نظام اقتصادي عالمي جديد في طور التخلق, والخريطة الجيوستراتيجية العالمية تتغير ملامحها, والجغرافيا الاقتصادية للعالم يعاد تشكيلها بصعود قوي واقطاب اقتصادية لها ثقلها ولها دورها في ادارة شئون هذا العالم. فبعد ان كانت الكثافة الاقتصادية, وتركز الانتاج والثروة يقع علي جانبي شمال الاطلسي( امريكا الشمالية وغرب اوروبا), اذا بنصيبهما النسبي في الاقتصاد العالمي يتراجع من65% الي56% قبل نهاية القرن الماضي مع النهوض السريع لدول اتحاد جنوب شرق اسياASEAN, ثم ظهور مجموعة الدول الصاعدةBRICS) البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) التي تتميز بأنها من اكثر الاقتصادات ديناميكية ونموا, تتطور بمعدلات عالية تفوق ما تحققه بعض الدول الصناعية الكبري. ولكي نتبين الثقل الاقتصادي المتزايد لهذه المجموعة دعونا نوجه النظر لبعض من اهم المؤشرات, فهي تشغل اكثر من25% من مساحة الكرة الارضية, ويشكل سكانها ما يربو علي42% من سكان المعمورة, وتستأثر بانتاج نحو27% من الناتج العالمي, وهي تسهم بما يناهز20% في التجارة العالمية, وتحتفظ مصارفها بما يزيد علي40% من احتياطيات الذهب والنقد الاجنبي في العالم. ولعلنا نتساءل عما يربط بينها, وواقع الحال يشي بما بينها من اختلافات في توجهاتها السياسية, وانظمتها الاقتصادية, وتباين واضح في ثقافاتها وطبيعة ومستويات نموها. بالرغم من هذه التباينات الواضحة, فإنها تتفق في سعيها الي تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد اكثر عدالة, يواجه الهيمنة الغربية فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي, وذلك بمراجعة واصلاح نظم المؤسسات المالية الدولية, وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي, والبنك الدولي للانشاء والتعمير, حيث يسمح نظام التصويت فيها بسيطرة الدول الغربية علي قراراتها دون ادني اعتبار للاحتياجات الحقيقية للدول النامية. ونظرا لسرعة نمو دول مجموعة البريكس, وقدرتها العالية علي تجاوز ما يطرأ من ازمات, فحين اندلعت الازمة المالية العالمية في عام2007 التي اطاحت بالنمو الاقتصادي في الدول الكبري تمكنت دول البريكس من المحافظة علي معدلات نموها المرتفعة, الامر الذي جعل بعض الاقتصاديين يرجحون ان تتفوق هذه المجموعة علي الاقتصاد الامريكي في نهاية الربع الاول من القرن الحالي, وان تسبق مجموعة الدول السبع الكبري( الولاياتالمتحدةالامريكية, وكندا, واليابان, والمانيا, وفرنسا, والمملكة المتحدة, وايطاليا) قبل منتصف القرن. يؤيد هذا الرأي ماحققته دول( بريكس) من نمو فاق كثيرا ما تحقق في الولاياتالمتحدة وغرب اوروبا. فالاقتصاد الصيني هو الاسرع نموا خلال العقود الثلاثة الماضية, بمعدل نمو سنوي تخطي10%, مما جعلها اكبر دولة مصدرة في العالم, وبالتالي اصبحت تحظي بالمرتبة الثانية كأكبراقتصاد عالمي بعد الاقتصاد الامريكي مباشرة, بعد ان سبقت اليابان منذ عام2010. وتستأثر البرازيل باكبر اقتصاد في امريكا اللاتينية, ومع اكتشاف المزيد من احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في السواحل البرازيلية, اصبحت البلاد تاسع اكبر منتج للنفط في العالم, وبذلك تمكنت من تحقيق معدلات عالية للنمو متخطية بعض الدول الصناعية الكبري, ليصبح اقتصادها ضمن العشر الاقتصادات الاكبر عالميا. وتستحوذ روسيا الاتحادية علي قدرات تصنيعية وتقنية بارزة في صناعات الفضاء والهندسة النووية والتطبيقات العلمية والهندسية المتقدمة, ويشهد السوق الروسي نموا مطردا, خاصة بعد ان استطاع اقتصادها ان يحقق معدلا للنمو يتراوح بين6% و7% سنويا خلال العقد الماضي. اما الاقتصاد الهندي فيحتل المرتبة الثالثة كاكبر الاقتصادات الاسيوية, يتمتع بمعدلات للنمو تتراوح بين8% و9% سنويا, هذا فضلا عما يمتلكه من موارد مادية وبشرية هائلة. وتحظي جنوب افريقيا بنحو ثلث الناتج المحلي الاجمالي لافريقيا جنوب الصحراء, ناهيك عما تمتلكه من موارد زراعية وتعدينية كبيرة, وصناعات متطورة تكنولوجيا. هذه الموارد الاقتصادية والقدرات الانتاجية الهائلة, وهذا الاداء الاقتصادي المفعم بحيوية الانجاز في خطي متصاعدة يجعل هذه المجموعة تحتل موقعا متقدما ومؤثرا, يؤهلها للاسهام في اعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي, خاصة انها استطاعت خلال بضعة اعوام ان تحقق نتائج ايجابية فائقة, فارتفع حجم التبادل التجاري بينها عام2011 الي230 مليار دولار بزيادة28% مقارنة بالعام السابق2010 ومن المتوقع ان يستمر ارتفاعه ليحقق500 مليار دولار عام2015. وفي قمتها الخامسة التي عقدت في جنوب افريقيا تحت عنوان( البريكس وافريقيا: شراكة من اجل التنمية والتكامل والتصنيع), التي استضافت فيها بعض الدول ومنها مصر, اتخذت خطوات عملية اكثر اتساعا وتأثيرا في مقدمتها: انشاء مجلس لدفع حركة الاستثمار الخاص, وتعزيز العلاقات التجارية, والتعاون في مجالات نقل التكنولوجيا, والتصنيع, والاقتصاد الاخضر وتأسيس بنك لتمويل مشروعاتها. ان جدول اعمال هذه المجموعة يتمثل في التحول مستقبلا الي منظمة دولية مهمة لها دورها في صياغة وادارة شئون عالمها اقتصاديا وسياسيا بما يتفق مع مصالحها. العالم من حولنا ينمو ويتطور ويتكتل, ويعاد تخليقه وتشكيله وتكوينه, فأين نحن- كعالم عربي- من هذا كله ؟!. دعوني اتساءل- آسفا وحزينا- هل نحن غائبون ام مغيبون ؟!.. [email protected]