طالب خبراء جماعة الادارة العليا بمواجه حاسمة للفساد الذى استشرى فى الجهاز الادارى وأثر على اداء الخدمات للمواطنين وأدى الى فشل عمليات الاصلاح فى الشركات العامة.. وخلال احتفال الجماعة باليوبيل الذهبى ومرور 50 سنة على انشائها، برزت أهمية التوسع فى شركات التعهيد التى تقدم الخدمات للجمهور وكذلك ضرورة العودة الى مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص بنظام P.P.P وطرحت ايضا خلال جلسات المؤتمر فكرة اختيار المحافظين بالانتخاب واعادة هيكلة مؤسسات الدولة فى العديد من القطاعات الانتاجية والخدمية لزيادة العوائد والحد من تزايد المديونيات واهدار المال العام. --------- طرح د. على السلمى رئيس جماعة الادارة العليا قضية تشابك الفساد، التخلف الادارى والارهاب بما يصنع حلقات متشابكة تؤدى فى النهاية الى تخلف الدولة. مشاكل مصر تنبع من غياب الفكر والمنطق الادارى، اصل الفساد والبلاء هو الجهاز الادارى للدولة متمثلا فى الوزارات والمؤسسات والاجهزة التنفيذية القائمة بالخدمات للمواطنين وهذه المستويات المتدنية مصدرها خلل التصميم فى الجهاز الادارى بمعنى أنها معطاة سلطة لكنها لا تخضع للرقابة الموضوعية الحقيقية وتمارس العمل بعد وقوع الجريمة ومن المفروض أن العمل الرقابى يبدأ بمنع المشكلات. كما شاب الجهاز الادارى القصور وانعكس على قطاع الاعمال العام الذى اصبح مترهلا متهالكا يشكو من غياب اسس الادارة الحديثة ولا يواكب المتغيرات ولدينا لوائح وتشريعات منذ عهد محمد على بمعنى أنها صدرت فى 2014 بالفكر والمنطق فى عام 1805، فكر قديم متهالك ترتب عليه نتائج سلبية تحققها هذه الاجهزة ولا ترقى لمستوى الانفاق عليها ولدينا مثلا المستشفيات الحكومية، حدث ولا حرج مشاكل وسوء خدمة بالجملة. الدولة تحتاج الى ثورة ادارية تحطم قيود الروتين والاهمال كذلك تحقق شركات قطاع الاعمال نتائج ضعيفة تنم عن عدم القدرة على انتاج متميز، كل ذلك يأتى وسط غابة من التشريعات ودائما ما نلجأ الى تعديلات القانون للاصلاح بعد وقوع الكوارث والمشاكل، والدافع للتحديث غائب خاصة أن الجهاز الادارى للدولة يحتكر تقديم الخدمات بمنطق سيادة السلطة والقانون وليس مصلحة العميل.. والمواطن يبحث قبل طلب خدمة عن واسطة أو يدفع رشوة لانهاء مصلحته وكذلك يبحث المستثمر عن راع كبير أو مسئول بالدولة يحقق مصلحته! بعد ثورتين.. نحتاج الى اصلاح القطاع الادارى للدولة الحكومة تخصص 10% من الدخل القومى على الاهتمام بتطوير الصحة والتعليم والبحث العلمى ورغم ذلك لا نشعر بأى ايجابيات وتطوير فى هذه القطاعات حتى اصيب الناس بالملل من الاصلاح الادارى ومنظومة الخدمات فى ظل منظومة وترسانة تشريعات وقوانين فى بلا جدوى أو مردود.. أضاف السلمى: فى ظل المعاناة من التباطؤ الاقتصادى وتردى الخدمات نحتاج الى ثورة ادارية أو اعادة تأسيس الجهاز الادارى للدولة بأن يقوم بالتخطيط لتوفير المتطلبات وينأى بنفسه عن ممارسة العملية التنفيذية، فوزارة الصحة يجب ألا تدير مستشفيات، والتعليم لا تدير مدارس وهكذا.. الكويت منذ سنوات انشأت هيئة المعلومات المدنية مثلا لتسجيل المستندات وكل ما يتعلق بالحالة المدنية للمواطنين ونجحت