أحمد أمين عرفات تلعب الموسيقى التصويرية في الأعمال الدرامية الرمضانية دورا كبيرا، وبرغم جودتها التي لم يختلف عليها الكثيرون هذا العام، فإن هناك اتهامات تحيط بها وفي مقدمتها أن أغلب المسلسلات تصاحبها موسيقى تصويرية لا تعبر عنها، وأن بعضها لا يعبر عن هويتنا المصرية لاعتمادها على تيمات غربية وتركية، علاوة على ما شهدته هذا العام من غياب الكبار، وسطوة الإعلانات على التترات بشكل أفقدها بريقها، في هذا الإطار كان لنا هذا التحقيق: في البداية يقول الموسيقار هاني شنودة صاحب الموسيقى التصويرية للعديد من الأعمال الفنية ومنها المشبوه، شمس الزناتي، عصابة حمادة وتوتو، المولد وغيرها والتي نال جوائز على بعضها: الموسيقى التصويرية أراها متفوقة من حيث الجودة والتوزيع واستخدام الآلات، وهذا يرجع لأن معظم الموسيقيين يستوردون الآلات وأصواتها ويضعونها كما هي، ولكني في نفس الوقت أرى أن هناك انفصالا ما بين ما نراه في الدراما والموسيقى التي تصاحبها، فالموسيقى جميلة ولكنها لا تعبر عن الجو الدرامي ولا تتماشي مع النص، وهذا تفسيره أن هذه الجمل الموسيقية موجودة في الكمبيوترات ويأخذها الموسيقيون كما هي، مع إضافة الناي أو الكولة أوغيرها من آلاتنا، حتى يقنع المشاهدين بأنها مصرية، وليس عيبا استخدام هذه الآلات ولكن لا بد من استعمالها بحرص، فالتوظيف في الدراما الرمضانية هذا العام لم يكن جيدا، بصورة تجعلني أقول إن معظم ما سمعته من الموسيقى التصويرية جميل ونال إعجابي، خصوصا لو لم تصاحب هذه المسلسلات. ويدلل شنودة على ذلك قائلا: معظم الأعمال الدرامية الرمضانية يغلب عليها الشر والجريمة، في حين أن آلاتنا الشرقية أو بمعني أصح المصرية والعربية لا تستطيع تمثيل الشر، وليس في مقدرتها إقناع المشاهد بأن هذا الموقف «شر»، سواء العود أم الناي أم القانون، فكلها آلات تصلح للطيبة والشجن، لذلك يلجأ الموسيقي إلى الآلات الغربية، خصوصا آلات النفخ فيها وكلها موجودة في الكمبيوترات، ولكن يتم توظيفها بعدم خبرة برغم جودة الموسيقيين، فتخرج لنا بهذا الشكل الذي نخلع فيه ثوب مصريتنا وتشعرك بوجود نوع من التشابه بينها وبين غيرها.
الطبال أما تامر كروان والذي يعد أبرز المؤلفين الموسيقيين الذين لمعوا وأصبح اسمه ماركة مسجلة لنجاح الأعمال الدرامية التي يضع موسيقاها فيشارك هذا العام بعملين في الدراما الرمضانية, مثل العام الماضي الذي شارك فيه ب « تحت السيطرة « و « سجن النسا « وعن مشاركته هذا العام يقول: هناك مسلسل»7 أرواح « وهو من النوع الأكشن البوليسي، وقد قمت بتأليف موسيقى تناسب هذا النوع من الأعمال الدرامية، حيث تلعب دورها في التأثير النفسي على المشاهد وتضعه في موقف المترقب لما سيحدث، وبشكل يختلف تماما عما قدمته من قبل في مسلسلي «سجن النساء» و«ذات»، حيث كان التركيز على منح الإحساس بالشجن وبمشاعر الأبطال، وإن كنت قد جمعت بين الاثنين من قبل في مسلسل «تحت السيطرة» فبجانب موسيقى «السسبنس» كان هناك الموسيقى التي تعتمد على العامل النفسي والتأثير على المشاهد بما تحمله من شجن .