يواجه فلاديمير بوتن مشاكل، ليس أقلها مذبحة فى شرق أوكرانيا، وتوتر علاقاته بالغرب، حتى مع ألمانيا التى تحولت ضده هذه الأيام , ثم هناك تمرد الإسلاميين على حدوده والتذمر بين أعداد متزايدة من الروس المشككين فى جدوى سياسته تجاه أوكرانيا . ولكن المشكلة الأهم من كل هذا فى رأى خبراء هى الاقتصاد الروسى الذى يواجه أزمة حقيقية. -------------- موضوع غلاف مجلة الايكونومست "اقتصاد روسيا الجريح" تناول بعض من أوجاع روسيا المعروفة جيدا , مثل انخفاض أسعار النفط من ما يقرب من 110 دولارات للبرميل فى النصف الأول من هذا العام إلى أقل من 80 دولارا, مع الأخذ فى الاعتبار إن أكثر من ثلثى صادراتها من الطاقة. وكذلك تراجع الروبل بنسبة 23٪ فى ثلاثة أشهر. وقد تسببت العقوبات الغربية فى بعض الأضرار كذلك ،مع توسع دائرة الخاضعين للعقوبات لتشمل كثير من الشركات الروسية وليس المقربين من بوتن فحسب . ويتوقع الجميع استمرار الأوضاع الصعبة ، ولكن التفكير التقليدى يقول أن بوتين قوى بما يكفى لتحمل هذا. فانخفاض الروبل عزز تنافسية بعض الصناعات التصديرية . هذه الصادرات إلى جانب انخفاض الواردات -فى إطار العقوبات المضادة التى فرضها بوتين ردا" على العقوبات الغربية - تعنى فى النهاية احتفاظ روسيا بفائض تجارى ,حتى ولو كان صغيرا" . وتقدر احتياطيات النقد الأجنبى بحوالى 370 مليار دولار وفقا لأرقام البنك المركزى .وبناء" على صمود الشعب الروسي، الذى يميل إلى دعم بوتن فإن موسكو لديها وقت للمناورة. والبعض يتحدث عن عامين تقريبا". ولكن فى الواقع، يمكن أن تحدث أزمة عاجلا وليس آجلا". والاحتمالات عديدة مثل أثراستمرار تراجع أسعار النفط، وإعادة جدولة فاشلة لديون الشركات الروسية، وأخيرا" وليس آخرا" ,المزيد من العقوبات الغربية. وبحسب وزير المالية الروسى أنطون سيلوانوف تتكبد روسيا خسائر بنحو 40 مليار دولار سنويا بسبب العقوبات الغربية وبين 90 و100 مليار دولار جراء انخفاض أسعار النفط،وكذلك خروج كميات هائلة من الرساميل قدرها نحو 104 مليار يورو. ومصدر القلق الرئيسى حاليا" هو سعر النفط الذى يثق بوتين فى تعافيه قريبا". فهو يرى إن الزيادة الكبيرة فى إمدادات النفط التى تسببت فى خفض سعره جاءت من حقول النفط الصخرى الأمريكية ومن ليبيا والسعودية وكذلك من العراق بما فى ذلك مبيعات فى السوق السوداء قام بها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من العراق. لكن بحسب معطيات العرض تتوقع الوكالات الحكومية الأمريكية بقاء متوسط أسعار النفط عند 83 دولارا للبرميل فى عام 2015، وهو مستوى يقل بكثير عن مستوى90 دولارا الذى تحتاجه روسيا من أجل الحفاظ على توازن ميزانيتها. ويرى اقتصاديون من مصرف "الفا" الروسى إن تدنى سعر برميل النفط عشرة دولارات يكلف الميزانية الفدرالية الروسية 01 مليارات دولار فضلا عن انتقاص 40.٪ من معدل النمو السنوى . ومن ثم فإن انخفاض الأسعار سوف يدفع المستثمرين لإعادة تقييم آفاق روسيا. ثم هناك تسديد الديون. شركات روسيا لديها أكثر من 500 مليار دولار فى الديون الخارجية المعلقة، 130 مليار دولار يستحق دفعها قبل نهاية عام 2015، حتى الشركات التى تحقق عائدات دولاريه قد تواجه صعوبات فى سداد ديونها. وعلى سبيل المثال ,روسنفت، وهى شركة النفط العملاقة، طلبت أخيرا من الكرملين 44مليار دولار ولكن بالرغم من رفض بوتين حتى الآن، إلا أنه لن يسمح بانهيار شركة تملك الدولة 70٪من أسهمها وتوظف 160ألف شخص . هناك العديد من الشركات الروسية المتعثرة عن سداد ديونها, حتى قبل رفع أسعار الفائدة إلى 9.5٪ أخيرا" لمساندة الروبل. وفى الوقت نفسه تعتمد البنوك الروسية على البنك المركزى ليحل محل الودائع