يرى الكثيرون أو يصنفوا عادل إمام فنان كوميديان، لكنه فى حقيقة الأمر هو فنان متنوع، صحيح أن الخط الكوميدى كان السمة الخاصة فى العديد من أعماله، لكن كانت هناك أعمال أخرى نجح خلالها فى تقديم أدوار مغايرة بعيد تماما عن القوالب الكوميدية، وحققت هذه الأدوار نجاحات كبيرة، واتسمت بالتباين، لهذا من الصعب وضع فنان بقيمة عادل إمام فى قالب أو نوعية واحدة، على النقيض يمكن القول أن تلك الأعمال (البعيدة عن الكوميديا) حققت تفاعلا نقديا وجماهيرا يوازى، وأحيانا يتخطى، الأعمال التى اعتمد خلالها على الضحك. يمكن أن نقسم تلك الأعمال غير الكوميدية التى قدمها عادل إمام إلى مسارين، الأول ظهر من خلالها عادل إمام وكأنه الناقد الاجتماعى والشاهد على التحولات الاقتصادية والثقافية التى شهدها المجتمع المصرى على مدار عقود، والمسار الثانى الخاص بالأعمال التى رفع خلالها راية مواجهة التطرف والإرهاب. خلال حقبة السبعينيات بعد أن ثبت عادل إمام أقدامه كأحد فرسان الكوميديا الجدد، دخلت السينما المصرية في النصف الثاني من السبعينيات فترة عرفت باسم "أفلام المقاولات" التي جذبت معظم نجوم تلك المرحلة رغما عنهم، وكان عادل إمام واحدا منهم، لكن الميزة عند الزعيم بأنه لم ينجذب مثل غيره إلى هذه الموجة بشكل كامل، لكن تجربته في هذه الفترة جمعت بين المقاولات ومصطلح الضحك للضحك، فخلال سيطرة أفلام المقاولات قدم إمام مجموعة من الأفلام الضاحكة التي كان يحاول من خلالها النجاة من الانزلاق في حفرة المقاولات مثل غيره، نجد الزعيم في تلك الفترة أقدم على تجربة مغايرة تماما عن فكرة الضحك للضحك، وكانت من خلال اشتراكه في بطولة فيلم "صابرين" مع نجلاء فتحي ونور الشريف، وهو الفيلم المأخوذ عن رواية لجاذبية صدقي وكتب له السيناريو والحوار أحمد صالح وأخرجه حسام الدين مصطفى، ليكون هذا الفيلم أول الأعمال التى يقدمها عادل إمام خارج ملعبه الكوميدى. في الثمانينيات سار الزعيم في طريقين متوازين بين الكوميديا والتراجيديا في أفلامه وأدواره، فقد جعل شخصياته تكون أكثر التماسا مع المجتمع والواقع الذي نعيشه، فقد كانت البداية عام 1980 من خلال فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس" للمخرج حسين كمال، وهي تجربة سياسية بالدرجة الأولى دارت حول ضحايا السجون في فترة نهاية الستينيات، وكانت المفاجأة التي وجدتها الجماهير أن من يتصدر البطولة اثنين من أشهر الكوميديانات في مصر، عادل إمام وعبد المنعم مدبولي، وقدم إمام في نفس العام أيضا تجربة ثانية كانت فيها تحول بالنسبة للجماهير من خلال فيلم "الجحيم" مع المخرج محمد راضي، وهو المأخوذ عن رواية أمريكية طرحت في الأربعينيات تحت عنوان "ساعي البريد دائما يدق مرتين" والتي قدمتها السينما الأمريكية في مناسبتين، الأولى عام 1946 والثانية قدمها النجم جاك نيكلسون عام 1981. وفى عام 1980 قدم مسلسل "دموع في عيون وقحة" مع المخرج يحيى العلمي والمؤلف صالح مرسي، والذي يعد أول مسلسل طويل يتم انتاجه وهو مأخوذ من ملفات المخابرات العامة المصرية، كما كانت هناك مجموعة من الأعمال في ظاهرها كوميدية لكن في طياتها تحمل أفكارا شديدة العمق، مثل "خمسة باب" عام 1983 مع المخرج نادر جلال والذي شارك في بطولته مع نادية الجندي وفؤاد المهندس، ونفس الحال بالنسبة لفيلم "الأفوكاتو" الذي قدمه الزعيم في نفس العام مع المخرج رأفت الميهي حول المحامي حسن سبانخ عاشق الحياة الطبيعية الذي له فلسفته الخاصة في حياته وعمله، وأيضا فيلم "واحدة بواحدة" عام 1984 مع المخرج نادر