يعاني الاقتصاد العالمي من تباطؤ في معدلات النمو وارتفاع في مستوي البطالة باستثناء قليل من الدول علي رأسها دول البريكسBRICS( البرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا). وترجع هذه المعاناة إلي أسباب عدة اقتصادية وسياسية واجتماعية وتكنولوجية, يحتاج تحليلها إلي مجلدات عدة الا ان الصحفي الأمريكي الشهيد توماس فريدمان, كتب مقالا عن الفوضي التي تسود العالم حاليا, والتي أرجعها إلي عاملين أساسيين هما: * العولمة * والتغيرات المناخية والتكنولوجية والأمثلة التي ذكرها للفوضي هي: الثورة المصرية2011, وحركة بوكو حرام في نيجيريا, وداعش في سوريا والعراق, وما يجري من صراع علي السلطة في ليبيا وهذه الامثلة جميعها تشير إلي أرض بلاد إسلامية, ولم يذكر مناطق القلاقل التي تحدث في دول غير اسلامية وعلي رأسها الصدام بين روسيا الاتحادية والجمهورية الاوكرانية. ويقسم النظم السياسية للدول عامة إلي ثلاثة أنظمة هي: الاول: النظام الديمقراطي ويوجد به حكومة تمثل جميع فئات الشعب. الثاني: نظام استبدادي وحكومات إقصائية. الثالث: نظم فوضوية لا يوجد بها حكومات, والدول فيها فاشلة, وينتشر بها الجماعات المسلحة, فضلا عن الانقسامات القبلية, والقرصنة وعصابات تتنافس من أجل السيطرة علي الحكم مع عدم وجود قوة مركزية تضبط أحوال البلاد والعباد. ويقرر أن الدول المسببة للفوضي في العالم نظمها السياسية من النوعين الثاني والثالث. ونتساءل: أي جانب من جوانب العولمة هي المسببة للفوضي؟ وما هي الآلية التي تؤدي إلي ذلك؟ ومن الثابت أن العولمة التي بدأت في نحو العقد الأخير من القرن العشرين قد فشلت في تحقيق أحلام العالم وخاصة دول العالم الثالث. ذلك ان انصار العولمة بشروا بأنها سوف تؤدي إلي رفع مستويات معيشة الشعوب وإلي تحقيق عدالة توزيع الدخل عالميا بين الدول الفقيرة والدول الغنية. والذي حدث كان عكس ذلك إذ أدت العولمة إلي مزيد من عدم العدالة في الميدانين: بين الفقراء والاغنياء من الدول وداخل الدولة الواحدة, وخاصة في الدول النامية التي فشلت في تحقيق معدلات معقولة من نمو الناتج المحلي الاجمالي. ومن الناحية الاخري, خرج انصار العولمة عن الإطار الاقتصادي المحدد لها وطالبوا بامتدادها إلي الجوانب الثقافية والاجتماعية والحضارية, وأرادوا ان يصبوا العالم في نسق أو قالب واحد هو النسق الامريكي. وقد رفضت شعوب العالم الثالث علي اختلاف هوياتها ونظمها الاجتماعية التنازل عن خصوصيتها والانصهار في هذا القالب, بل ان بعض الدول الغربية مثل فرنسا ترفض المطالبة بالأمركة.. إلا أن الولاياتالمتحدةالامريكية والدول التي تدور في فلكها لم تتخل عن محاولات المسخ الثقافي, والأدهي من ذلك أنها اتخذت إجراءات عدائية ضد المتمردين علي مطالبها مثل الاعتراض علي نتيجة الانتخابات الديمقراطية التي جرت في الجزائر عندما نجح التيار الاسلامي باغلبية ساحقة لمقاعد البرلمان. واتخذت مثل هذا الموقف في دول أخري في آسيا وأمريكا اللاتينية وهذا سلوك يتنافي مع الديمقراطية التي ينادي بها الغرب ويزعم أنه يسعي إلي إقامتها في الدول المختلفة. وأصبح من