يجمع مصرفيون وعاملون في قطاع الخدمات المالية علي أهمية وجود نص دستوري صريح يحصن استقلال البنك المركزي بعيدا عن التدخلات الحكومية باعتباره المسئول عن وضع وتنفيذ السياسة النقدية الحاكمة للنشاط الاقتصادي في البلاد. ويري هؤلاء أن عملية تعيين وعزل المحافظ يجب أن تحظي باهتمام كاف في المناقشات الدستورية حتي لايظل استقلال البنك المركزي رهينة أهواء سياسية أو أغلبية برلمانية قد يكون لها مصالح ما. وكشف مصرفيون ومحافظون سابقون للمركزي عن مطالب عدة يجب وضعها في الاعتبار فيما يتعلق بمواد البنك المركزي في الدستور الجديد والتي لايجب أن تنتقص شيئا من استقلاليته الي جانب أن تكون آلية اختيار المحافظ تابعة لرئيس الوزراء الذي ينقلها بالتبعية لرئيس الجمهورية صاحب القرار النهائي في اختيار المحافظ مع أخذ رأي المصرفيين في طريقة عزل المحافظ أو إقالته وأن يكون المحافظ والبنك مستقلين. ووفقا للفصل السابع من التعديلات التي تتم حاليا علي الدستور فإن المركزي جهاز رقابي وهو أمر متبع عالميا كما أن طريق اختيار المحافظ تكون بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية. بداية أكد اسماعيل حسن المحافظ الاسبق للبنك المركزي ان استقلالية البنك المركزي بالدستور الجديد يجب أن تكون خطا أحمر لايجب المساس به فاستقلالية المركزي اساس نجاحه في العمل بشكل يجنبه الوقوع في الازمات الاقتصادية ويضمن عدم وجود أي نوع من التدخلات الحكومية أو الحزبية في طريقة ادارة المحافظ للبنك. وقال حسن أن مهام المركزي رقابية وليست تنفيذية بشكل اساسي واستقلالية البنك المركزي اساس نجاح خطة الاصلاح التي حققها المركزي والتي ساهمت في تفاديه لأزمة الديون المتعثرة الي جانب أن استقلالية المركزي تضمن حمايته من التدخلات السياسية التي سبق وكان لها تأثير ملحوظ في أداء القطاع المصرفي في فترة من الفترات خلال السنوات الماضية. وتابع المحافظ الاسبق للمركزي أن طريقة اختيار المحافظ بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية أمر لا نرفضه ولاينتقص شيئا من استقلالية المركزي وأن آلية الانتخاب قد لاتكون مجدية في هذا الأمر بقدر ما يمكن اللجوء اليها في الحياة السياسية. ورفض حسن عزل المحافظ في الدستور الجديد عن طريق اغلبية اعضاء مجلس الشعب معتبرا أن ذلك يرسخ لتبعية المحافظ للحزب الحاكم والحكومة اللذين يأتيان من الفصيل صاحب الاغلبية في مجلس النواب وهو أمر يتنافي مع استقلالية المحافظ في اتخاذ القرار والتعامل مع الجهاز المصرفي التابع له. ومن جانبه أكد د. هشام ابراهيم الباحث المصرفي أن النص علي استقلالية المركزي يجب ألا يمس خلال التعديلات الدستورية الحالية لأن ذلك يضمن نجاحه في عمله وعدم استغلاله في تحقيق مآرب للحكومة أو الحزب الذي سيتولي الاغلبية في البرلمان القادم. وتابع.. لابد من هذه الاستقلالية التي تضمن تحقيق الاستقرار في المنظومة المالية والنقدية للبلاد ويحقق حماية الاقتصاد من أي هزات قد تؤثر علي الاقتصاد. وقال الطريقة الخاصة بالاختيار لهذا المنصب حاليا ملائمة والتفكير في إجرائها بالانتخابات قد تكون مقبولة مستقبلا لكن غير واردة حاليا. واشار الي أن المجلس