جلال والصراع الخفي وغير الشريف بين شركات الدعاية والإعلان، ويعد هذا الفيلم من أوائل الأفلام المصرية التي طرحت تلك القضية الشائكة. وفى تلك المرحلة تواجدت أفلام مثل "زوج تحت الطلب" مع المخرج عادل صادق والذي طرح الزعيم من خلاله فكرة المحلل في حالات الطلاق المتكرر، ويعتبر الفيلم الوحيد الذي تطرق لهذه المشكلة بمساحة كبيرة، وفي نفس العام أيضا فيلم "خللي بالك من عقلك" الذي اقتحم من خلاله الزعيم قضية المرضى النفسيين والتعامل معهم الذي يفقد قدر من الإنسانية من إخراج محمد عبد العزيز، وأفلام أخرى طرحت قضايا اجتماعية وإنسانية مثل "الإنسان يعيش مرة واحدة" عام 1981 للمخرج سيمون صالح، وفيلم "على باب الوزير" عام 1982. وهناك فيلم "حب في الزنزانة" للمخرج محمد فاضل وفيلم "الغول" مع المخرج سمير سيف، وفيلم "حتى لايطير الدخان" عام 1984 مع المخرج أحمد يحيى، أما الفيلم الوحيد الذى لم يحتوى على أى لمحات كوميديا كان مع المخرج محمد راضي وهو "الإنس والجن".. وفي نفس العام قدم الزعيم تجربته الوحيدة مع المخرج الراحل محمد خان من خلال فيلم "الحريف"، وأيضا فيلم "كراكون في الشارع" مع المخرج أحمد يحيى الذي فتح فيه الزعيم أزمة الإسكان في مصر وافتقاد المواطن المصري لأبسط حقوقه في إيجاد مسكن آدمي له ولأسرته من خلال شخصية المهندس شريف المصري الذي ينهار العقار الذي يسكن فيه ويظل يتنقل مع أسرته من مكان لآخر. وهناك أفلام أخرى تنتمي لنوعية الحركة "الأكشن"، على غرار "المشبوه" عام 1981 مع المخرج سمير سيف الذي طرح من خلاله قضية اللص الذي يبحث عن التوبة لكن ظروف الحياة تصعب عليه الأمر، وهو الفيلم الذي شارك في بطولته كلا من سعاد حسني وفاروق الفيشاوي، وكانت المرة الأولى التي يجتمع خلالها الثنائي عادل إمام وسعيد صالح في أدوار غير كوميدية، وهناك فيلم "النمر والأنثى" عام 1987 مع المخرج سمير سيف الذي ينتمي للدراما البوليسية حيث قدم الزعيم دور الضابط "وحيد" الذي يتم زرعه داخل عصابة تاجر المخدرات "عبده القماش" بهدف الإيقاع به، وفي عام 1989 قدم الزعيم فيلم "المولد" مع سمير سيف أيضا. مواجهة الإرهاب والتطرف أما المسار الثانى الذى قدمه الزعيم بعيدا عن الكوميديا كان عنوانه مواجهة التطرف من خلال مجموعة من الأعمال التى تطرقت إلى مواجة ظاهرة الإرهاب وتأثير صعود التيارات الإسلامية منذ نهاية السبعينينات وتأثيرهم على المجتمع المصرى، يعتبر الزعيم عادل إمام من الفنانين القلائل الذين دخلوا في صراع طويل وممتد مع التطرف سواء على مستوى أعماله السينمائية أو على مستوى المواقف الإنسانية والتصريحات الإعلامية، ويعتبر هو الممثل الوحيد الذي دخل تلك الدائرة وظل يدور داخلها لأعوام طويلة، فقد شكل ثنائي مع المفكر فرج فودة الذي كان يناضل بقلمه، أما الزعيم فقد ظل يناهض بفنه وأفلامه الخالدة في تاريخ الفن المصري والعربي، فقد ساهم الزعيم في كشف وفضح إدعاءات تلك الجماعات التكفيرية وإظهار تطرفها للمواطن المصري البسيط الذي وجد في أفلام الزعيم السبيل الأهم للمعرفة والوصول إلى الحقيقة الغائبة وراء الأفكار الرجعية والمتطرفة التي تغلغلت إلى عقول المصريين على مدار أعوام طويلة حتى تحولت إلى ثوابت فكرية عقائدية ساهمت أعمال الزعيم في التخلص منها بشكل تدريجي. وعلى مدار تاريخ الزعيم الطويل دخل في نزاعات وصراعات طويلة مع طيور الظلام لكنه ظل حتى يومنا هذا صامدا ولم يكل أو يمل أو يستسلم، لم يفكر يوما في اللعب على المضمون أو الانسياق وراء التيارات الشعبوية التي تضع تلك الأفكار في هالة