اختلفت رؤي خبراء الاستثمار الزراعي حول أهمية استثمار مصر في السودان لتوفير احتياجاتها الغذائية وانها العمق الاستراتيجي لمصر والأقرب إليها, فيما ذهب آخرون إلي ان السودان دولة اضطرابات وقلاقل سياسية وحروب قبلية مما يهدد أي استثمارات تقام علي ارضها إضافة الي افتقاد هذه الاستثمارات للحماية القانونية وضمان الحكومات بالبلدين لها يهددها بالضياع في الهواء علي اصحابها مع عدم وضوح رؤيتها خاصة في الفترة الأخيرة في اهم وأخطر القضايا التي تواجه مصر وهي المياه التي انحازت فيها للجانب الاثيوبي مما يجعل المستثمرين المصريين مترددين في الدفع بأموالهم في مشروعات تهم صالح اقتصاد البلدين. السطور التالية تحكي رؤي هؤلاء الخبراء حول الاستثمار الزراعي ما له وما عليه.. بداية يري الدكتور محمد عادل الغندور الملقب بخبير الاستثمار الزراعي في السودان, يري ان الهدف من الاستثمار الزراعي المصري بالسودان بما يخدم احتياجات مصر الغذائية خاصة هو انتاج المحاصيل اللازمة الاستراتيجية لسد الفجوة الغذائية المصرية سواء كانت قمحا او ذرة او محاصيل زيتية او محاصيل أعلاف وغيرها من المحاصيل التي تستورد مصر منها كميات كبيرة وبأسعار مكلفة لفاتورة الغذاء وكذلك تحميل ميزانية الدولة عبئا يرهق كاهلها ويخفض من الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية لديها, كما ان المصريين يمكنهم زراعة المحصيل العالية القيمة التصديرية التي لهم فيها خبرة كبيرة في الانتاج والتصدير والتصنيع إضافة الي أن مثل اقامة هذه الاستثمارات توفر فرص عمل للمصريين واستيطان الفلاح المصري والعامل في ضوء زيادة عدد سكان مصر وهذا يتم علي اسس علمية وتطبيقية سليمة ومدروسة, غير ان اقامة مثل هذه الاستثمارات المصرية في السودان سينتج عنها نقل الخبرة والتكنولوجيا المصرية المتوافرة لدي مصر للاستفادة بها هناك من جانب السودانيين الأشقاء وكذلك يقيم جسور للتعاون في كثير من المعاملات التجارية والزراعية والبنية الأساسية اللازمة للاستثمار الزراعي المصري هناك الذي اعتبره د. الغندور أحد أهم أدوات السياسة الخارجية لدعم وتطوير العلاقات بين البلدين في ظل زيادة الطلب علي السلع الغذائية وارتفاع اسعارها وكذلك توفير مخزون استراتيجي آمن من السلع الأساسية كالقمح, والذرة, والأرز,والمحاصيل الزيتية والعلفية وايضا قصب السكر وايضا انشاء المزارع للثروة الحيوانية لتوفير البروتين الحيواني خاصة ان السودان بها المئات ممن ملايين الرءوس من الثروة الحيوانية التي يمكن ان تصدر الي الدول العربية الأخري التي لا تملك ارضا للزراعة او مياها لهذا النوع من الاستثمارات ولا شيء أهم وأغلي وأثمن من توفير الغذاء بالانتاج المحلي لأن الجميع يعلم ان للاستيراد مشاكله سواء كانت ارتفاعا في السعر او صعوبة في النقل او تحكم السياسة في التصدير لتلك الدولة او الاستيراد منها فكثيرا ما تتحكم العوامل السياسية في غذاء الشعوب الفقيرة التي لا تملك غذاءها, ناهيك عن القلاقل والاضطرابات السياسية التي تحدث في بلد لديه وفرة في سلعة غذائية معينة لا يمكنه تصديرها لأي دولة بسبب هذه القلاقل وبالتالي تقع الاضطرابات بسبب الجوع ونقص الغذاء. وطرح الاقتصادي سؤالا مفاده: ما العوامل التي تؤهل مصر للاستثمار الزراعي بالسودان؟ أجاب د. الغندور قائلا: العوامل كثيرة من بينها الخبرة التي تتوافر للفلاح المصري في زراعة المحاصيل الحقلية والخضر والمتمرس في الزراعات المروية في المساحات الصغيرة وهذه النوعية من الفلاحين لا تتواجد الا في دول افريقية هي مصر, تونس, الجزائر, المغرب, جنوب افريقيا, أما بقية الدول الافريقية فإن خبرة أغلب مزارعيها في الزراعة المطرية الفقيرة والمنخفضة الانتاجية, وجود قطاع خاص مصري قوي في الاستثمار الزراعي والتصنيع الزراعي في مصر يعاني من ندرة الاراضي الصالحة للزراعة وارتفاع اسعارها اذا وجدت وكذلك ارتفاع قيمة إيجارها, إضافة إلي وجود شركات عملاقة في استصلاح الاراضي ذات خبرة وكوادر بشرية عالية الكفاءة شهدت لها الدول الأخري. ويجزم الدكتور عادل الغندور ان السودان أهم بلاد العالم لمصر وان جميع حلول مشكلات مصر المستعصية كامنة في السودان ومن بينها الانفجار السكاني خاصة في ظل محدودية الموارد الطبيعية خاصة المياه وكلنا يعلم ذلك ولا ننسي المقولة الشهيرة ان من لا يملك قوته لا يملك حرية قراره, وأن امتلاك هذه الحرية يحتاج من مصر مساحة10 ملايين فدان زراعية علي الأقل حتي يمكنها سد الفجوة الغذائية حاليا ولكن هذه المساحة تتطلب زيادتها كلما زاد عدد السكان في مصر الذي يزداد سنويا ب1.5 مليون نسمة. ويضيف الدكتور الغندور أن المساحات الجاهزة للاستصلاح في السودان والزراعة علي سبيل المثال مشروع ارقين ومساحته1.8 مليون فدان وغيرها, مطالبا بتفعيل الحريات الاربع المتمثلة في التنقل, العمل, التملك, الاقامة, وهذه الاربع تم الاتفاق عليها مسبقا وهي الأربع التي تسير عليها علاقات الدولتين وتدفع بالاستثمار بينهما مما يوفر فرص عمل لشباب الدولتين العاطلين الذين لا يجدون فرص عمل وفي ذات الوقت سيتم توفير الغذاء لمواطني البلدين بأسعار مناسبة اقل من فاتورة الاستيراد والأهم هو ضمان هذا الغذاء لأنه ينتج محليا وبأيد وطنية هم أبناء الدولتين. والأهم ان السودان هي سلة الغذاء للعالم العربي وكذلك الاسلامي وهي المستقبل والامل في سد الفجوة الغذائية والفقر المائي والطاقة من بترول ووقود حيوي لما بدأ بها من اكشافات بترولية التي تحتاج الي الخبرة والاستثمارات, مشيرا إلي ان مساحة السودان250 مليون فدان بها مساحات شاسعة صالحة للاستصلاح والاستزراع. وأخيرا ماذا عن المشروعات بين مصر والسودان كاستثمارات؟ يجيب ان المشروعات المنشأة بين الدولتين منها الشركة المصرية السودانية للتكامل الزراعي الدمازين, شركة مزرعتي سنار النيل الازرق, شركة القلعة كوستي النيل الابيض, زراعة الأرز بواسطة مزارع مصري النيل الابيض, بعض المزارعين المصريين يقومون بالتعاقد علي بعض المحاصيل لتصديرها لمصر. فيما يشدد الدكتور مدثر أحمد ابو القاسم من السودان علي ان العلاقات التجارية بين مصر والسودان هي المدخل الرئيسي والمهم للتكامل والتعاون الاقتصادي بينهما, مشيرا إلي ان عوامل نجاح التكامل الاقتصادي بين الدولتين تتمثل باختصار في انشاء منطقة تجارة حرة بينهما ثم انشاء اتحاد جمركي, سوق مشتركة, اتحاد نقدي, سلطة اقتصادية موحدة تهدف الي الاشراف علي جميع النواحي الاقتصادية من سياسات مالية, تجارة خارجية, اسواق العمل, البرامج الاقتصادية وغيرها من المراحل المطلوب اقامتها علي ارض الواقع ليبدأ التكامل الاقتصادي بين أي دولتين وليس مصر والسودان وان توافر هذه المراحل يعد جسرا للتكامل الذي بدأ أولي خطواته للنجاح وتحقيق الأهداف. أما عوامل نجاح التكامل الاقتصادي فإنها تتمثل في وجود إطار قانوني يحدد الواجبات والحقوق من الدولتين ويعالج المستجدات التي قد تطرأ في المستقبل علي علاقاتها ثم ضرورة وجود اطار مؤسسي يكمل هذا الإطار القانوني وتأتي خطوة وجود استثمارات مشتركة وهذه تحتاج من الدولتين تحسين بيئة ومناخ الاستثمار وجميع الضمانات والامتيازات الأخري وتشجيع القطاع الخاص, وأخيرا وجود تجارة بينية, ويقاس نجاح التكامل الاقتصادي بحجم هذه