التنسيقي بين السياسات المالية والنقدية يمكن أن يفعل بشكل أكثر انضباطا من الوضع الحالي وهو ما سيسهم في ازالة اللبس لدي البعض من امكانية التداحل بين صانعي السياستين ولكن بمجرد التنسيق بينهما فإن الوضع سيكون افضل. وتابع.. هذا الأمر متبع دوليا ولكن بصيغ مختلفة بعض الشيء من دولة الي أخري وله دور هام في تفادي أي تصادم قد يحدث بين السياستين. ومن جانبه أكد حسام ناصر الخبير المصرفي أن السياسة النقدية والمالية لايستقيمان الا بالتناغم بينهما ولايمكن أن يكون هناك تغول للسياسة المالية علي النقدية مشيرا الي أن تعيين المحافظ من قبل رئيس الجمهورية مقبول ولكن يجب عدم تعرض المحافظ للتغيير بمجرد تغيير حكومة وأخري فالبنك المركزي يضع سياسات لفترات طويلة تتطلب أن يستمر المحافظ في منصبة لمدة تمكنه من تنفيذ الاجندة التي يرغب في تطبيقها ولايجب أن يتم تغييره مع كل حكومة. وتابع ناصر.. عالميا يعين رئيس البنك المركزي من قبل رئيس الجمهورية ويعمل باستقلالية تامة دون توجيه ولايجب أن يكون مسيرا من قبل الحكومة بل يعمل معها لأنه يشرف علي جهاز مالي حساس جدا ويعتبر عصب الاقتصاد ويتحكم في بنوك تابعة يتولي الاشراف عليها ورقابتها بما يحمي حقق المودعين بها لأنه يسأل عنها في نهاية المطاف. واشار الي أن استقلالية المركزي تضمن الشفافية في محاسبته عن اخفاقاته ونجاحاته فلا يعقل أن يحاسب المحافظ ويده مغلولة مؤكدا أن نجاح البنك في تفادي أزمة الائتمان السياسي علي سبيل المثال تنبع من كونه مستقلا ولايعتمد في قراراته علي جهات أخري قد تكون أحزابا أو حكومة وشخصيات ذات صبغة سياسية. وفي نفس السياق أكد محمد بدرة عضو مجلس ادارة بنك القاهرة أن إغفال مطالب المصرفيين في الدستور الجديد أمر غير مقبول وسط الحديث عن اعادة بناء وطن والتخلص من اخطاء النظم السابقة التي تعاقبت علي البلاد خلال الحقب التاريخية الماضية فلا يعقل ألا يتم دعوة اصحاب الصناعة المصرفية لحضور نقاشات وحوارات مجتمعية عن القوانين واللوائح التي تحكم عملهم في الدستور الجديد للبلاد. وتابع.. لابد من التركيز علي منح كافة المراحل الاستقلالية في عمل المركزي ومنع أي تغول للسياسة المالية علي السياسة النقدية ولكن يجب أن يتم ذلك بالتنسيق الدائم بينهما وألا يتم التداخل في الاختصاصات مع ضرورة الوضع في الاعتبار أن كلاهما لايمكن العمل بعيدا عن الآخر أو دون تنسيق معه. واشار بدرة الي أن مطالب المصرفيين من القائمين علي صياغة الدستور الجديد للبلاد فيما يتعلق بالبنك المركزي ترتكز علي توفير البيئة القانونية والتشريعية للمحافظ حتي يعمل بشكل مستقل ودون توجيه من أحد الي جانب الرجوع الي اصحاب الصناعة في طرق التعيين والعزل من المنصب للمحافظ فلايعقل أن يكون هناك اتجاه داخل اللجنة المختصة بصياغة الدستور بعزل محافظ المركزي من منصبه بأغلبية في البرلمان لأن ذلك يجعل استقلاليته في مهب الريح لأنه سيكون حينها مرغما علي الانقياد وراء املاءات وتوجهات الحكومة أو الاغلبية في البرلمان حينها. وقال المصرفيون لم يعترضوا علي طريقة تعيين المحافظين بالمركزي ولكنهم يرفضون أن يكون المحافظ تحت ضغط املاءات وتوجهات أيا كان مصدرها.