جانيت يلين ليست مجرد اقتصادية تتبوأ منصبا عالميا, فقد سبقتها في هذا المضمار كريستين لاجارد, التي تولت منصب رئيس صندوق النقد الدولي, الذي يهيمن ببعثاته وآرائه علي مسارات العديد من اقتصاديات الدول في العالم, سواء اتفاقا أم جدلا. ولكن جانيت يلين, تمثل تطورا جديدا وإضافة لابد أن تؤخذ في الحسبان ويتمعن في قراءتها وتحليلها.. فهي اول سيدة تتولي منصب رئيس لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي ترنو إليه الأبصار وتتلاحق أوامر البيع والشراء في اسواق المال والعملات الدولية في ظل قراراته وتصريحات المسئولين فيه, انه البنك الذي تحدد سياساته مدي قوة القاطرة الأمريكية في الاقتصاد العالمي, وتوجهات المضاربة في العملة الخضراء الدولار وهل هي مستودع آمن للاستثمار والادخار.. أم أنه يطيح بالمليارات قبض الريح ؟ كما تمثل البيانات والتوقعات الصادرة من البنك الفيدرالي بوصلة أسعار الفائدة في الاقراض الدولي ومسارات حروب العملات الدولية بين جاذبة وطاردة وتوجهات الارصدة السيادية للدول ذات الفوائض المالية. لهذا كله وأكثر من ذلك.. يمثل تولي جانيت يلين لمنصب رئاسة الفيدرالي الامريكي ابتداء من منتصف يناير2014 حدثا فارقا في عالم النساء والبنوك المركزية ال177 علي صعيد العالم, علي حد سواء فقد اقتحمت امرأة النادي الرجالي لرؤساء هذه البنوك. ومن هنا كانت نذر التحديات الصعبة التي ستواجهها عندما تتولي المنصب رسميا وسط انواء العواصف الاقتصادية والسياسية التي تواجهها الولاياتالمتحدة والتي جعلت انفاس وابصار الاقتصاد العالمي ترتبط بها خلال الأيام القليلة الماضية, علي غرار ما حدث في ازمة ليمان براذر في عام2008, وخلال ازمة الكساد العظيم في القرن العشرين, خوفا من إفلاس حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية!!! التي بلغت مديونياتها ما يقرب من17 تريليون دولار, وتتصدر كل من الصين واليابان إضافة الي تايوان وروسيا وسويسرا صدارة دائنيها مما يرفع درجة الحساسية إزاء تطورات الأحداث فيها علي الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وإذا كانت المسيرة العلمية والمناصب العملية التي تولتها جانيت وخبراتها المتراكمة عبر سنوات عمرها السبع والستين ونبوءتها المبكرة بالفقاعة العقارية والأزمة المالية, تمثل مرتكزا ودليلا لنقطة البداية الجديدة, الا ان حجم التحديات وصعوبتها لا يمكن اغفاله. * فهناك الآراء المتباينة حول استمرار البنك الفيدرالي في سياية شراء الأوراق المالية الطويلة الأجل من عدمه, الذي أسهم في انتشال الاقتصاد الأمريكي من دائرة الركود مقابل3 تريليونات دولار انفقها, إضافة الي ثلاثمائة مليار دولار من وزارة الخزانة لدعم البنوك, وحتي يتم البت في تخصيص ال85 مليار دولار التي يتم تخصيصها شهريا لهذا الغرض, سوف نجد ان أجراس الإنذار والتحذير تحوط السيدة جانيت من جانب صندوق النقد الدولي وكذلك البنك الدولي, من بعد التوقف في ظل ازمة الحد الاقصي للدين الأمريكي, حيث ستتحمل اسواق السندات العالمية خسائر تقدر ب2.3 تريليون دولار مع معاناة الفقراء. * وفيما يتعلق بمعركة الحد الاقصي للدين الأمريكي التي بلغت ذروتها في ذات الوقت التي اختيرت فيه السيدة جانيت سوف نجد ان الصراع السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين والدور الذي لعبه حزب الشاي والمتشددون أدي الي انتهاج سياسة حافة الهاوية وحتي الاتفاق في آخر لحظة بصورة مؤقتة وحتي السابع من فبراير2014 من اجل التوصل الي حل طويل الأجل. وقد كانت النتيجة الطبيعية لهذا, خسائر مالية بلغت24 مليار دولار بالنسبة للاقتصاد الأمريكي وتهديدات بتخفيض آخر للجدارة الائتمانية من جانب مؤسسات التصنيف العالمية مثال فيتش وستاندرد آند بورز, مع انكماش ثقة المستهلك وبالتالي انفاقه مما أطاح بجزء من النتائج الايجابية المحققة عبر السنوات الماضية. * وحيث ان الاتفاق الأخير مؤقت.. وقد سبقه وعلي مدي أشهر تحذيرات متتالية من جانب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي, كما ان القرار الذي اتخذ في العام الماضي بخفض الانفاق العام الأمريكي ب1.2 تريليون دولار علي مدي عشرة أعوام, أدي الي تفاقم أزمة الحد الاقصي للدين حول أوجه التخفيض هل هي لبرنامج الرعاية الصحية وبرنامج حماية البيئة وانبعاث الكربون وتعديلات القانون المنظم للخدمات المصرفية, أم زيادة الضرائب, وبالتالي ايرادات الحكومة ؟ لذا فإن السيدة جانيت سوف تكون في وضع لا تحسد عليه في غضون أسابيع, حيث ان تخفيض الانفاق العسكري بنسبة10% و5% بالنسبة للأبحاث, ورفض الجمهوريين زيادة الضرائب تحت ضغوط مجتمع الاعمال لن يكون النهاية لسياسة حافة الهاوية. * يضاف الي ماسبق رؤيتها فيما يتعلق بسياسة الإنعاش الاقتصادي, هل بالتركيز علي قضية البطالة وترك قضية التضخم جانبا بما في ذلك سياسة سعر الفائدة, علي ذات النسق الذي سار عليه سلفها, وترجمة لاعتناقها النظرية الكينزية؟ وكيف ستطبق تنبؤاتها المسبقة لحماية النظام المصرفي والمالي من الأزمات والصدمات المفاجئة ؟ * وأخيرا وليس آخرا.. كيف تستطيع السيدة جانيت ترويض محافظي ورؤساء البنوك المركزية الأخري من نادي الرجال فيما يتعلق بالانتقادات الحادة التي توجه للأداء السياسي والاقتصادي وتناحر الأحزاب, الذي كلف الولاياتالمتحدة قدرا كبيرا من سمعتها والثقة في جدارتها الائتمانية, وكلف الآخرين خسائر مالية ناجمة عن حيازتهم ارصدة واستثمارات ضخمة من العملة والأوراق المالية الأمريكية.