وعادة ما يلجأ الموسيقي في نوعية أعمال الأكشن والإثارة إلى الموسيقى الشبيهة بالأمريكاني، لكني حاولت أن يكون التأثير الغربي بروح مصرية، حيث أدخلت فيها آلات شرقية، وإن كنت لا أنكر أن هناك بعض الموسيقيين يستسهلون ربما لعدم وجود خبرة كافية أو ضغوط إنتاجية أو لضيق الوقت، فيلجأون إلى التيمة الأمريكية، التي برغم قوة تأثيرها، وما يبذلونه من جهد كبير، لكنها في النهاية لا تعبر عنا. وعن تجربته مع مسلسل «الطبال» يقول كروان: العمل يدور في إطار شعبي، ولكنه لا يخلو من السسبنس والأكشن، ولذلك حاولت أن أجعل الموسيقى والكمنجات والأوركسترا يغلب عليها الطابع الشعبي، حيث استخدمت الطبلة والرق بكثرة،حتى مشاهد الأكشن لعبت الطبلة فيها دورا رئيسيا، كما استخدمت العود والتشيلو لإعطاء إحساس الشجن في مناطق عديدة. وحول رؤيته للموسيقى التصويرية بالدراما الرمضانية قال: حاليا ومنذ 30 عاما أصبحت الموسيقى التصويرية جزءا لا يتجزأ من صناعة العمل الفني بعيدا عن أفلام المقاولات، الموسيقى التصويرية أراها تشهد تطورا مستمرا، وهناك كثيرون يدخلون المجال وهذا شيء صحي. وعن مشكلة التتر هذا العام أشار بأنه عالميا لا يستغرق التتر لأي مسلسل 30 ثانية، لكننا في مصر نجد أنفسنا مطالبين بتتر مدته 4 دقائق لنفاجأ بحذفه عند عرض العمل بسبب الإعلانات، وبرغم أن هذا شىء محبط لأي موسيقي، لكنه إحباط لا يستمر لأنه مرهون فقط بالعرض الأول الرمضاني بسبب ضغط الإعلانات، لكن عند إعادة بيعه يتم عرض التتر كاملا، مؤكدا بأنه لا يرحب بالتتر المغني في الأعمال التي تعتمد على الجو البوليسي والإثارة كما حدث هذا العام، لأنه لا يخدم الهدف وطبيعة هذه النوعية من الأعمال. وعما ردده البعض بوجود تيمات تركية تتخلل الأعمال الدرامية، أشار قائلا: هذا كلام فارغ، فكل الموسيقيين الذين تعرض أعمالهم حاليا لا أحد أدخل تيمات تركية، لأن الأتراك يلعبون طول الوقت على تيمتين أو ثلاث، تتكرر طوال ال 180 حلقة، وبالآلات الخاصة بهم، فلم أسمع كلارينت أو بزقاً تركياً في أعمالنا، كما أن الاتراك يعتمدون على موسيقى «السوب أوبرا» مثل»ذا بولد أند بيوتوفل»، كما نختلف عنهم نحن بأننا نتعامل مع المسلسلات وكأنها أفلام، يتم الإنفاق عليها بشكل كبير، ويتم تسجيلها في مصر وخارجها بالأوركسترا.
طا طا طم من جانبه يرى الملحن حلمي بكر الذي خاض تجربة وضع الموسيقى التصويرية لعدد من الأعمال الفنية بأنه لا توجد سوى ثلاثة أعمال صاحبتها موسيقى تصويرية جيدة، تشعرك بأن وراءها موسيقيين مدركين لعملهم بما قدموه من توزيعات وجمل موسيقية معبرة عما بداخل العمل من أحداث، وهي «مأمون وشركاه و«هي ودافنشي» و«الأسطورة», أما باقي الأعمال فقد صاحبتها موسيقي أقل ما يقال عنها بأنها «عشوائية»، تصلح لأي شيء آخر مثل افتتاح مطعم، بعيدا عن استخداما كموسيقى تصويرية لمسلسل، لأنها بحتة وليست درامية، أي لا علاقة لها بالدراما التي وضعت من أجلها حيث لا تعبر عن المشهد الذي يراه المتلقى، ولم نجد جملها الموسيقية تحل محل الحوار لتضيف الناحية التأثيرية على المشاهدين، بل اعتمدت أغلبها على طريقة «طا طا طم» أى على طريقة «خوفني»، وذلك لأن من يتولى هذه الأعمال لا علاقة لهم بالموسيقى، فالموسيقى التصويرية هي التي تكتب على ورق وبرتاتورة وتوزيع، وإن لم يؤلفها من يكتبها لا يكون صاحبها ولا تعبر عن العمل. ويستنكر بكر استفحال ظاهرة الإعلانات التي حالت دون إعطاء الفرصة للحكم على التترات أو حتى الشعور به، مؤكدا أن ذلك سيجعل المشاهدين بمجرد رؤية الإعلانات ينصرفون عن المسلسل ولا يشاهدوه، خصوصا أن التتر هو يافطة العمل ويعبر عما بداخل الدراما ويلم بكل الأحداث حتى الحلقة الأخيرة. وحول غياب الكبار، يشير قائلا: بأن ذلك أفضل لأنهم لو دخلوا في وسط «العيال» سوف «يتبهدلوا» وينالهم ما لا تحمد عقباه، لأن الزحمة عدو الرحمة، والكبار لن يقبلوا أسلوب التعامل الذي يحدث مع الصغار، لأنهم يحترمون أنفسهم حتى لو ماتوا جوعا، أما الصغير فيرضي بأي أموال، المهم أن يتم تصويره بجانب العمل.
