تعتبر المنح والمساعدات الأجنبية أحد أهم مصادر التمويل الأجنبي, التي بدأت في الظهور عقب الحرب العالمية الثانية, من خلال ما عرف بمشروع مارشال عام1947 لإعادة إعمار الدول الأوروبية, لذا فقد تركزت معظم هذه المنح علي مشاريع البنية الأساسية. ثم بدأت توجه بعد ذلك لتمويل خطط وبرامج التنمية في الدول النامية ومحاولة القضاء علي الفقر والأمية, ومن ثم تقديم المساعدة في عمليات تطوير وإصلاح المؤسسات. وعلي الرغم من المزايا التي حققتها هذه المنح لبعض الدول النامية, الاتجاه المتزايد في تقديم المنح, فإن هناك من يشكك في جدوي هذه المنح والمعونات الاقتصادية الأجنبية وقدرتها علي مساعدة الدول النامية في مواجهة المشكلات التي تعاني منها, ومن ثم قدرتها وفاعليتها في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول المتلقية. تقول د. دعاء سالمان عبده استاذ الاقتصاد المساعد بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون ان المنح تتميز بأنها عبارة عن التحولات النقدية والعينية التي لا ترد. أما المساعدات فتأخذ شكل القروض الميسرة, وهي القروض التي تحكمها قواعد وشروط أيسر من القروض التجارية. وتضيف د. دعاء انه إذا كان من المسلم به تقريبا أن المساعدات الثنائية لا تقدم في أغلب الأحوال علي أسس اقتصادية صرفة, اي مدي الحاجة إليها, أو الارتباط بالأداء الاقتصادي, أو لمواجهة كوارث أو صعوبات طارئة تواجه اقتصاد الدول المستفيدة منها, بدليل أن الدول التي تحصل علي القدر الأكبر من المعونات, مقيسا بنصيب الفرد من هذه المعونات, مثل بعض دول الشرق الأوسط, ليست بالقطع من أفقر الدول, ولا هي بالضرورة من تلك التي التي تتميز بأداء اقتصادي مرتفع. كما أنها تحصل علي المعونات سواء واجهت صعوبات خاصة أو لم تواجه. المساعدات المتعددة الأطراف, أي تلك التي تقدمها المؤسسات المالية الدولية علي أسس تيسيرية, مثل قروض وكالة التنمية الدوليةIDA أو بنوك التنمية العقارية في الأمريكتين وإفريقيا وآسيا, لا تخلو كذلك من الاعتبارات السياسية, فقصة امتناع البنك الدولي عن تمويل مشروع السد العالي في مصر عام1956, بسبب رفض الحكومتين البريطانية والأمريكية هذا التمويل, الامتناع كان عقابا للحكومة المصرية علي سياستها الخارجية المستقلة. فعلي الرغم من أن الهدف من تقديم المنح والمساعدات الأجنبية للدول النامية هو تمكين هذه الدول من مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها, والسعي نحو تحقيق التنمية المستدامة, بالإضافة إلي العوامل الأخلاقية والإنسانية. إلا أن الدول المانحة تهدف أيضا إلي تحقيق العديد من الأهداف السياسية والاقتصادية والإستراتيجية من وراء معوناتها الخارجية, حيث يتم تصميم المعونات الخارجية لزيادة هذه المنافع, بالإضافة إلي زيادة التعاون بين هذه الدول المانحة والمتلقية. وتشير بعض الدراسات إلي أن الدول المانحة تحقق العديد من الفوائد من وراء معوناتها ومساعداتها الخارجية, وهذه الفوائد قد تكون فوائد سياسية أو أمنية أو فوائد استثمارية وتجارية. ويمكن إجمال هذه الأهداف فيما يلي: أ- محاولة التأثير علي السياسات الداخلية والخارجية للدول المتلقية للمنح والمعونات, حيث تدرك حكومات الدول المانحة الدور الخطير الذي تلعبه المعونات لتصبح أداة فعالة في إعادة تشكيل المجتمعات والنظم السياسية في الدول المتلقية. ب- تحقيق الحكم الموسع وضمان إدارة الموارد المختلفة في الدولة بصورة تحقق التوازن في المجتمع. ج- نشر السلام في منطقة ما, والتخفيف من حدة الصراعات بها, مثل المساعدات التي تقدم لكل من إسرائيل وبعض الدول العربية لتخفيف حدة الصراع والعمل والرغبة في تحقيق السلام. د- رغبة بعض الدول المانحة في إقامة علاقات جيدة وصداقة مع الدول التي كانت تخضع لسيطرتها. ه- الحصول علي مكاسب دبلوماسية, مثل كسب تأييد الدول المتلقية للمساعدات في المحافل الدولية. و- دعم الأمن العسكري للدول المانحة. ز- تقوية مركز الحكومات أو النظم المتعرضة لنظام ضغط سياسي الذي يعد بقاؤه مرغوبا فيه من الناحية العسكرية أو السياسية. ح- ضمان احترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية, ومساندة عمليات التحول الديمقراطي في الدول النامية. أما بالنسبة للأهداف الاقتصادية والتجارية فتعددها د. دعاء كالاتي: أ- تعتبر المنح والمعونات الأجنبية الخارجية وسيلة جيدة لدعم النمو الاقتصادي للدول الفقيرة سيؤدي إلي خلق محيط عالمي أكثر اتساقا من ناحية المؤسسات الاقتصادية. ب- سعي الدول المانحة إلي فتح أسواق جديدة لمنتجاتها, والعمل علي توفير فرص عمل لمواطنيها, حيث تشترط بعض الدول المانحة تعيين خبراء تابعين لها للمشروعات التي تقوم بتمويلها, أو شراء الأجهزة والمعدات والمواد الخام اللازمة للمشروع من شركاتها. ج-إعادة تشكيل السياسات الاقتصادية والنظام الاقتصادي ككل في الدول المتلقية للمنح والمساعدات علي النحو الذي يتفق مع رغبات الدول المانحة, لأن المنح والمعونات ستوجه لبرامج ومشروعات معينة وهو ما يسمي بالتبعية الاقصادية للدول المانحة. د- مساعدة الدول المتلقية للمنح والمعونات في حل مشكلاتها المتعلقة بميزان المدفوعات ونقص معدلات الادخار والاستثمار, وعدم توافر العملات الأجنبية. ه- المساهمة في تطوير المرافق والخدمات الأساسية في الدول المتلقية. و- العمل علي توفير الموارد التي تساعد الدول النامية لدفع عجلة الإنتاج والتنمية والنموالاقتصادي. بالاضافة إلي أهداف متعلقة بالجوانب الانسانية والبيئية. ويعد موضوع المنح والمعونات الاقتصادية الأجنبية وتأثيره في اقتصاديات الدول النامية, من أهم القضايا المطروحة في الفكر الاقتصادي والإنمائي ما بين مؤيد ومعارض لها وهو ما يرجع للاهداف المستهدفة من قبل الدول المانحة.