التجربة. ويجب فصل مقدم الخدمة عن طالب الخدمة من خلال شركات «تعهيد» الخدمات وفق تعاقدات مع الدولة التى تضع الأسس والقوانين وتلزم الشركات المتعاقدة باحترام التعاقد وتقديم الخدمة المطلوبة للمواطن، وبالنسبة لتقديم الخدمات المدعومة التى تقدمها الدولة يمكن هنا أن تدفع لشركات التعهيد مبلغ الدعم لتولى الادارة وتقديم الخدمة المدعومة من الشركة للمواطن. وهذا ما يمكن تطبيقه فى خدمات: الصحة، التعليم، النقل والجوازات، وغيرها يمكن أن تعهد الدولة الى مستثمرين لادارة منظومة هذه الخدمات ومصر ليست بعيدة عن ذلك فقد سبق أن عهدت الى عبد اللطيف أبو رجيلة لادارة خدمة النقل فى الخمسينيات ثم جاء الكيان الادارى للدولة واحتكر هذه الخدمات وتفشى الاهمال، نحن فى حاجة على الاقل الى مشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص لتقديم خدمة متميزة للمواطن.. هناك 700 مليون دولار صرفت من المعونة الامريكية لعقد مؤتمرات وكتيبات من اجل اللامركزية لكن الواقع يؤكد أن اقرار اللامركزية يحتاج الى تفعيل مشروع القانون الجديد عن اللامركزية ولابد من حوار مجتمعى جاد وأن يكون اختيار المحافظين بالانتخاب. وقال د. أحمد صقر عاشور: استاذ الادارة بجامعة الاسكندرية إن فشل التنمية ناجم عن فشل ادارة الدولة عبر العقود الاربعة الماضية، وهناك دول مثل كوريا، ماليزيا، تركيا، سنغافورة، تايوان، الصين، هونج كونج كانت فى اوضاع اقل منا فى متوسط الدخل، الانتاجية، الفقر والاستثمار، ثم قفزت هذه البلدان واختزلت فترة التنمية التى كانت تستغرق قرنين من الزمان الى 20 30 سنة وشكلت هذه المعجرة رقما قياسيا لكن هذا الرقم تحطم الى 10 سنوات فقط فى حالة البرازيل التى كانت مفلسة منذ 15 سنة باقتصاد منهار لا تستطيع سداد ديونها ثم اصبحت الآن سادس أكبر اقتصاد فى العالم، إذن الموازين الاقتصادية والتنموية تتغير بينما فى مصر هناك رصيد 40 سنة من اهدار الفرص التنموية ادى الى ضعف معدل التنمية وتصاعد معدلات الفقر التى قفزت الى 50% الآن ومؤشر التنافسية العالمى كشف أن ترتيبنا 119 من 144 دولة ونصيبنا من الاستثمار الاجنبى المباشر لم يتجاوز ٫50% من اجمالى التدفقات الاجنبية المباشرة خلال السنوات الخمس الماضية بينما تمثل الصين أكبر معدل لاستقبال الاستثمار المباشر بنسبة 21% ثم امريكا 14% وكذلك لدينا مؤشر حوكمة ضعيف بالسالب فى كل القطاعات التى يقيسها المؤشر. ايضا نصيب الاختراعات المسجلة لمصر لكل مليون نسمة لم يتعد .٫2 وهناك جوانب تأخرنا فيها قرنا كاملا وأمامنا تحد لاعادة الهيكلة والبناء ويجب أن نقوم بعملية تحول شامل يقوم على الابداع والابتكار والتحديث وكفانا كلام استهلاكى والدوران فى حلقة مفرغة. فمثلا فى أوائل التسعينيات قدمنا فكرة تقديم الخدمة من خلال الشباك الواحد ومن وقتها لم يتحقق بينما فى سنغافورة يتواصل المواطن والمستثمر باجهزة الدولة وهو فى منزله وينهى الاجراءات والتراخيص فى ساعات معدودة وليس فى شهور وسنين، فنظم ادارة الدولة فى مصر متأخرة قرنا من الزمان عن المرجعيات العالمية بسبب الفساد المشترى الذى اصبح ثقافة فى اجهزة الدولة والتعايش معه اصبح امرا اعتياديا. ولابد أن نصبح