هي ودافنشي المؤلف الموسيقى د. راجح داود الأستاذ بالمعهد العالي للموسيقى والذي يعد من أهم واضعي الموسيقى التصويرية للعديد من الأعمال الفنية، يشارك في الدراما الرمضانية هذا العام بعمل «هي ودافنشي» وعن تجربته معه يقول: العمل الثري بأحداثه يحفز المؤلف الموسيقي على تقديم موسيقى تصويرية على مستوى هذه الأحداث، وهذا ما حدث معي بالنسبة لمسلسل «هي ودافنشي» فهو عمل درامي ملي بالأحداث الاجتماعية المختلفة، ويتعرض لقضايا الفساد بشكل عام والمشاعر الإنسانية المتناقضة بين الشخصيات، وبرغم أنه ينتمى للكوميديا السوداء لكن خفيف الظل بما يحويه من مواقف عديدة تجعلك تبتسم، بجانب مشاهد الأكشن والإثارة علاوة على الأداء الجيد من صناع العمل وممثليه، وخصوصا النص المكتوب بعناية شديدة من قبل محمد الحناوي، بجانب الإخراج المتميز من عبد العزيز حشاد، لذلك وجدت نفسي أعيش حالة من التنوع الدرامي الذي جعل أفكاري الموسيقية كثيرة ومتنوعة. وعن الآلات التي أستخدمها لخدمة أفكاره أشار قائلا : اعتمدت على الأوركسترا في هذا العمل، لما لها من قدرة على إعطاء الموسيقى التصويرية أبعادا جديدة وعمقا يخدم العمل الدرامي بشكل كبير، وخصوصا أنني لجأت إلى الناى والقانون وهما من الآلات الشرقية، مما زاد من صدق العمل الفني، حتى عند الاستعانة بالآلة ليست شرقية، فإن طريقة العزف تلعب دورها في تحقيق الهدف، فمثلا استخدمت آله التشيلو وهي آله أوركسترارية، لكن طريقة عزف يحيي المهدي عليها أعطت نوعا من الإضافة والثراء. وبذكر ما قاله عن استخدامه آلات ليست شرقية في عمله، وما يقال عن أن الاستعانة بمثل هذه الآلات يبعدنا عن الهوية المصرية قال: استخدام آلات من ثقافة مختلفة ليس بجديد بل هو موجود منذ سنوات طويلة، وليس قاصرا علينا فحسب، فالمؤلفون الروس مثلا استخدموا الآلات الشعبية مثل البلالايكا في الأعمال السيمفونية الخاصة بهم، وكذلك فعل الأتراك والاذربيجان، عندما استخدموا آلات النفخ الشعبية في أوركسترات عالمية، حتى في الغرب هناك مؤلفون قاموا بعمل كونشرتو للناي، وبالتالي فلا مانع من أن تستفيد من الآخر وأن يستفيد الآخر من ثقافتنا، والفيصل هو طريقة استخدام وتوظيف هذه الآلات دراميا، فرغم أن لدينا آلات موسيقية قوية ومثرية، والاستعانة بها يمنح العمق الصدق لأنها تتوافق مع شخصيتنا وثقافتنا، فإن مع تقارب الشعوب أصبح البيانو مثلا وهو آله أوروبية لا يخلو منه عمل درامي مصري. وينفي داود ما يقال بوجود تيمات تركية على بعض الأعمال المصرية قائلا: برغم أن الأتراك احتلونا نحو 400 سنة، وتأثر كل منا بالآخر وروافد موسيقاهم تقريبا نفس روافدنا، كما أن معظم الآلات الشرقية هي نفسها مع بعض الاختلافات، سواء في تركيا أم سوريا أم العراق أم مصر لكن لكل بلد خصوصيته ولم يلجأ موسيقى مصري إلى التيمات التركية في عمله، لأن موسيقانا غنية. وعما يردده البعض من أن الموسيقى في بعض المسلسلات لم تكن معبرة عن مضمونها، أشار بأنه يتفق مع ذلك وأنه بشكل عام هناك أعمال جيدة وأخرى متوسطة وهناك أيضا أعمال مسطحة «تحصيل حاصل».