أبو الغيط: انتظروا روحا جديدة فى أداء الجامعة العربية
مطلوب توافر إرادة سياسية عربية جماعية.. وتغييرات هيكلية فى الأمانة العامة والاستحقاقات المالية
فى اللقاء الذى جمعه مع هانى الملقى رئيس وزراء الأردن بالقاهرة نهاية الشهر الماضى، حرص أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية على تأكيد "ضرورة أن يكون هناك دور نشط للجامعة إزاء الأزمات العربية المختلفة، مع الأخذ فى الاعتبار أهمية الجهد الدولى المبذول والاتصالات التى تجرى بين مختلف الأطراف بشأن هذه الأزمات، وحسب منظوره،فإنه لم يعد من المقبول تنحية دور الجامعة ،حيال الأزمات التى تكابدها بعض دولها، وهو ما يستوجب أن يكون لها دور رئيسى حيالها، وأن تكون فى الآن ذاته شريكا أساسيا فى جهود الحل". ويعكس هذا الطرح قراءة صحيحة لحالة الغياب ليس فى دور الجامعة العربية فحسب، وإنما فى درجة ونوعية فاعليتها فى التعامل مع الأزمات التى نتجت عن ثورات الربيع العربى، التى أفرزت تداعيات سلبية على النظام الإقليمى العربى، ما زالت متواصلة على نحو يكاد يهدد الدولة الوطنية العربية، وإلى حد كبير يهدد الأمن القومى العربى،وذلك على الرغم من أهمية هذه الثورات فى تعديل مسار التاريخ العربى المعاصر. شحنة سياسية لاشك أن الجامعة العربية، باتت فى حاجة إلى شحنة سياسية جديدة، تدفع بها إلى الصدارة وامتلاك المزيد من الفاعلية، لتكون رقما مهما فى المعادلة العربية والإقليمية. وثمة إشارات عديدة، أرسلها أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، منذ توليه منصبه فى مطلع يوليو الماضى فى هذا الاتجاه، بما يوفر لها البيئة الحاضنة التى تمكنها من ممارسة حضورها القوى، فى التعاطى مع الأزمات والقضايا التى تواجه المنطقة، ضمن سياقات جهود المنظمات والأطراف المؤثرة فيها، سعيا لبلورة حلول وتصورات لإنهائها وتجنب تأثيراتها على النظام الإقليمى العربى، غير أن الدورة الأخيرة لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، وهى الدورة السادسة والأربعون بعد المائة، وفرت ما يمكن وصفه بالزخم القوى الذى يشكل مدخلا مهما لتحقيق انطلاقة حقيقية فى أداء ودور الجامعة العربية، على نحو لايقصيها أو يهمش حركتها، وإنما يجعلها متوهجة ومستيقظة دوما وقادرة على الفعل، صحيح أنه لم تتبلورآليات محددة فى هذا الاتجاه، لكن ما أحاط ونتج عن الاجتماعات الأخيرة ينبئ بأن الجامعة مقبلة على تحول نوعى، وإن كان ذلك يستوجب بداية توافر الإرادة السياسية الجماعية للدول العربية بشكل واضح وصريح، حتى يمكن للأمين العام والأمانة العامة،النهوض بالدور المرتقب أو المأمول للمؤسسة التى تجسد النظام الإقليمى العربى بدلا من الاكتفاء بدور المراقب أو المشارك عن بعد دونما تأثير حقيقى. الجرعة الأولى ومع ذلك يمكن القول، إن الجامعة العربية قد حصلت على الجرعة الأولى، على صعيد تفعيل دورها فى إيجاد حلول للأزمات الراهنة فى المنطقة العربية خلال اجتماعات الدورة الأخيرة لمجلسها على مستوى وزراء الخارجية، وذلك وفق تأكيدات خميس جيهناوى وزير خارجة تونس رئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة وأحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية فى لقائهما بالصحفيين، فجيهيناوى يرى أن دفع العمل العربى المشترك فى ظل ما تواجهه المنطقة من وضعية دقيقة للغاية نتيجة الأزمات المتلاحقة فى العديد من بؤر التوتر، يستدعى دورا أكثر فاعلية للجامعة العربية، وحضورا أكثر اتساعا فى المساهمة فى إنهاء هذه النزاعات الحالية، واستعادة الاستقرار والأمن وللبلاد التى تعانى منها، لافتا النظر إلى أنه كان هناك إجماع - خلال الوزارى العربى - على أهمية قيام الجامعة العربية بدور أكثر فاعلية، على صعيد الأزمة السورية حتى يكون الصوت العربى حاضرا وبقوة، إلى جانب الأممالمتحدة لوقف نزيف الدماء والدمار، فى هذا البلد العربى المتواصل منذ أكثر من 5سنوات، والأمر نفسه - كما يضيف - ينطبق على كل من الأزمتين اليمنية والليبية بحيث تضطلع الجامعة العربية، بدور أكثر وضوحا وحيوية فى دعم الحل السياسى فى اليمن،والعودة مجددا إلى مائدة التفاوض بين أطراف أزمتها إلى جانب