جزءا من الاقتصادات الناشئة وأن تكون نظم الادارة والخدمات واداء أجهزة الدولة ضمن العشرة الاوائل فى العالم ويمكن تحقيق ذلك. نحن فى حاجة ماسة لرؤية فكرية استراتيجية طموحة من خلال وثيقة تتبنى الفلسفة التى سيتبناها المجتمع للمستقبل تشكل بوصلة للتحول والتغيير المستهدف وكان ينبغى أن تكون لدينا هذه الوثيقة قبل اقرار الدستور. نحتاج الى تجاوز مفاهيم الاصلاح الادارى التى تحاول انتاج افكار سابقة، نحتاج فكرا جديدا للتمكين وليس فقط اقرار اللامركزية التى ستؤدى الى مزيد من الفساد الا اذا حددت مؤشرات ضمن منظومة متكاملة من المساءلة والرقابة والحساب فى تقديم الخدمة. د. محمود شريف وزير التنمية المحلية الاسبق أكد أنه لا الدستور ولا قانون الادارة المحلية تحدث عن اختصاصات المحافظين كل ما يحدد الاختصاصات ما قاله الرئيس السادات من أن المحافظ هو رئيس جمهورية داخل محافظته والحقيقة أنه ليس صاحب سلطات مطلقة وفى نفس الوقت لا توجد قيود محددة على عمله، وبالتالى يتحمل المحافظ جزءا من المسئولية عن ضعف الاداء وتراجعه وعندما يحدث ذلك يجب أن يغادر منصبه فورا وهذا لا يحدث فى مصر! الدستور نص على أن يعين المحافظ وفق القانون الذى لم يحدد كيف يأتى المحافظ، والواقع أن وظيفة المحافظ مركبة فعليه مسئولية القيادة وجودة الخدمة المقدمة ومن الافضل ان يمثل سلطة المواطنين وليس سلطة الدولة لأنه فى حالة ضعف ادائه لا يمكن عزله الا اذا ارادت الدولة. واذا كان المحافظ منتخبا فمن السهل محاسبته وهناك دول فصلت بين منصبى المحافظ الذى هو ممثل الدولة والعمدة ممثل السلطة التنفيذية المنتخب والاخير يمكن سحب الثقة منه على عكس الاول وهذا افضل الاشكال الادارية التى يجب الاخذ بها وهذه الازدواجية ستكون فى صالح اداء خدمة افضل أو على الاقل انتخاب المحافظ باستثناء المحافظات الحدودية التى من الافضل أن يكونوا عسكريين حفاظا على الامن القومى المصرى. اضاف: نطاق عمل الادارة المحلية فى مصر جغرافى أكثر من السياسى، وحسب الدستور الجديد، فان كيانات المحافظة، المدينة، القرية لها استقلالية اعتبارية وموازنات مستقلة لكن فى نفس الوقت لدينا جهاز للتشريع المحلى والتخطيط وهو جهاز منتخب «المجلس الشعبى المحلى» يقابله جهاز تنفيذى ينفذ الخطة التى وضعها المجلس الشعبى وليس بالضرورة الموازنات تكفل تحقيق الاهداف والوفاء بالخدمات المطلوبة للناس. هنا يمكن للمشاركة الشعبية أن تسد نقص الامكانيات المالية المتاحة امام السلطة التنفيذية، ومن المتوقع أن يتم تفعيل فكرة المشاركة الشعبية خلال الفترة القادمة ومن المتوقع أن تحقق نتائج ايجابية تقوم على فكرة تحفيز الناس للمشاركة وهناك احصاءات قدرت متوسط المشاركة الشعبية بنسبة 35 الى40% فى مشروعات عامة. طالب د. محمود سالم نائب رئيس جماعة الادارة العليا باصلاح التشوهات والخلل فى الجهاز الادارى والمجتمع ككل من خلال الاصلاح التشريعى للقوانين المنظمة لعمل مؤسسات الدولة طبقا لما يتوافق مع الدستور والفصل بين سلطات الدولة الرئيسية واصلاح الهيكل التنظيمى لمؤسسات الدولة طبقا لمهامها المحددة بالدستور وحسن اختيار القيادات وتنمية قدرات العاملين فى وحدات الجهاز الادارى