تمنى البعض الذين قاموا بعدد من الممارسات، بلغت حد فبركة تسريبات لتصب فى خانة تأجيج مشاعر ليس السعودية فحسب وإنما مختلف دول الخليج تجاه القاهرة وهو ما تم إجهاضه على الفور بالاتصال الهاتفى الذى بادر به الرئيس السيسى، وسرعان ما جاءت ردود الأفعال الخليجية قوية رافضة أى إضرار أو مساس للعلاقات مع مصر من قبل الملك سلمان والشيخ صباح الأحمد أمير الكويت والملك حمد بن عيسى عاهل البحرين والشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبو ظبى ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية الأمر الذى أسكت أبواق الدوائر التى عملت على فبركة هذه التسريبات. على أى حال جاءت زيارة السيسى الأخيرة للرياض لتؤكد جملة من الحقائق: أولا : إن العلاقات المصرية السعودية غير قابلة للاختراق- أو على حد تعبير عفيفى عبد الوهاب سفير مصر لدى الرياض - هى «أكبر وأقوى وأسمى وأعلى من أى مساع ملغومة»، مشيرا الى حقيقة مؤداها أنه لن تقوم للعمل العمل العربى المشترك قائمة إلا من خلال التنسيق والتعاون والتشاور المستمر بين كل من مصر والمملكة، الحوادث والمواقف التاريخية تثبت وتؤكد ما ذهب اليه حسبما يقول، وأضيف الى ذلك أن حاجة كل طرف للآخر تزايدت فى الآونة الأخيرة، لاسيما مع اتساع دائرة المخاطر التى باتت تهدد الدولتين والمنطقة العربية عموما، وفى الصدارة منها منطقة الخليج والجزيرة العربية فى ظل تنامى خطر داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، معلنا حضوره القوى فى مناطق تتماس مع الحدود السعودية بل إن داخلها لم يسلم منه وكذلك مصر فإنها تخوض معه حربا شرسة ضد هذه التنظيمات فى سيناء وعلى حدودها مع ليبيا، وقد اضطرت للتعامل معه وجها لوجه فى منطقة درنة المدججة بأسلحة داعش بعد إعلانها إمارة إسلامية خاصة أنها لا تبعد عن حدود مصر سوى 300 كيلومتر مربع، ومن ثم كان التوافق فى القمة الرسمية الأولى على أهمية المسارعة بتشكيل قوة عربية مشتركة لدحر الإرهاب، ووفق ما رشح من معلومات، فإن الرياض أبدت حماسا كبيرا للمشاركة فى هذه القوة الى جانب كل من الإماراتوالبحرينوالكويت، وعلى الفور تم تكليف الجهات المعنية بالمملكة العربية للسعودية للبدء فى وضع تصوراتها لكيفية البدء فى تكوين هذه القوة ومدى ونوعية وطبيعة المساهمة فيها، خاصة أن القمة العربية التى ستحتضنها مدينة شرم الشيخ يومى 28 و29 مارس الجارى ستقر هذه القوة وهو ما تم التوافق عليه بين الزعيمين السيسى وسلمان باعتبار أن هذه القوة ستكون الحل الأمثل لمكافحة الإرهاب والحد من تمدد تنظيمات التطرف وفى طليعتها «داعش» وكما يقول اللواء على حفظى مساعد وزير الدفاع الأسبق ل»الأهرام الاقتصادى « فإن القوة المشتركة ستشكل عنصر ردع لكل المهددات التى تواجه النظام الإقليمى العربى وفى مقدمتها الإرهاب، لكنه يدعو الى التعامل مع الأعمال اللوجستية الخاصة بتشكيلها بسرية مطلقة حتى تحتفظ بعنصر المفاجأة، ويرى أن تشكيلها ينبغى أن يبتعد عن الشكل التقليدى الذى تظهر به قوات مشتركة لمنظمات إقليمية ودولية أخرى، بحيث يركز على الطيران والقوات الخاصة التى تمثل النخبة فى الدول التى ستنضم اليها فضلا عن التعاون الاستخباراتى والمعلوماتى. ثانيا: تصدت القمة ربما بصورة أكثر وضوحا، لخطر التمدد الحوثى فى اليمن ومحاولاته المستميتة للوصول الى مضيق باب المندب الاستراتيجى فى البحر الأحمر، واتفق الزعيمان سواء فى الجلسة التى اقتصرت عليهما فقط بقصر الملك سلمان بالرياض، أو فى الجلسة التى شارك فيها الوفدان المرافقان - الذى لوحظ مشاركة أركان القيادة السعودية بأكملها فيها خاصة ولى العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز أو ولى ولى العهد الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وغيرهما من الأمراء المؤثرين - على عدم السماح بالمساس بأمن البحر الأحمر أو تهديد حركة الملاحة الدولية فيه، وهو ما تزامن مع إعلان الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى أن صنعاء مدينة محتلة من قبل الحوثيين متهما ايران والرئيس السابق على عبد الله صالح بأنهما وراء انهيار النظام، ويعكس هذا الموقف الواضح - الذى يتم التعبير عنه لأول مرة من قبل القيادتين المصرية والسعودية - أنه لن يتم السماح مطلقا بسيطرة الجماعة الحوثية على باب المندب، الأمرالذى يعنى إعطاء إيران موقع قدم فيه، مما ينطوى على مخاطر جمة، سواء على الأمن الوطنى لمصر والسعودية فضلا عن الأمن القومى العربى، بل قد يفتح الباب أمام تدخل دولى لحماية هذا الممر الاستراتيجى للطاقة الدولية الذى تتجاوز اهميته مضيق هرمز فى الخليج العربى، مما قد يطلق حربا من نوع ما فضلا عن تأثيرات هذه السيطرة على سلامة العبور من والى قناة السويس المصرية، واللافت أن البلدين أجريا قبل أيام تمرينا بحريا مشتركا تحت اسم (مرجان 15 )، الذى اعتبر أكبر تجمع لوحدات بحرية فى تدريب بحرى مشترك بين أكبر دولتين عربيتين فى منطقة الشرق الأوسط، مطلتين على البحر الاحمر، بمشاركة العديد من الوحدات البحرية الكبيرة المختلفة الطرازات وجماعات من الوحدات الخاصه البحرية وطائرات الهليكوبتر من كلا الجانبين، واستهدف فرض وتحقيق سيادة الدولة على المياه الإقليمية والاقتصادية وتأمين وحماية السفن التجارية، وحماية المصالح الاقتصادية الهامة ضد أى عدائيات بحرية. ثالثا: حظيت المشاركة السعودية فى المؤتمر الاقتصادى الذى سيعقد بشرم الشيخ يوم الجمعة القادمة 13 مارس، لمدة ثلاثة أيامبدفعة جديدة سواء من حيث رئاسة الوفد الرسمى الى المؤتمر، التى تتمثل فى الأمير مقرن بن عبد العزيز ولى العهد ونائب رئيس الوزراء، مما يعكس الأهمية التى توليها المملكة لهذا المؤتمر وحرصها على إنجاحه خاصة أنه بالأساس فكرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عقب ثورة الثلاثين من يونيو ضمن مواقفه القوية والحاسمة لمساندتها، ودعا آنذاك الى عقد مؤتمر دولى للمانحين لمصر وهو ما رحبت به القيادة المصرية، إلا أنه رئى بعد مشاروات مع الرياض تحويله الى مؤتمر لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية وتخصيصها لمشروعات معينة تقدمها الحكومة، عوضا عن كونه يقدم منحا قد تتحمس الدول للإعلان عنها خلال أيام انعقاد المؤتمر ثم يخفت هذا الحماس، ولا يترجم الى أرقام مثلما أكدته مؤتمرات مماثلة عديدة من قبل - وفق تصريحات السفير أحمد القطان السفير السعودى لدى القاهرة - فإن توفير الظروف الهادفة الى إنجاح مؤتمر شرم الشيخ كانت على رأس جدول أعمال مباحثات السيسى وسلمان، ومن المتوقع أن تعلن السعودية عن مليارات من الدولارات مساهمة فى عدد من المشروعات الاستثمارية الضخمة وفى مقدمتها مشروع تنمية قناة السويس وغيره. رابعا: شهدت القمة المصرية السعودية توافقا فى وجهات النظر حيال أزمات المنطقة، وفى مقدمتها الأزمة السورية والقضية الفلسطينية والوضع فى ليبيا وثمة إجماع على الخيار السياسى والحوار لحل هذه الأزمات بما فى ذلك الأزمة السورية التى تحدثت أنباء فى الفترة الأخيرة عن تباين فى الموقف من بشار الأسد كجرء من المشكلة، وحسب المتاح فإن مصيره ترك للسوريين الذين بوسعهم هم فقط من يحدده فى ضوء الحوار المرتقب بينهم، فالمهم أن يتم التوافق على تشيكل هيئة انتقالية للحكم تمهد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وتعد دستورا جديدا يحدد مسار وطبيعة العلاقات بين مؤسسات الدولة مع التأكيد على المحافظة على وحدة سوريا أرضا وشعبا .