أما وقد وقعت الفأس في الرأس, وبدأت إثيوبيا تحويل مياه النيل الأزرق بدون الرجوع إلي مصر, وتجاوز حجم العمل في سد الألفية سابقا النهضة حاليا أكثر من20% من الأعمال المطلوبة لإنجاز السد, فإنه لم يعد أمام مصر إلا أن تستخدم قواها الخشنة ولا أقول العسكرية. في مثل تلك المواقف التي تهدد حياة المصريين, وخطط التنمية لا يمكن أن نعتمد فقط علي القوي الناعمة, لأن القوي الناعمة لم تمنع محمد دحلان رئيس عصابة المنشقين عن منظمة فتح الفلسطينية من التجرؤ علي مصر العظيمة مقابل حفنة دراهم, واستطاع وعصابته أن يهدد أمن المصريين في سيناء, ويؤجل مشروعات مصر لتنمية أرض الفيروز ويخيف المستثمرين المصريين والأجانب من فكرة تعمير سيناء أرض الخير والسياحة ومهبط الرسالات, ولو أن مصر لوحت باستخدام قواها الخشنة لما استطاع أمثال دحلان أن يغمض لهم جفن, وأن يتوقعوا أن مصر برجالها المتميزين في كل القطاعات يمكن أن تصل أيديهم إلي كل من يهدد أمنها حتي في سرير نومه. وإذا كانت مصر هبة النيل, فإن بعض الأعداء من يهود الفلاشا في إسرائيل ودول أخري ظنت أن اللعب في حصة مصر من المياه معناه أن تنتهي مصر وتضعف قواها, ولكن من المستحيل أن يقف المصريون يشاهدون النظام الإثيوبي وهو يمنع عنهم شريان الحياة دون أن يحركوا ساكنا. لقد نسيت إثيوبيا أو تناست أن دولة الصومال استطاعت أن تهزمها في الحرب الأخيرة بينهما, وكلنا يعرف القوة الصومالية العسكرية البدائية, واستطاعت إريتريا أن تحقق الانفصال ولم تمنعها إثيوبيا, وأنا لا أشير بذلك إلي احتمالات مواجهة عسكرية مع إثيوبيا, لأن في يد مصر من الوسائل الأخري القانونية والدبلوماسية والقوي الخشنة إذا لزم الأمر ما يمكنها من الحفاظ علي حقوقها التاريخية في مياه النيل باعتبارها دولة المصب, وما يحدث في نهر النيل ليس بدعة بين الدول, ولكن في أوروبا أنهار مشتركة كثيرة ولم نر دولة قوية تمنع حقوق دولة أضعف منها لأن ذلك معناه نشوب حروب لا تتوقف. هذا لا يمنع أنه علي مصر أن تستثمر فكرة إنشاء سد النهضة الإثيوبي في تحقيق مصالح مشتركة ومنها مثلا أن مصر هي أفضل وأنسب دولة في العالم يمكنها أن تشارك بخبرائها في بناء السد الإثيوبي وإدارته بما لديها من تطبيقات علمية وعملية في الجامعات وفي تشغيل السد العالي, وإذا كانت إسرائيل تشارك في بناء وإدارة مشروع السد الإثيوبي باعتبارها من أفضل الدول في العالم في التعامل مع ندرة المياه والحفاظ عليها فإن مصر من بين أفضل دول العالم في إدارة سدود المياه وهي الأفضل في إفريقيا والأقرب. ويجب ألا تفوت مصر فرصة الاستفادة من الحصول علي قدر من الكهرباء الرخيصة الناتجة عن السد في حال تنفيذه طبقا لتوصيات اللجنة الثلاثية من الخبراء الدوليين التي وضعت تحفظات يجب الالتزام بها عند تنفيذ السد من حيث الموقع والارتفاع والحفاظ علي حصة المياه بمصر والسودان دولتي المصب للنهر. وأعتقد أنه قد آن الأون لتضع مصر بين أولوياتها البحث عن أراض في السودان وغيرها لزراعتها وإنشاء خطوط بحرية وطرق برية لنقل تلك الزراعات وتحقيق الأمن الغذائي للمصريين. مرة أخري تؤكد أزمة سد النهضة الإثيوبي ضرورة أن يكون لدينا خبراء في إدارة الأزمات وهي علم وموهبة وفن في نفس الوقت, وكان د. أسامة الباز أحد هؤلاء المتميزين في هذا العلم, كما كان د. بطرس غالي أستاذا في إدارة الأزمات الإفريقية, وفي علم إدارة الأزمات يستخدم المفاوض أو من يدير الأزمة كل الوسائل المتاحة ويوظفها من أجل الوصول إلي هدفه سواء كانت قوي ناعمة مثل التلويح باستثمارات مصرية جديدة في إثيوبيا بعد أن تجاوزت الآن نحو مليار ونصف المليار دولار, والبعثات الطبية والتعليمية والارتباط الديني القوي مع الكنيسة المصرية.. أما القوي الخشنة وهي أيضا مطلوبة للتلويح باستخدامها حال فشل الوسائل الأخري وهي المرحلة التي تسبق استخدام القوي العسكرية, ومن بين تلك القوي الخشنة القوي المصرية للدبلوماسية والإساءة إلي الصورة الذهنية لإثيوبيا باعتبارها تعتدي علي حق الحياة للمواطن المصري صاحب الحضارة الأولي في العالم, ولا أقول قطع العلاقات التجارية أو محاولات عزل إثيوبيا عالميا, ولكن تكثيف الجهود القانونية لتوضيح حق مصر الذي نظمته القوانين الدولية ومعاهدة هلسنكي في مجال المياه وغيرها من قوانين التحكيم الدولي التي تعطي لكل دولة حق الحفاظ علي استحقاقاتها من مياه الشرب. لقاء الرئيس.. وغياب الرؤية كشف لقاء الرئيس محمد مرسي مع بعض قيادات الأحزاب السياسية حول سد النهضة الذي أذيع علي الهواء عن ضحالة آراء بعض السياسيين. وأعتقد أن إذاعة هذا الحوار علي الهواء كانت متعمدة حتي لا يخرج بعض المشاركين ليزايدوا أمام الرأي العام بأنهم طالبوا الرئيس بضرورة فعل كذا وكذا.. بينما الحقيقة أن معظم من شاركوا في هذا اللقاء لم تكن لديهم رؤية سياسية واضحة لمواجهة تلك الأزمة الكبيرة, وأن بعضهم كاد أن يضع مصر في مأزق سياسي نتيجة لآرائهم غير المنطقية وكأنها كانت جلسة مسائية لبعض المصريين البسطاء علي مقهي في الشارع. وسواء كان يجب أن يعلم المشاركون في اللقاء بأنه مذاع علي الهواء أم لا فإن الشفافية التي جاءت عمدا أو تقصيرا علي طريقة الشيخ حسني في فيلم الكيت كات, تؤكد ضرورة أن ننسي الخلافات السياسية الآن, وأن نقف يدا واحدة وراء النظام لمواجهة مشكلة مياه النيل, ومشكلة القضاء علي إرهاب دحلان في سيناء, وأن نصطف وراء علم مصر ورئيس مصر, ثم تأتي الانتخابات بمن تأتي, وسيكون علينا أيضا أن نقف وراء الرئيس أيا كانت توجهاته من أجل المصلحة القومية ولإغلاق الثغرات التي ينتهزها المتربصون بمصر لتنفيذ خططهم في ليل, متصورين أن الاختلافات الديمقراطية بعد ثورة يناير سوف تلهينا عن بناء مصر القوية. [email protected]