نستكمل في هذا العدد الحديث عن تترات المسلسلات الرمضانية، لكن في هذه المرة نلقي الضوء علي بعض تترات المسلسلات الموسيقية فقط، وأهم نجومها من المؤلفين الموسيقيين، محاولين الوصول الي دلالات أعمالهم الموسيقية وعلاقتها بمضمون دراما المسلسلات التي ألفت لها . وبالرغم من أن التعبير عن الحالات الانفعالية المختلفة من خلال الموسيقي فقط أصعب منها في التترات الغنائية، ذلك لأن الكلمة توفر علي الملحن جهد البحث عن أفكار موسيقية لإبراز الصراع الدرامي في العمل، إلا أن معظم القنوات الفضائية تتجاهل عرض أو استكمال تترات نهاية المسلسلات لاستثمار وقت هذه التترات في عرض الإعلانات، مما يجعل جهد مؤلفيها مهدرا. وفي السطور التالية سوف نستعرض أهم تترات المسلسلات الموسيقية لرمضان 1433، الذي يعتبر أول رمضان في الجمهورية الثانية من تاريخ مصر، محاولين تفسير غوامض موسيقي هذه التترات لكي يتمكن المتلقي من مشاهدة الموسيقي كما يشاهد العمل الدرامي، وهذا أول سر وراء نجاح مؤلف موسيقي دون الآخر. تترات مسلسلات التاريخ لاشك أن التاريخ به الكثير من الأحداث التي تجذب كتاب ومؤلفي الدراما، وقد شهد رمضان عام 2012 مجموعة من دراما التليفزيون التي اعتمدت علي وقائع وأحداث من التاريخ، كان أهمها مسلسل "نابليون والمحروسة" تأليف عزة شلبي، وإخراج شوقي الماجري، وهو واحد من أفضل مسلسلات هذا الرمضان. وضع موسيقاه التصويرية وتتريه المؤلف الموسيقي السوري رعد خلف. لحن تتر البداية انقسم الي ست أفكار موسيقية قصيرة حاول المؤلف الموسيقي من خلالها التعبير عن الشرائح المجتمعية المختلفة في مصر إبان القرن الثامن عشر والأحداث التي تدور فيها أحداث المسلسل، بدأت الفكرة الأولي بتآلفات نغمية من مجموعة آلات براس سكشن (بعض آلات النفخ النحاسي وهي الترمبون والترومبيت) فأعطت قوة لدخول التتر، تبعها دخول كورس الرجال بالمقطع "يسبق كلامنا سلامنا/ يطوف ع السامعين معنا - الي آخره بطريقة الإلقاء المنغم (رسيتاتيف) في الموسيقي، وعلي طريقة الراوي في المسرح. الفكرة الثانية تبدأ بدخول غناء أغنية "مصر يامه يابهية " كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم ولحن الشيخ إمام الذي وضعه في نغمات مقام حجاز بمصاحبة إيقاع المصمودي المصري. الفكرة الثالثة اعتمدت علي المؤثرات الصوتية بغرض إبراز حالة الحرب والقتال في المحروسة، بدأت بعزف من آلة نفخ نحاسي وكأنه نداء للحرب لتدخل بعدها المؤثرات الصوتية لطلقات النيران وعويل النساء والصراخ بمصاحبة خلفية موسيقية من آلات مجموعة الكمان وآلات النفخ وبعض آلات الإيقاع التي أبرزت أجواء التوتر. الفكرة الرابعة تعبر عن أجواء الدروشة التي كانت تسيطر علي شريحة كبيرة من سكان المحروسة، تبدأ مع دخول إيقاع الأيوب (معروف بإيقاع الزار) وصوت كورس الرجال بالمقطع "الله حي"، وارتجالات آلة المزمار في نغمات مقام هزام. الفكرة الخامسة تبدأ مع دخول آلة الربابة في العزف، بمصاحبة ضغوطات إيقاعية عبرت عن حالة من الحزن والشجن. الفكرة السادسة والأخيرة يعود فيها لحن أغنية "مصر يامه يابهية" من آلات النفخ النحاسي ومجموعة الكمان بزمن بطيء، وتنتهي هذه الفكرة بالمقطع الغنائي "اللي بني مصر/ في الأصل حلواني" الذي يختتم بقفلة مستقرة في مقام حجاز. تتر النهاية جاء غاية في الرقي والشجن حيث بدأ بدخول مجموعة آلات النفخ النحاسي بتآلفات نغمية أعطت الانطباع السمعي بالقوة، ثم تبعها فكرتان لحنيتان الأولي عزفتها آلة الدودوك الأرمينية الأصل، وهي آلة نفخ خشبي، أما الفكرة الثانية عزفتها آلة التشيللو، وكلتا الآلتين يتسم صوت نغماتها بالعمق والشجن، ويبدو أن رعد خلف اراد أن يعبر عن شجن مصر عبر تاريخها المليء بالحروب والمقاومات. وتعتبر الموسيقي التصويرية لمسلسل نابليون والمحروسة وتتريه من أفضل نماذج الموسيقي الدرامية في هذا العام. المسلسل التاريخي الثاني الذي لفت نظر النقاد والجماهير هو مسلسل "عُمر" تأليف وليد يوسف، إخراج حاتم علي، وفي إختراق تركي للدراما العربية يضع موسيقي تتري المسلسل الموسيقي "فهير أتاكوغلو" الذي وضع لحن تتر البداية في نغمات مقام نهاوند، تكون اللحن من فكرتين موسيقيتين الأولي تبدأ مع بداية اللحن بعزف نقرات إيقاع مُرَكَب من