اعتادت وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبري ممارسة الترهيب والتلويح بخفض الجدارة الائتمانية للدول والشركات . فعادة ما يأتي خبر خفض تصنيف بلد ما كالصاعقة مع ما يترتب عليه من ارتفاع في تكلفة الاقتراض بالنسبة لها. لكن في الآونة الأخيرة حدث عكس ذلك ، ولم تعد قرارات تلك الوكالات لها صدي كبير لدي المستثمرين في الدول الغربية بما يشير الي فقدانها كثيرا من مصداقيتها. ما يؤكد ما سبق ما شهدته الاسواق مؤخرا . فحرمان المملكة المتحدة من تصنيفها الائتماني الممتاز»ايه ايه ايه» من قبل وكالتي فيتش وستاندرد اند بورز عقب تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الاوروبي لم يؤثر في المستثمرين سلبيا, بل علي العكس حدث شيء عجيب في اسواق المال.فبدلا من زيادة فورية في عوائد أذون الخزانة , انخفضت العوائد الي مستوي قياسي مما عزز رد فعل المستثمرين اتجاه جديد بعدم الاهتمام بقرارات وكالات التصنيف الكبري , وهي التي سبق وأن وجه اليها اتهامات باستغلال النفوذ وتضارب المصالح والمساهمة في حدوث الأزمة المالية العالمية عام 2008 لكن كانت قراراتها مهمة بالنسبة للمستثمرين من اجل تحديد اختياراتهم من الاصول. وفي يناير 2015 علي سبيل المثال فرضت السلطات الأمريكية غرامة بقيمة 77 مليون دولار بعد اتهامها ب»سوء السلوك الاحتيالي». ومن ثم يخضع دور وكالات التصنيف لمزيد من التدقيق . وحتي عندما خفضت تصنيف الصين في شهر ابريل الماضي من «مستقر» الي «سلبي», ردت بكين بقوة علي موديز وستاندرد اند بورز وشنت انتقادات لاذعة لهما بعدم الكفاءة. يضاف إلى سبق ما حدث مع استراليا مؤخرا, حيث خفضت ستاندرد اند بورز تصنيفها الائتماني طويل المدي الي «سلبي» وسط تصاعد المخاوف بشأن استمرار عجز ميزانيتها وذلك بعد الانتخابات الأخيرة ، لكن المسئولين رفضوا ذلك التقييم , وكذلك المستثمرون الذين أدركوا أنه ليس هناك فارق كبير في النهاية,وفشلت قرارات خفض التصنيف في التأثير علي عوائد السندات الاسترالية مما دفع الفاينانشيال تايمز مؤخرا للتساؤل حول ما اذا كانت تصنيفات السندات السيادية لا تزال امرا مهما, لاسيما بعد خفض تصنيف عدد قياسي من الدول هذا العام - مما ادي الي انخفاض وعاء السندات الحكومية التي تتمتع بأعلي تصنيف «ايه ايه ايه» الي 10 دول فقط مقارنة ب 16 دولة قبل عشر سنوات-. فالتصنيف الائتماني هو مقياس لقوة المقترض الاقتصادية وخفضه يجب أن ينعكس علي الاسواق بارتفاع الفائدة ولكن مع ذلك فإن اسعار الفائدة علي السندات في انحاء العالم لم تكن اقل من هذه الايام. نقلت الفاينانشال تايمز عن جيمس مكورميك رئيس التصنيفات السيادية في وكالة فيتش قوله إن الوكالة قد لاحظت بالفعل انقطاع الصلة بين قراراتها وأسعار سوق السندات وهو ما بدأ حتي قبل «بريكست» , وربما يرجع الي فترة أزمة ديون منطقة اليورو وتصريحات رئيس البنك المركزي الأوروبي الشهيرة بان البنك «سيفعل ما في وسعه» لتجاوز الأزمة والحفاظ علي اليورو.وهو التصريح الذي ترجمه المستثمرون بانه لن يتم السماح لاي دولة بأن تتعثر عن السداد.ونتيجة لذلك انخفضت عوائد سندات اقتصادات جنوب اوروبا المحفوفة بالمخاطر. ويري محللون ان احتكار الثلاث الكبار موديز وفيتش وستاندرد اند بورز لسوق التصنيف الائتماني العالمي مع سيطرتهم علي 95٪ منهم سبب رئيسي في تجاوزاتهم. وتم توجيه اتهام صريح لهم بأنهم تسببوا في تفاقم أزمة منطقة اليورو ومشكلات دول اليونان وايرلندا والبرتغال واسبانيا خفض تصنيف سندات تلك الدول ادي الي ارتفاع تكلفة الاقتراض بالنسبة لها ما زاد من مشاكلها المالية وخلال عام 2011 تم خفض تصنيف سندات 20 دولة. والعكس خفض تصنيفات الدول في الأونة الاخيرة لم يعد يثير نفس التوابع في اسواق المال مع تجاهل المستثمرين لقرارات الوكالات الكبري , وهو ما تجلي بوضوح مع بريطانيا. وبالنسبة لبعض المستثمرين فإن صناعة «التصنيف الائتماني» قد انتهت.فقال مدير صندوق «ابردين « لادارة الاصول انه لم يعد بإمكانهم الثقة في تلك الوكالات وانهم يعتمدون حاليا علي ما يقومون به من ابحاث للوقوف علي صحة الجدارة الائتمانية لكل بلد. وكان تقرير حديث لصحيفة الفاينانشال تايمز قد أشار الي ذلك موضحا تدهور الجدارة الائتمانية للدول الي مستوي قياسي جديد خلال النصف الاول من العام الحالي بحسب تقييم وكالة فيتش ، فعلي خلفية تراجع اسعار السلع الرئيسية وفي مقدمتها النفط وارتفاع الدولار وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي خفضت فيتش تصنيف 14 دولة. وهذا القي الضوء علي تأثير الصدمات الجيوسياسية علي الاقتصاد العالمي , في ظل تباطؤ النمو وارتفاع المديونيات, فنصف الدول التي تم خفض تصنيفها في الشرق الاوسط وافريقيا. الجدير بالذكر هنا ان تصنيف المملكة العربية السعودية والبحرين والبرازيل تم خفض تصنيفهم من قبل الوكالات الثلاث . ويفسر محللو بنك يو بي اس ظاهرة عدم تأثر عوائد سندات بعض الدول بخفض تصنيفها الائتماني بأن تهافت المستثمرين علي سندات الاسواق الناشئة بالرغم من خفض تصنيفها سببه عدم وجود كثير من الدول التي يمكن أن يحصل فيها المستثمر علي عوائد «موجبة», فالعالم مكبل بنحو 11.7 تريليون دولار من السندات السيادية ذات فوائد سلبية. ادى الاقبال الي انخفاض متوسط عوائد السندات في مؤشر جي بي مورجان لسندات الأسواق الناشئة الي ادني مستوي في عامين عند 5.25٪ . والمشكلة هنا هي ضعف النمو. ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاسواق الناشئة بمعدل 4.1٪ هذا العام. وفي حين كان هناك بعض التحسن في عجوزات الحسابات الجارية في الدول «الهشة الخمس» بما فيها الهند, الا ان انخفاض أسعار السلع ادي الي ضعف النمو بالرغم من سعي دول مثل العراق ونيجيريا الي تعويض الايرادات المفقودة.