دعم المجلس الرئاسى فى ليبيا، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين للتوصل إلى حل سياسى، ودعم حكومة التوافق لتتمكن من فرض سيطرتها على جميع أنحاء البلاد، كاشفا فى هذا السياق عن مبادرة لبلاده بتشكيل لجنة وزارية عربية للتوجه إلى ليبيا للبحث مع مختلف الفرقاء فيها حول سبل إنهاء الأزمة وتجنب المزيد من التوتر، وإن لم تشر القرارات التى صدرت عن الاجتماع إلى خطوة محددة فى هذا الشأن. روح جديدة وحسب أبو الغيط، فإن روحا جديدة فى العمل العربى المشترك تجلت فى الاجتماع الأخير، مؤكدا أنه كان هناك إجماع على ضرورة عودة الدور العربى، ليكون أكثر تأثيرا فى حل الأزمات الراهنة وبالذات فى الساحة الليبية والأزمة السورية واليمن، وهى الأزمات الضاغطة على المنطقة، وكشف فى هذا السياق عن الاتفاق على تعيين مبعوث خاص للجامعة العربية إلى ليبيا، والذى سيتم تحديد اسمه قريبا بعد التشاور بين الأطراف العربية المعنية، مرحبا باستضافة الأمانة العربية لأى اجتماع يسعى إلى تحقيق المصالحة بين الأطراف الليبية، نافيا قيام أية دولة عربية بالتحفظ على تعيين هذا المبعوث، وفى السياق ذاته – والكلام لأبو الغيط - فإن الكويت أبلغت الجامعة العربية ترحيبها بمشاركتها فى متابعة المفاوضات بين الأطراف اليمنية عندما تستأنف وذلك بناء على اقتراح تقدم به للقيادة الكويتية فى إطار تعزيز دور الجامعة العربية فى الأزمة اليمنية. إِشارات غير كافية ولكن هل تكفى هذه الإشارات أو الخطوات الأولى؟ بالتأكيد هى غير كافية فالأمر يتطلب إحداث تغيير فى آلية إصدار القرارات وبناء المواقف داخل الأمانة العامة للجامعة العربية، حتى تمتلك أدوات فاعليتها وتتحول إلى منظمة إقليمية تمتلك القدرة على المبادرة بالفعل، وليس مجرد سكرتارية للدول العربية، وهو هدف محورى يسعى إليه بقوة أحمد أبو الغيط، حظى بالأولوية فى اللقاءات التى جمعته مع غير مسئول عربى، فى مقدمتهم الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى خلال الزيارة التى قام بها لبلاده قبيل انعقاد الدورة الأخيرة لمجلس الجامعة بأيام فى سابقة جديدة، وحسبما يؤكد الوزير المفوض محمود عفيفى المتحدث الرسمى باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، فإن كلا من أبو الغيط والسبسى، أكدا محورية دور الجامعة العربية فى المرحلة الراهنة، وأنه لا غنى عنه فى معالجة الأزمات العربية، وأن الجهود والاتصالات الدولية الجارية بشأنها – أى بهذه الأزمات - لا تعنى بأى حال من الأحوال تنحية الدور العربى فى التعامل معها، أخذاً فى الاعتبار أنها - أى الجامعة - تظل هى الإطار المؤسسى العربى الرئيسى المعنى بالتعامل مع القضايا المرتبطة بأمن واستقرار الدور العربى وبمنظومة الأمن القومى العربى ككل. تغييرات هيكلية بيد أن تمكين الجامعة العربية من النهوض بهذا الدور فى حاجة - بإقرار أبو الغيط نفسه - إلى حزمةٍ من التغييرات الهيكلية ومُبادرات التطوير وتجويد الأداء لكى يكون فى مستوى توقعات الحكومات وعلى قدر تطلعات الشعوب، وتعهد على هذا الصعيد فى كلمته أمام وزراء الخارجية باستمرار هذا الجهد نحو التطوير بإخلاص كامل وحماسة لا تفتر، متطلعا فى الوقت نفسه إلى أن تتوفر فى أقرب أجلٍ ممكن الموارد المالية اللازمة للمُضى قُدماً بهذا الجهد إلى غايته المنشودة، وحتى ترى مبادرات التغيير والتطوير النور، ولا تظل حبيسة الأدراج أو مجرد حبر على ورق. والمؤكد أن استعادة فاعلية الجامعة العربية كرقم مهم فى المعادلة الإقليمية، يتطلب ليس فقط مجرد إصدار توجيه لأمينها العام بالتحرك فى هذا الاتجاه، سواء من قبل القادة العرب مثلما حدث فى قمة نواكشوط فى شهر يوليو الماضى أم من قبل وزراء الخارجية، وإنما يتطلب بوضوح تفعيلا للإرادة السياسية العربية على نحو يعكس قناعة حقيقية بدورها، لأنه فى بعض الأحيان وفى بعض المراحل حاولت بعض الأطراف العربية تقليص حركية وفاعلية الجامعة، لأن هذا البعض لا يعجبه وجود كيان مؤسسى يجسد بحق النظام الإقليمى العربى فى المرحلة الراهنة، وهو أمر يستوجب القفز عليه بسرعة حتى لا نفقد كعرب الكيان الوحيد، الذى ما زال يجمعنا ويجسد تضامننا فى حده الأدنى.