التى بات العملاء يحولونها إلى دولارات. بشكل مباشر أو غير مباشر، هذه الفواتير سيتحملها الكرملين فى نهاية المطاف ، وهذا هو السبب فى انخفاض الاحتياطى النقدى بحوالى 100 مليار دولار خلال العام الماضى على أثر محاولات فاشلة لمساندة العملة . تقرير الإيكونومست تحدث كذلك عن مخاطر عزل روسيا ماليا" عن الأسواق الدولية. فبينما كشفت المنظومة الإلكترونية العالمية للمعاملات بين البنوك "سويفت" أنها لا تنوى قطع خدماتها عن روسيا تحت وطأة الضغوط السياسية التى تتعرض لها من الدول الغربية, إلا إن الكثيرين فى الكونجرس الأمريكى يرون فائدة فى مثل هذه العقوبة التى كانت سببا فى إقناع إيران بالجلوس على طاولة المفاوضات حول برنامجها النووى. وكان بالفعل أول مطلب لإيران هو رفع حظر سويفت,على الرغم من تحايل بعض البنوك وإجراء معاملات لصالح الإيرانيين عبر خطوط التليفون والفاكس فى دبى وتركيا والصين .لكنها عملية بطيئة ومكلفة دفعت بنوكا غربية لوقف التعامل مع تلك البنوك التى وقعت تحت طائلة عقوبات أمريكية. وفى حالة روسيا, سيكون الوضع خطير نظرا" لكبر حجم تعاملاتها المالية والتجارية الدولية . وكان وزير التنمية الاقتصادية الروسى أليكسى أوليوكايف قد شكك فى وقت سابق فى احتمال أن تقطع هذه المنظومة خدماتها عن روسيا، وذلك بعد أن اقترح البرلمان الأوروبى على الاتحاد الأوروبى التخلى عما أسماه "عقيدة الشراكة الاستراتيجية مع روسيا"، والنظر فى إمكان إلغاء التعامل معها بموجب نظام "SWIFT" , ضمن إطار الضغط عليها للتنازل عن أطماعها فى أوكرانيا. وتستخدم نظام "سويفت" للصفقات المالية أكثر من 215 دولة، إضافة إلى أكثر من عشرة آلاف مؤسسة فى أنحاء العالم. ويرسل النظام يومياً حوالى 26 مليون رسالة مالية بين البنوك بحسب آخر بيانات رسمية. وينص النظام الداخلى لهذه المنظومة على تشكيل مؤسسة تربط بين البنوك فى كل بلد عضو فيها. وتسمى المؤسسة الروسية فى إطار "SWIFT" ب"روس سويفت". وبالتالى فإن حرمان روسيا من استخدام نظام"سويفت" له عواقب وخيمة على الشركات المالية والبنوك فى روسيا.. وفى حين رفضت جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) منع الخدمة عن روسيا إلا وإنها قد سبق وحرمت إيران من هذا النظام فى عام 2012، ضمن خطوات تشديد الحظر التجارى على حكومة طهران لثنيها عن المضى قدماً فى برنامجها النووى فى رسالة عامة هددت بها الدول الخارجة على الشرعية الدولية بالطرد من النظام المصرفى فى جميع أنحاء العالم.. وقد أدى ذلك إلى صعوبات مالية عديدة للحركة التجارية فى إيران. ولكن روسيا سبق وأن قالت إنها سترد على عقوبات غربية عليها بعقوبات مماثلة. كما قال مسئولون روس إن روسيا قادرة على إنشاء نظام دفع الكترونى خاص فى حال منعها من استخدام نظم الدفع الإلكترونى والحوالات المالية عبر نظام"سويفت". وقد نقلت صحيفة الفاينانشال تايمز عن وزير المالية الروسى السابق إليكسى كوردين تحذيره من قطع خدمة سويفت عن روسيا وقوله إن تأثير ذلك لن يقتصر على روسيا - مشيرا" إلى انخفاض الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 5٪ - وإنما سيشمل تداعيات أكبر على التمويل العالمى . وفى نفس السياق أبدى خبراء مصرفيون مخاوفهم من قيام دول غير غربية بتأسيس كيانات منافسة لسويفت , لاسيما بعد عقد محادثات روسية صينية حول منصة مشتركة بديلة لنظام سويفت. الأمر الذى قد يشجع الآخرين للانضمام إليهما تحسبا" للتعرض لعقوبات غربية مستقبلا", مما يؤدى فى النهاية إلى تعدد نظم الدفع العالمية ويقلل كفاءة النظام المالى العالمي. فنظام بديل لسويفت لن يهتم كثيرا" بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب .