من المفترض ان تقوم وسائل الاعلام بدور تنموى خاصة فى الدول التى تعانى من مشاكل اقتصادية او مشاكل اجتماعية ،لان وسائل الاعلام هى وسيلة غير نظامية للتعليم والتثقيف ويفوق دورها احيانا دور المدارس والجامعات فى التنشئة وتعلم سلوكيات اجتماعية واقتصادية .وفى نهايات القرن الماضى كان يقاس نجاح وسائل الاعلام بما قدمته للمجتع وافراده من مادة اعلامية مفيدة وجذابة فى الوقت نفسه تساعدهم على قضاء وقت ممتع وتعلم قيم واساليب جديدة فى ادارة الحياة والتغلب على مشاكلها اليومية، وكانت المادة الاعلامية تتنوع ما بين مسلسل ممتع او فيلم يعالج مشكلة من واقع الحياة او برنامج هادف يضيف ثقافيا ومعرفيا وتحليلات اخبارية لاهم الاحداث سواء فى مقالات الكتاب فى الصحف او فى اعقاب نشرات الاخبار فى الراديو والتليفزيون وكان يتخلل كل ذلك اعلانات على مستوى راق شكلا ومضمونا مع الحرص الشديد على الا تطغى المادة الاعلانية على المضمون الاعلامى. والراصد لوسائل الاعلام حاليا يكتشف ان الحال قد انقلب رأسا على عقب واصبحت الاعلانات هى المادة الطاغية وبصرف النظر عن الابتذال والاسفاف والالفاظ البذيئة التى تحتويها الاعلانات وانعكاسها السلبى الملحوظ على سلوكيات النشء والشباب، الا انها تستخدم جميع الاساليب للوصول الى المستهلك وإقناعه باستخدام السلعة او الخدمة المعلن عنها. فى اطار يمزج بين الصوت والصورة والحركة والالوان والديكور والموسيقى والاغانى والرقص خاصة فى اعلانات التليفزيون التى تستخدم كل عناصر الابهار والتشويق والجذب من الفنانين والرياضيين واستخدام جميع اشكال التأثير النفسى والعاطفى . مما يستثير الدوافع التى تؤدى الى السلوك الاستهلاكى لدى المتلقى. وعلى الرغم من افتراض المسئولية الاجتماعية لوسائل الاعلام فى تقديم خدماتها للمستهلك بموضوعية والتزام باخلاقيات المهنة لتنمية المجتمع فان اعتبار الاعلان كمصدر رئيسى من مصادر التمويل للمؤسسات الاعلامية بدأ يفرض واقعا مغايرا فى حماية المستهلك وهو ما ظهر بوضوح فى اعلانات شهر رمضان الكريم التى تجلى فيها التضليل الاعلامى فكم من الاعلانات عن ادوية التخسيس ورفع القدرة الجنسية والتناقض فى المعلومات المقدمة للمستهلك بين وسيلة اعلامية واخرى فتجد اعلانا عن المبيدات الحشرية يقابله طبيب فى وسيلة اخرى يحدد مسببات السرطان واولها المبيدات الحشرية فضلا عن الاكاذيب فى نشر معلومات غير صحيحة عن مراكز الصيانة ومراكز العلاج بالاعشاب وادوية وهمية تعالج جميع الامراض المزمنة مع آلام الظهر والمفاصل بدون التأكد من ترخيص وزارة الصحة بالاضافة الى اعلانات الدجالين وفك السحر وجلب الغائب والحبيب. ونأتى لاستخدام المشاهير الذى يكلف المعلن الملايين لانه يعرف تماما ان اعجاب الجمهور بالشخصيات المعروفة لا يتوقف فقط على حدود التعبير عن الاعجاب بل يتعدى ذلك الى التقليد فى الشكل والملبس وفى الانماط الاستهلاكية ولذا معظم الاعلانات ركزت على المنتجعات السياحية والفيلات دون مراعاة لثورة التطلعات التى يمكن ان تنشأ عنها واعلانات شركات الاتصالات التى تستنفد ميزانية الاسرة المصرية. لقد سيطر الاعلان على المضامين الاعلامية فتراجعت المادة الاعلامية امام الغزو الاعلانى وانتقصت مما تقدمه وسائل الاعلام من وظائفها الاعلامية والاخبارية وتحولت الى وسائل تشجع السلوك الاستهلاكى غير المرشد وتدخل انماط استهلاكية جديدة على المجتمع وتهدم كل برامج الترشيد الاقتصادى. فرحمة بالمستهلك وبهذا الوطن.