فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة ، اصبحت تحظى بتأييد واسع فى كواليس الجامعة العربية ،وبالذات فى ضوء تصاعد المد الإرهابى لتنظيم « داعش» فى المنطقة العربية على نحو شديد الخطورة ،بات يهدد ليس الدولة الوطنية وإنما يهدد مجمل الأمن القومى العربى،وهو ما تجلى فى سيطرة التنظيم على مساحات شاسعة من كل من العراقوسوريا،فضلا عن سيطرته مؤخرا على مناطق محددة فى ليبيا وأهمها سرت ودرنة وإعلانه سيناء المصرية تابعة لدولة الخلافة بزعامة أبو بكر البغدادى بعد أن حول تنظيم بيت المقدس ولاءه من القاعدة الى داعش ، وقد جاءت الدعوة لإنشاء قوة تدخل عربية مشتركة لدحر الإرهاب فى اقتراح للدكتور نبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية فى دراسته عن صيانة الأمن القومى العربى التى قدمها للاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية منتصف يناير الماضى مستندا فى ذلك على ميثاق الجامعة واتفاقية الدفاع العربى المشترك المبرمة فى العام 1950 والبرتوكولات الإضافية له التى تتضمن إيجاد نظام دفاعى إقليمى مشترك مرن ومتكامل للدفاع الجماعى وحفظ السلم والأمن فى المنطقة ،وإنشاء قيادة عامة موحدة لقوات التدخل العسكرية وفقا لمقتضيات المعاهدة أو أى صيغة أخرى يتم التوافق عليها واللافت أن الاقتراح تضمن الدعوة لعقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع العربى المشترك (وزراء الخارجية العرب ووزراء الدفاع ) لبحث إمكان تشكيل قوات التدخل العسكرى العربى والآليات اللازمة لعملها ومرجعياتها السياسية والقانونية ووسائل تنظيم عملها وتشكيلاتها العسكرية والدول الأعضاء والمساهمة فيها،إلا أنه سرعان ما صدر تصريح من الأمانة العامة للجامعة ،ينفى مثل هذه الدعوة وهو ما كشف -وفق معلومات خاصة - عن تباينات فى مواقف الدول العربية خلال الجلسة المغلقة التى عقدت لبحث هذه الدراسة التى قام الأمين العام للجامعة بإعدادها بناء على تكليف سابق من وزراء الخارجية العرب ،الأمر الذى تقرر معه إجراء المزيد من المناقشات فى قطاع الأمن القومى بالجامعة وهو قطاع مستحدث ضمن هيكلية الأمانة العامة ومكلف بمتابعة كل الشئون ذات الصلة بقضايا الأمن القومى والمهددات التى تواجه النظام الإقليمى العربى. وتفيد المعلومات الخاصة التى تم الحصول عليها فى هذا الصدد أن الأمين العام للجامعة العربية ومساعديه أصيبوا بنوع من خيبة الأمل من جراء التحفظات التى أبدتها بعض الدول العربية إزاء فكرة تشكيل القوة المشتركة وهو ما أدى الى نوع من التراجع عن بحث الفكرة ،والتركيز على مسألة تفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك ،وهو ما شكل العناوين الرئيسية لتصريحات الدكتور نبيل العربى من دون أن يشير الى فكرة القوة العربية المشتركة متجليا ذلك فى آخر بياناته ،عن العملية الإرهابية التى قام بها تنظيم داعش يوم الاثنين الماضى عندما أعاد التأكيد على هذا المطلب فى معرض حديثه عن ضرورة اتخاذ موقف حازم وتبنى إجراءات فعالة ،وذلك لصيانة الأمن القومي العربي والتصدي لظاهرة الإرهاب على حد قوله . غير أن ذلك لا يعنى التخلى الكامل عن خيار تشكيل هذه القوة داخل أروقة الجامعة العربية التى تقوم قطاعاتها السياسية والأمنية بدراسته بتوسع وعمق على نحو يدفع به ،الى الواقع العملى- وحسب مصدر رفيع المستوى بالأمانة العامة للجامعة العربية - فإن هذا الخيار سيكون على رأس الملفات التى سيتم طرحها على القمة العربية السادسة والعشرين التى ستعقد بمصر يومى 28 و29 مارس المقبل بعد أن يتم إقراره من