وكذلك تطوير منظومة جهات الرقابة الادارية والمتابعة وتفعيل نشاطها وبصفة خاصة الجهاز المركزى للمحاسبات المنوط به الرقابة المالية والقانونية وتقييم الاداء الاقتصادى والمهنى لوحدات الدولة. وبالنسبة للادارة الحكومية لابد من اتخاذ اسلوب لامركزية الادارة بما يتيح للوحدات الادارية بالمحافظات اتخاذ القرار دون الرجوع للوزارات الأم، وفى ضوء معايير وقواعد واضحة ومحددة، مع وضع التشريعات المتضمنة قواعد وآليات محاسبة المسئولين عن أوجه التقصير والفشل فى تحقيق اهداف التنمية فى ضوء معايير محددة وشفافة، واعادة النظر فى التقسيمات الوظيفية للوزارات العديدة بالجهاز الحكومى بدمج بعض الاختصاصات واختصار عددها. والنظر فى الهياكل التنظيمية والوظيفية القائمة حاليا للتغلب على ذلك التوسع فى تلك التقسيمات، بما يركز الواجبات وبالتالى تتحدد المسئوليات وتختصر الاجراءات لخدمة المواطنين طالبى الخدمة، والمستثمرين الراغبين فى الاستثمار. وتفعيل منظومة الحكومة الالكترونية من خلال ارتباط المصالح الحكومية معا بنظام الكترونى موحد وبشبكة واحدة اساس الرقم القومى للمواطن واستكمال منظومة الخدمات الالكترونية. مع متابعة تطبيق القيم الحاكمة لتقديم الخدمة العامة. والواردة بمدونة السلوك الوظيفى والخدمة العامة، (قيم تتضمن النزاهة والبعد عن الفساد كالرشوة والوساطة، وأولوية ارضاء العملاء). اضاف سالم: لابد من وضع معايير للاختيار الامثل لموظفى تقديم الخدمات الذين يتعاملون مباشرة مع الجمهور، وذلك بناء على معايير سلوكية محددة وفهم المبادئ الاخلاقية وللخدمة والمتابعة الدورية لهم، واجراء استبدالهم فى حالة حدوث انتهاكات للسلوك الاخلاقى. وانشاء قاعدة بيانات تكنولوجية خاصة بكل قيادات موظفى الخدمة المدنية فى مصر، تشتمل على معلومات كاملة عن مؤهلاتهم وخبراتهم ومهاراتهم الوظفيية وادائهم الوظيفى وتحديثها كل فترة، لكى يتسنى الاستفادة منهم فى أجهزة العاملين بمؤسسات الحكومة المختلفة، ودعم نظم تدريب العاملين بمؤسسات الحكومة المختلفة طبقا للاحتياجات الفعلية من التدريب طبقا لمعايير موضوعية، وتنظيم عملية التدريب سواء داخليا أو خارجيا للقيادات للاستفادة من تجارب الدول الاخرى فى مجال الاصلاح الادارى. وضرورة استخدام الوسائل الحديثة المستخدمة فى قياس وتطوير الاداء للمنظمات الحكومية التى بدأ استخدامها فى الدولة المتقدمة كقياس الاداء وتحقيق رضا العاملين والعملاء. قال د. عمرو موسى المدير التنفيذى لجماعة الادارة العليا إنه لابد من فصل مقدم الخدمة عن طالبها والنوايا الحسنة ليست كافية للقضاء على الفساد، مشيرا الى ضعف منظومة حوكمة المؤسسات العامة تحت شعار التطوير والاصلاح التى استمرت ثلاثة عقود أدت الى تبديد موارد الدولة والمجتمع والتربح تحت هذه الشعارات لذا لابد من إعمال القانون والعدالة والاهتمام بالمواطنين فى المقام الاول. وقال عمر الفقى امين جماعة الادارة العليا إنه ينبغى تغيير اسلوب موازنة وحدات الجهاز الادارى من كونها معنية بانفاق الاعتمادات المخصصة لها فى الموازنة العامة الى كونها وحدات انتاجية تنمى ايراداتها وتسعى لتحقيق التكلفة الاقتصادية لانشطتها وما تقدمه من خدمات.