كلما اقترب موعد الانتخابات ارتفعت حرارة بورصة المزايدات في حملتي المرشحين الرئاسيين, بهدف جذب نسبة أكبر من المتأرجحين الذين لم يستقروا حتي الآن علي اختيار المرشح المناسب من وجهة نظرهم. الاستطلاع الذي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام بصيرة المشهود له بالمنهجية العلمية في إجراء استطلاعات الرأي قال ان15% من الناخبين لم يستقروا بعد علي اختيار المرشح, وهي نسبة كبيرة تعادل نحو8 ملايين ناخب يمكن أن يؤثروا علي النتيجة في حال ذهابهم لصناديق الانتخابات ووقوفهم إلي جانب أحد المرشحين. ونظرا لضخامة هذا العدد فإن بورصة الوعود الانتخابية مرشحة للزيادة حتي وإن كانت وعودا غير واقعية, وأن بعض تلك الوعود في حال تنفيذها سوف تقضي علي البطالة والفقر والأمراض والمديونية وعجز الموازنة, ويحول مصر إلي دولة عظمي. الغريب في هذا الاستطلاع أن نسبة من الشباب مقتنعة باستعادة عصر عبد الناصر الذي كان يهتم بالفقراء والعدالة الاجتماعية, ونسبة اخري ربما أقل تري أن عهد السادات هو الذي حقق التنمية الاقتصادية وأطلق المبادرات الفردية, وبين هؤلاء وهؤلاء تحاول حملات المرشحين أن تجتذب تلك الفئات التي لم تعاصر عبد الناصر أو السادات حتي تتبني أفكار أي من الرئيسين السابقين. وفي الحقيقة أن مصر ليست في حاجة إلي إعادة استنساخ رئيس جديد علي شاكلة أي من الزعيمين السابقين عبد الناصر أو السادات لأن لكل منهما إنجازاته وقراراته التي فرضتها الظروف المحلية والدولية, وإنما مصر الجديدة التي تبدأ عصرا جديدا تحتاج إلي رئيس بمواصفات عصرية تتوافق مع المستجدات ومع احتياجات مواطن بمواصفات جديدة يتعامل مع التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي, ومع شباب لا يرضي بالقليل وشقة في المساكن الشعبية ولقمة بملح, وإنما أحلام تتجاوز ذلك إلي تحقيق الرفاهية التي يراها في أوروبا ونمور شرق آسيا والدول المتقدمة, لأن المصريين يعلمون أنهم يستحقون الأفضل, وأنهم قادرون علي تحقيقه, وهو للأسف ما يجعل بعض الشباب يبحث عن الهجرة غير الشرعية في مراكب الموت التي كثيرا ما تغرق وهي تعبر البحار بشباب يبحث عن حياة كريمة. ليس من المقبول أن يخرج علينا من يقول لن ينام في مصر جائع دون أن نعرف كيف سيتم ذلك في بلد يرتفع فيه عجز الموازنة كل يوم وليس كل عام بسبب تزايد النفقات علي الإيرادات, وليس من المقبول أن يقول أحد سوف نسقط ديون الفلاحين لبنك التنمية والائتمان الزراعي, دون أن يقول لنا من سيتحمل تلك المديونيات, هل البنك الذي يعمل بأموال المودعين, أم ميزانية الدولة صاحبة العجز والمديونيات المتفاقمة, وهل ستساوي بين الفلاح الذي حرم نفسه وأسرته أو باع الجاموسة أو البيت ليسدد ديونه, وبين الذي لم يلتزم وترك للدولة أن تتحمل عنه المديونية. لا ينكر أحد أن الفلاح يعاني بشدة, ولكن الصيادين أيضا يتعرضون للحجز في المياه الإقليمية للدول المجاورة بحثا عن لقمة العيش, ونحو4 ملايين عاطل لا يجدون وظيفة, وملايين العمال أغلقت مصانعهم أو كادت تغلق بسبب حالة التباطؤ الاقتصادي, وشباب الأطباء والمهندسين والمعلمين وخريجو الجامعات ليسوا أسعد حظا. وكما أننا لسنا في حاجة إلي استنساخ رئيس جديد علي شاكلة رئيس سابق فإننا أيضا لن نجد رئيسا سوبرمان يحقق المعجزات دون سواعد أبناء مصر. وعلينا أن نحذر من الفخاخ التي ينصبها لنا البعض من حين لآخر, وأن يحذر مؤيدو كلا المرشحين من الانزلاق نحو الميكافيلية لتكون الغاية تبرر الوسيلة, ويكون ضحية الوعود الوهمية هو الشعب. [email protected]