قبل الاجتماع التحضيرى للقمة ضمن الدورة ال143 لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية والتى ستعقد فى الأسبوع الأول من شهر مارس المقبل ،ويقول المصدر :إن التطورات الأخيرة سواء فى مصرأو فى غيرها بالمنطقة أعطت دفعة قوية لهذا الخيار ، ومن ثم ستعقد خلال الفترة المقبلة سلسلة من الاجتماعات التى ستننظمها الجامعة العربية لبحث تكثيف التنسيق بين الدول العربية ،للوصول الى نقطة تشكيل قوة عربية مشتركة للتدخل السريع فى أسرع وقت ممكن يكون من مهامها العمل على درء الإرهاب ،مضيفا إن الاجتماعات القادمة على مستوى وزراء الخارجية ستبحث فى إمكان بدء تنسيق حقيقى على الصعيد العسكرى ،فضلا عن تبادل المعلومات الاستخباراتية التى من شأنها توحيد الجهود العربية الرامية لمحاصرة الجماعات والتنظيمات الإرهابية ،استنادا الى ضرورة مسئولية العمل الجماعى العربى على هذا الصعيد وبالذات من خلال التنسيق الكامل،لاسيما على المستوى العسكرى والأمنى ،وهو أمر بات مطلوبا ترجمته فى الواقع العربى من قبل المسئولين عن القطاعات العسكرية بالذات فى أقرب وقت ممكن وفقا لتأكيدات المصدر. ولم يكن البرلمان العربى الذى يمثل حاليا الذراع التشريعية للعمل العربى المشترك ،بمنأى عن المهددات التى تواجه الأمن القومى العربى وقد أصدرفى هذا السياق وثيقة بالغة الأهمية يقول عنها أحمد بن أحمد الجروان رئيس البرلمان فى لقاء خاص : إنها جاءت تحديثا لوثيقة الأمن القومى العربى المصدق عليها فى العام 2007 ،والتى لم تعد معطياتها ومرتكزاتها التى أسست عليها تتناسب مع المرحلة الراهنة بعد اتساع حجم المخاطر والمهددات التى تطال الأمن القومى ، مما دفع البرلمان العربى الى القيام بتحديثها بالتعاون مع الأمانة العامة للجامعة العربية، وهوما تجسد فى عقد ندوة عامة فى شهر أكتوبر المنصرم بمشاركة لفيف من الخبراء والمتخصصين والاستراتيجيين من مختلف الدول العربية من مشارب شتى،وقد صادق البرلمان على التوصيات التى شكلت محاور هذه الوثيقة ،والتى تم رفعها الى الأمانة العامة للجامعة العربية والتى ستأخذ مجراها داخل أروقة الجامعة، وسيتم عرض هذه الوثيقة على القادة العرب فى قمتهم بمصر نهاية مارس المقبل . وسألت الجروان عن تقييمه لدعوة الأمين العام للجامعة العربية بتشكيل قوة عربية مشتركة ،فعلق بقوله : بالطبع أوافق بقوة ،على هذه الدعوة ،بما يحقق الإسراع بتشكيل قوة عربية مشتركة تكون مسئولة عن حماية الأمن القومى العربى الذى يتعرض لانتهاكات حقيقية ،وتحفظ مقدرات الأمة وخصوصيتها ،وذلك كنواة لجيش عربى موحد فى مرحلة لاحقة ، وسألته :- لكن فيما يتعلق بتفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك يبدو أن بعض الدول العربية لا تقبل بذلك ،كيف تفسر ذلك ؟ فأجاب : نحن نؤمن فى البرلمان العربى بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية فيمايتعلق بتطبيق سياساتها وتشريعاتها ،غيرأنه بصورة عامة نحن ننتمى الى نظام إقليمى واحد ،وبالتالى فإن تفعيل هذه الاتفاقية ،التى تم إبرامها فى خمسينيات القرن الفائت ،ضمن الجامعة العربية ،سينطوى على أهمية قصوى ،بحسبانها تشكل إطارا عربيا جماعيا لمواجهة مختلف المخاطر،التى تزايدات فى الآونة الأخيرة سواء من الكيان الصهيونى أو من التنظيمات الإرهابية . ولكن ماذا يقول الخبراء عن هذا الخيار ؟ سألت السفير هانى خلاف مساعد وزير الخارجية المصرى للشئون الخارجية السابق فأفاد بأنه كان من أوائل من طرحوا مثل هذاالمقترح فى كتابه الذى أصدره فى العام 2010 بعنوان» الدبلوماسية المصرية والهموم العربية»،فقد طالبت آنذاك بتشكيل قوة عربية للتدخل السريع فى حالات الطوارئ ووجود أى مهددات لأمن إحدى الدول العربية وذلك تنفيذا لجوهر اتفاقية الدفاع العربى الموقعة بين الدول الأعضاء بالجامعة العربية فى العام 1950 أى بعد تأسيس الجامعة بخمس سنوات ، ومنذ ذلك التاريخ لم يتم تحديث أى آلية للتعاون العسكرى فيما بين الدول العربية باستثناء تأسيس مجلس للأمن والسلم ،والذى ما زال يخضع للدراسة ،ومن ثم فإنه بات مطلوبا بإلحاح تشكيل قوة عربية تشكل من الدول الأعضاء بالجامعة الراغبة فى الانضمام اليها والقادرة والفاعلة مثل مصر والسعودية والإمارات والمغرب والجزائر وغيرها ،بما يتفق مع أهداف ميثاق الجامعة وكذلك ميثاق الأمم المتحدة . وفى تقدير السفير خلاف،فإن الأهداف المنوطة بهذه القوة يمكن أن تشمل التعامل مع التنظيمات الإرهابية عندما يتعرض أمن إحدى الدول العربية للخطر مثلما حدث مع كل من العراقوسوريا ومصروليبيا ،الى جانب توفير الحماية للمدنيين فى أى دولة عربية عندما يواجهون أى مخاطر ، ومن وجهة نظر الدكتور محمد مجاهد الزيات رئيس مركز الشرق الأوسط بالقاهرة للدراسات الاستراتيجية ،فإن ثمة عقبة تحول دون إمكان تشكيل القوة العربية المشتركة وتتمثل - كما يقول- فى تبنى بعض الدول العربية مواقف داعمه للجماعات والتنظيمات الإرهابية ،وبالتالى فإن الإمر يتطلب الإسراع بإيجاد توافق فيما بين الدول الأعضاء فى الجامعة العربية مع تحديد طبيعة هذه التنظيمات والجماعات منبها الى أن ثمة تقارير تتحدث عن دولة قطر ودورها فى رعاية جبهة النصرة التابع للقاعدة والذى كانت عناصره تدخل الى سورياوالعراق عبرتركيا فضلا عن اتهامات من الجيش الوطنى الليبى لكل من قطر وتركيا والسودان بالضلوع فى تمويل وتسليح الجماعات والتنظيمات المسلحة والتى تمارس أنشطة ضد الشرعية وبالتالى فإنه يبدو من الصعوبة بمكان تصور التوافق على تأسيس مثل هذه القوة ولكنه على الرغم من ذلك يبدى بعض التفاؤل بإمكان التحرك باتجاه بنائها فى المنظور القريب فى ظل تصاعد الدعوات المؤيدة لها . ويبقى البعد المتعلق بالكلفة الخاصة بتمويل إنشاء هذه القوة وتسليحها عندما تكتمل،فسألت «الأهرام الاقتصادى « الدكتور حمدى عبد العظيم الخبيرالاقتصادى ورئيس أكاديمية السادات الأسبق والذى سارع بامتداح الفكرة بحسباتها تجسد العمل العمل العربى المشترك فى مستواه العسكرى مشيرا الى أن بوسع كل دولة أن تدفع حصتهافى كلفة هذه القوة وفقالقدراتها المالية مع مراعاة حالة الدول الفقيرة. ويضيف : إن معظم الدول العربية المرشحة للمشاركة فى هذه القوة لديها قوات جيدة ولكنها فى حاجة الى المزيد من التدريب على المجالات المتعلقة بمخاطر الإرهاب والجماعات والتنظيمات الإرهابية والتى لاتتعامل بمنطق الجيوش ولكنها تتعامل وفق حروب العصابات والتى تتطلب نوعية خاصة من العمليات العسكرية معها فضلا عن الحاجة الى التنسيق مع الأطراف الدولية ذات الخبرة فى محاربة الإرهاب وسيتطلب ذلك كلفة معينة لمتابعة الاتصالات ولتبادل المعلومات مع هذه الأطراف. ويقترح تأسيس صندوق خاص لتوفير التمويل الخاص بتسليح هذه القوة العربية المشتركة بحيث يكون متاحا بشكل دائم دون أن يرتبط فقط بالعمليات العسكرية ويطالب فى هذا الصدد بإعادة الهيئة العربية للتصنيع الى طابعها العربى مثلما كانت فى بداية أنشائها قبل عقود على أن يتم زيادة رأسمالها من الدول العربية على نحو يمكنها أن تركز انتاجها على النوعيات المطلوبة من الأٍسلحة والذخائر والتى يمكن أن تكون رصيدا كبيرا لتسليح القوة العربية المشتركة .