ممنوع الاقتراب، لكن الزعيم بقوة وحزم اخترق الجدران وعبر الحواجز حتى يساهم بشكل كبير في تشكيل وتغيير وعي المواطن المصري وكشف وتعرية وجوه التطرف والإرهاب. وشهد عقد التسعينيات ظهور هذه الأعمال من خلال تجربة تأرجحت بين فريقين، الأول يضم السيناريست وحيد حامد والمخرج شريف عرفة فى أفلام "اللعب مع الكبار"، "الإرهاب والكباب"، "المنسى"، "النوم فى العسل" و"طيور الظلام"، والفريق الثانى الذى ضم المؤلف لينين الرملى والمخرج نادر جلال فى أفلام "الإرهابى"، وسلسلة "بخيت وعديلة"، و"الواد محروس بتاع الوزير"، و"رسالة إلى الوالى". في عام 2008 يقدم الزعيم بمشاركة النجم العالمي الراحل عمر الشريف فيلم "حسن ومرقص" من تأليف يوسف معاطي وإخراج رامي إمام، وهو عن التعصب الديني والتطرف في الإسلام والمسيحية والعلاقات المضطربة عند البعض منهم من خلال شخصية قس يتعرض لمحاولة اغتيال وتجربة الجهات الأمنية في انتحال شخصية أحد الشيوخ بشكل مؤقت حتى يختفي هذا التهديد، وفي نفس الوقت تجبر شيخ على تقمص شخصية قس لحمايته من تعرضه للقتل من قبل إحدى الجماعات التكفيرية الذين يرون من وجهة نظرهم أن هذا الشيخ لا يطبق تعاليم الدين بتشدد. وخلال مسيرة الزعيم في أفلامه تطرق في العديد منها إلى ومضات كبيرة عن التطرف والتشدد الديني، حتى وإن جنح بعضها إلى الكوميديا، على سبيل المثال شخصية "الشيخ محمود" التي قدمها أحمد السعدني في فيلم "مرجان أحمد مرجان" أو محاولات الجماعات الإرهابية في استغلال شريف خيري في "السفارة في العمارة"، أو حرفوش ابن برقوق في "رسالة إلى الوالي"، وتحولهم السياسي في "بخيت وعديلة" بجزئيه من خلال شخصية وجيه التي قدمها الراحل عزت أبوعوف، وأيضا في "عمارة يعقوبيان" وتحول طه الشاب البسيط إلى متطرف، وتعامل المتطرفون وتجار الدين مع العجز الجنسي الذي أصاب المصريين في "النوم في العسل" في القضية التي كان يحقق فيها العميد مجدي نور رئيس مباحث العاصمة وشخصية الشيخ نادي في "كراكون في الشارع". لم يكن دور الزعيم ينحصر فقط على دوره كممثل يواجه التطرف في أفلامه فقط، بل امتد إلى دوره كإنسان من خلاله دفاعه الشديد للمفكرين وحرية التعبير أمام قوى التطرف وطيور الظلام، فقد وقف الزعيم بقوة مع المخرج الراحل يوسف شاهين رغم أنهما لم يجمعهما عمل معا حتى على مستوى المحاولات فقد باءت كلها بالفشل واختلفت وجهات النظر، لكن هذا لم يمنع أن الزعيم كان من أوائل الممثلين الذين دعموا شاهين أثناء قضيته الشهيرة الخاصة بفيلم "المهاجر" عام 1994 . ونفس الأمر تكرر مع المفكر فرج فودة الملقب بشهيد الفكر، أحد أهم المفكرين التنزيرين في تاريخ مصر والذي ظل عادل إمام يدافع عنه كثيرا لدرجة أنه اعترف بتقديم شخصيته في فيلم "الإرهابي" من خلال شخصية الصحفي فؤاد مسعود الذي قدمه الراحل محمد الدفراوي الذي اغتيل في الفيلم كما اغتيل فودة في الواقع يوم 8 يونيو عام 1992، وكان الزعيم أول من وصل إلى المستشفى التي نقل إليها فودة مع الصحفي عادل حمودة وعرض الثنائي وقتها استعدادهما للتبرع بالدم لأن فودة ظل ينزف طويلا، وبالفعل تبرع الثنائي مع الصحفي الراحل محمود صلاح، وكان لديهم أمل في أن يساهم هذا التبرع البسيط في إنقاذ حياة فرج فودة، حتى خرج الأطباء معلنين وفاة فرج فودة، وقيل وقتها أن الزعيم عادل أمام سقط على الأرض ودخل في نوبة بكاء طويلة وتعرض لصدمة عصبية من شدة البكاء، وكان الزعيم من أوائل المتلقين لعزاء فودة بجانب عائلته. اقرأ أيضا: يسرا: «الزعيم عادل إمام ضحكة ودمعة وثقافة وتاريخ»| فيديو