التجارة وهذا يتوقف علي ضرورة تخفيض وإزالة الحواجز التجارية من خلال تقديم المعاملات التفضيلية بين الدولتين, موضحا ان مصر هي الشريك الاكبر للسودان بين مجموعة دول الكوميسا في المرتبة الأولي. فيما يؤكد الدكتور نادر نور الدين بزراعة القاهرة ان الاستثمار الزراعي أصبح في غاية الأهمية خاصة لمصر في ظل ما تتكلفه من فاتورة مرتفعة من النقد الأجنبي خاصة في المرحلة الحالية حيث تمر مصر بظروف بعد ثورة25 يناير2011. كما أن الغذاء العالمي يمر ما بين وقت وآخر بأزمات بسبب ارتفاع أسعار الطاقة, التنافس بين الوقود الحيوي والانسان علي الغذاء, زيادة استهلاك الدول المنطلقة اقتصاديا والكثفية للسكان من الغذاء خاصة الصين والهند ومعهما البرازيل, المتغيرات المناخية وخاصة زيادة تكرار نوبات الجفاف والفيضانات. يضيف د. نادر أن هناك ثلاثة آراء حول أفضلية الاستثمار هل تكون للداخل أم في الخارج حيث هناك من يري الانتهاء من مشروعات التوسع الزراعي في الداخل أولا للمشروعات التي بدأتها الدولة وتوقفت لأسباب سواء تمويلية أو معوقات أخري وذلك قبل الاتجاه إلي السودان أو إفريقيا عموما بما يوفر الامان للمستثمرين وضمان الحصول علي المنتج الزراعي بأكمله, والفريق الثاني يري الاتجاه إلي الاستثمار بدول حوض النيل أولا لربط المصالح والاقتصاديات ومنع التغلغل الاستعماري إلي داخل دول الحوض وتأمين مواردنا من المياه وهذا ما بدأت مصر تعانيه حاليا نتيجة إهمالها للاستثمار بداخل دول الحوض رغم أهميتها لمصر وأننا جميعا داخل قارة واحدة اسمها إفريقيا. أما الرأي الثالث والأخير فهو يري انه ليس هناك ما يمنع من المضي في الاتجاهين معا الاستثمار في الداخل وإفريقيا معا. ولكن كيف تري أهمية الاستثمار المصري بالسودان تحديدا؟ يجيب د. نادر أن السودان تمتلك من الموارد الأرضية والمائية ما يساهم كثيرا في استقبال أي مشروعات استثمارية علي أرضها سواء كانت إفريقية, عربية, أجنبية, مصرية فلو نظرنا إليها كدولة فسنجد أن مساحتها الكلية2.505 مليون كم مربع أي قرابة ال600مليون فدان وتعد أكبر دول القارة مساحة في حين يسكنها35 مليون نسمة والصالح من هذه المساحة للزراعة حوالي250 مليون فدان بما يساوي42% من المساحة الكلية تقريبا إضافة إلي وجود حوالي200 مليون فدان مراعي طبيعية وغابات, ورغم وجود هذه المساحة من الارض الصالحة للزراعة فما يزرع فعليا لا يتجاوز ال40 مليون فدان بما يساوي16% من المساحة الزراعية وأغلب هذه الزراعات مطرية أما الاراضي المروية فتصل مساحتها4.4 مليون فدان تعطي50% من الناتج الزراعي الكلي في حين من الممكن الوصول بهذه المساحة إلي6.2 مليون فدان وان إجمالي المياه المتجددة بالسودان64.5 مليار متر في السنة وإجمالي الأمطار السنوية حوالي10 مليارات متر. مضيفا د. نادر أن أهم المحاصيل التي تزرع بالسودان الذرة الرفيعة وهي أهم محصول هناك ثم القطن, الفول السوداني, القمح, الذرة الشامية, قصب السكر, عباد الشمس, الخضراوات, البطاطس, الأرز, الجذور والدرنات وتمتلك السودان ثروة حيوانية تقدر ب132مليون رأس موزعة علي النحو التالي40 مليون رأس من الابقار,48 مليون رأس خراف,41.5 مليون رأس من الماعز,3.3 مليون رأس من الابل وتلك ثروة حيوانية هائلة يمكن الاستثمار فيها من جانب المصريين لتوفير اللحوم الحمراء بأسعار مناسبة لمصر وأيضا التصدير لدول مستوردة, أيضا المساحات المتوافرة للاستثمار الزراعي مع توافر المياه المطلوبة لها والاهم ان مصر بها خبرات في الزراعة سواء من الباحثين أو الفلاحين تساعد في الاستثمار حالة استغلال مثل هذه الميزات ولكن كل ذلك يجب ان يتم