الواضح أن الديمقراطية مطلب للغرب فقط وينكرها علي الدول الاخري, وشاعت مقولة الرئيس بوش الصغير أنه من ليس معنا فهو ضدنا ويعتبر الغرب محاولة الغير للحفاظ علي كيانه وشخصيته فوضي! أما إسهام التغيرات المناخية في احداث الفوضي المزعومة فأحسب انها تتخذ طريقها من خلال آثارها علي انتاج الغذاء العالمي, حيث توجد وفرة كبيرة منه في الدول المتقدمة, وتعاني الدول النامية من ندرة كبيرة فيه وحدثت ازمات الغذاء وتكررت في الوقت الحديث منذ مجاعات عام1972. وأدي ذلك إلي تعميق الفقر والجوع داخل الدولة الواحدة وعبر حدود الدولة سعيا للحصول علي القوت الأساسي للبشر. ويبدو هذا علي أنه خروج علي النظام وانتشار الفوضي. والطفره التكنولوجية غير المسبوقة التي تسود العالم حاليا تمكن الناس في كل مكان من سرعة معرفة ما يجري من أحداث في لحظة وقوعها تقريبا. كما أنها أي الطفرة التكنولوجية تمكن الافراد والجماعات من انتاج أدوات متقدمة تستخدم في اغراض غير مشروعة وغير قانونية. الا ان اللوم لا يقع علي التكنولوجيا التي أحسب انها محايدة بمعني امكان استخدامها في الخير أو الشر, ولكنه يقع علي ظروف استخدامها والعوامل التي دفعت إلي ذلك. وعلاوة علي ما سبق, فإنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في العقد الاخير من القرن العشرين, أصبحت الولاياتالمتحدةالامريكية القوة الاحادية المهيمنة علي العالم والسياسات التي تنتهجها لا تراعي الا تحقيق هدفها الاول وهو الحفاظ علي الانفراد بالسيطرة علي العالم بجميع الوسائل, حتي لو أدي هذا إلي الاعتداء علي حقوق الاخرين وانكارها. لقد ظهرت قوي جديدة وعلي رأسها دول البريكس كما ذكرنا والاقتصاد الصيني بصدد الانتقال اقتصاديا من المرتبة الثانية عالميا إلي المرتبة الاولي بدلا من الولاياتالمتحدةالامريكية. وهذه التغيرات العالمية وغيرها تقتضي أن تفسح أمريكا المجال بهذه القوي لتشاركها في المجال الدولي, في اطار من التعاون والتعايش وليس المواجهة واستمرار الصراع, إن عدد سكان الولاياتالمتحدة يبلغ اقل قليلا من320 مليون نسمة أي ما يعادل أقل بين5% من مجموع سكان العالم المقدر بنحو سبعة مليارات نسمة. فكيف تحرم الأغلبية الساحقة من سكان العالم بالعيش في سلام بالطريقة التي يفضلونها ثقافيا واجتماعيا وسياسيا بل اقتصاديا طالما أنها لا تعتدي علي حرية الاخرين؟ إن التطورات العلمية والتكنولوجية التي أحدثت ثورة الاتصالات والمعلومات والثورة المعرفية والتكنولوجية جعلت الترابط والتداخل بين جميع أركان الكرة الارضية لصيقا. وهذه الحقيقة تفرض ضرورة التعاون والتكافل بين جميع الدول. كي يعم الرخاء والسلام جميعا, واذا حدث العكس استمرت الاضطرابات والفوضي والعنف والارهاب في جميع دول العالم, ولن ينجو منه أحد في الدول النامية أو المتقدمة علي حد سواء. وختاما فإن الذي أسهم في الفوضي إذا كانت هذه فوضي ليست العولمة أو الطفرة التكنولوجية, وانما محاولات السيطرة والهيمنة, وعدم تقبل الاخر والاعتراف بحقوقه ومن ثم يصبح التصرف علي أساس التعدد الحضاري والثقافي في مصلحة الجميع, ومن أجل نماء العالم واستقراره.