باتفاقيات ترعاها الدولتين حفاظا علي أموال المستثمرين وتشجيعا لهم وكل ذلك ينتج في النهاية أمنا غذائيا للدولتين, بل لو تم استغلال امكانات السودان لامكن توفير احتياجات الوطن العربي من السلع الغذائية كاملة دون نقصان ولو تم تشجيع الاستثمار في التصنيع الزراعي فسوف يكون ذلك أفضل ويدر عائدا اقتصاديا علي الطرفين ويدفع باقتصادهما إلي الأفضل والأمام خاصة في ظل ما يحدث في العالم من أزمات غدائية بين وقت وآخر وتغيرات مناخية ترفع أسعار السلع الزراعية الي ما يفوق طاقة بعض الدول خاصة العالم الثالث لضعف وهشاشة اقتصادها. وقال أحد المستثمرين بالسودان مصطفي الأحول ان السودان هي العمق الاستراتيجي لمصر وأكبر دولة إفريقية مساحة قبل انفصال الجنوب ويمكنها استيعاب طاقات بشرية باعداد هائلة. والأهم أن كثيرا من السودانيين ترك الارض الزراعية بحثا عن الذهب وأصبحت الارض دون زراعة تبحث عن مستثمرين لها مستغلين لامكاناتها سواء من أهل السودان أو مصر أو غيرهما خاصة ان غالبية الاراضي الملاصقة لوادي النيل مخصصة للسودانيين وليس للاجانب, والسودانيون لم يستثمروها بسبب انشغالهم بالبحث والتنقيب عن الذهب والمشكلة من وجهة نظري التي تواجه المستثمر الذي يذهب للاستثمار في السودان هي أن قوانين الاستثمار غير واضحة المعالم والضمانات التي تمنحها السودان للمستثمرين والاجانب غير كافية لأن صناديق ضمان الاستثمار هناك ترفض تغطية استثمار الأجنبي في المشروعات السودانية, أيضا عدم وجود شرط تحكيم حالة نشوب خلاف بين المستثمر وأي جهة سودانية سواء كان التحكيم محليا أو عربيا أو دوليا. إضافة إلي أن الاوراق المقدمة للمستثمر تضمن حقوق الدولة ولا تضمن حقوق المستثمر, قضايا ومشكلات عديدة يواجهها المستثمر الأجنبي في السودان مما يعوق استثماراته وهذه تتطلب إعادة نظر الحكومة السودانية في هذه المعوقات لتدفع بالاستثمارات الاجنبية لديها وتشجيعها مما يعود في النهاية بالنفع والعائد الاقتصادي علي المستثمر والسودان. من جانبه يقول الدكتور فوزي نعيم مسئول الملف السوداني بوزارة الزراعة سابقا إن السودان أهم الدول الافريقية لمصر للاستثمار فيها خاصة الاستثمار الزراعي وان الوزارة ومركز البحوث الزراعية تقدم كل خبراتها وخبرائها وبحوثها للاستفادة منها للمستثمر المصري هناك, كما أن مركز البحوث له مزارع بحثية هناك يشرف عليها باحثون من أبناء المركز لتقديم الحلول العلمية للمشاكل التي تواجه المستثمرين سواء في التربة ونوعية المحاصيل المناسبة في الزراعة وكيفية النهوض بالانتناجية, وابتكار أصناف وسلالات جديدة مقاومة للأمراض والحرارة المرتفعة وملوحة الارض والمناسبة لكل إقليم علي حدة. ولابد أن نعلم ان السودان هي الاقرب للمستثمر المصري في الزراعة لحاجة مصر إلي سد الفجوة الغذائية سواء في القمح, الذرة الصفراء, اللحوم الحمراء, المحاصيل العلفية, المحاصيل الزيتية وأيضا قصب السكر. وما ينقصها هو تشجيعها وكيفية حمايتها من خلال القوانين والتشريعات الضامنة لهذه الاستثمارات المصرية علي الاراضي السودانية. وقال أحد المستثمرين المصريين بالسودان في السابق إن السودان رغم ما تملكه من امكانات هائلة للاستثمار للزراعي سواء من اراض زراعية أو مياه أو ثروة حيوانية باعداد كبيرة فإن الاضطرابات السياسية والقلاقل التي تحدث بها تعتبر خطرا علي الاستثمارات الموجودة علي أرضها لأن هذه الاستثمارات تفتقد الحماية القانونية والتشريعات الضامنة لها مما يتطلب أن تحمي الحكومات في الدولتين هذه الاستثمارات وبقوانين واضحة وتشريعات تتيح للمستثمر اللجوء إلي التحكيم سواء المحلي أو الدولي.