الإيقاعات التركية ذي اثنتي عشرة نقرة ثلاثية التقسيم، وأعطي لحنها أجواءً نفسية بالهدوء نتيجة النغمات الممتدة نسبيا، الفكرة الثانية تبدأ مع ظهور تقاسيم آلة الناي، ويعود اللحن ليختتم بلحن الفكرة اللحنية الأولي، أي أن لحن تتر البداية جاء في صيغة ثنائية معتمدا في تنفيذه علي آلات مجموعة الكمان، الدودوك والمعروفة في تركيا باسم (البلابان). تتر النهاية اعتمد علي ثلاث أفكار، الأولي تبدأ مع بداية اللحن وأيضا بدأت بعزف نقرات إيقاع من الإيقاعات الشعبية في مصر وربما في تركيا وهو(البمب) وتنويع عليه ذي الميزان الثنائي البسيط. الفكرة الموسيقية الثانية اعتمدت علي الإيقاع وهو تنويع علي المقسوم ذي الميزان الرباعي الذي يصاحب مقطع "الله حي" حتي تنتهي بكلمة "ياالله". الفكرة الثالثة يعود فيها إلي نغمات مقام نهاوند التي أعطي لحنها الانطباع السمعي بالتوتر نتيجة تلاحق وسرعة النغمات . الملاحظ أن أتاكوغلو يعتمد في موسيقاه علي تأليف خطين لحنيين لمجموعة الكمان وإعطاء الإيقاعات دورا كبيرا. من سجلات التاريخ وليست تاريخية هناك مجموعة أخري من دراما مسلسلات هذا العام أخذت أحداثها من سجلات وشخصيات التاريخ لكن لا يمكن اعتبارها مسلسلا تاريخيا إذ يتدخل فيها تصرف الكاتب بالإضافة أو الحذف في الشخصيات والأحداث، ومن هذه مسلسل "الخواجة عبد القادر" لمؤلفه عبد الرحيم كمال، أخذت قصته من أحداث تاريخية لشخصية الخواجة عبد القادر الألماني الذي كان يعمل مهندسا في صعيد مصر إبان فترة الحرب العالمية الثانية. أما الإخراج فكان لنجل بطل المسلسل وهو شادي الفخراني الذي يثبت في هذه المرة أنه مخرج له خصوصية. موسيقي تتري المسلسل وضعها المؤلف الموسيقي الكبير عُمر خيرت، تتر البداية جاء في نغمات مقام كرد وانقسم الي أربع أفكار، الأولي تبدأ مع بداية اللحن وجاء لحنها مسترسلا دون إيقاع، الفكرة الثانية بدأت بتيمة موسيقية جديدة عزفتها مجموعة آلات التشيللو التي تلحق بها مجموعات آلات الأوركسترا الأخري، الفكرة الثالثة التي تبدأ بعد انتهاء عزف القانون بدا فيها التصارع بين خطين لحنيين من مجموعة آلات الكمان أحدهما يوحي بالتوتر نتيجة لنغمات خط الكمان الثاني المتقطعة، والآخر يوحي بالهدوء والسكينة نتيجة لنغماته الممتدة طويلة الزمن. الفكرة الرابعة تبدأ مع دخول تنويع علي إيقاع المصمودي المصري ذي النقرات الثماني لمصاحبة تيمة لحنية جديدة أكثر شرقية من التيمات التي ظهرت مسبقا، يختتم لحن التتر بقفلة مستقرة. استخدم عُمر خيرت آلات الأوركسترا السيمفوني بأكملها بما فيها آلة الهارب، ولكن الملاحظ سمعيا أن بعض الأجزاء اللحنية في تترالمسلسل ظهرت في ألحان أعمال سابقة لعمر خيرت، منها جزء قصيرمن لحن تتر البداية لفوازير"جيران الهنا" التي قدمها التليفزيون المصري عام 2000 من بطولة الفنانة المعتزلة نادين ووائل نور، وغيرها من الأعمال الدرامية التي أعجز الآن عن ذكر أسمائها. المسلسل الرابع المأخوذ من سجلات التاريخ هو "الصفعة" المأخوذ من ملفات المخابرات المصرية، قصة اللواء عادل شاهين، سيناريو وحوار أحمد عبد الفتاح، إخراج مجدي أبو عميرة. الموسيقي التصويرية وألحان التترات وضعها راجح داوود، تتره وتتر النهاية جاء لحنهما في نغمات مقام كرد ويتكون من ثلاث أفكار لحنية تتصارع، الفكرة الأولي بدأت بعزف مجموعة الكمان أرضية نغمية مكونة من نغمة واحدة ممتدة، يصاحبها لحن آخر في الصدارة يعزفه آلة البيانو نغمات بعضها خارج سياق نغمات المقام الأساسي للحن التتر، تصاحب هذه النغمات أصوات متعددة لمجموعة من الآلات الإيقاعية خفيفة النقرات، تنتهي هذه الفكرة بقفلة غير مستقرة، وقد أعطت هذه الفكرة انطباعا سمعيا بالريبة والتوتر. الفكرة الثانية تبدأ بدخول إيقاع غربي ذي ميزان ثنائي مع عزف لآلات القانون والناي، تتحاور هاتان الفكرتان الي أن تظهر الفكرة الثالثة التي تصعد فيها نغمات اللحن، ثم تدخل تيمة لحنية جديدة نغماتها قصيرة عزفتها مجموعة الكمان بمصاحبة خط لحني تعزفه بعض آلات النفخ النحاسي والخشبي تنتهي بقفلة غير مستقرة، يظهر بعد ذلك لحن الفكرة الثانية مرة أخري، ومنها الي لحن الفكرة الأولي حيث ينتهي اللحن من حيث بدأ وينتهي بقفلة مستقرة علي نغمة أساس المقام الرئيسي. ويلاحظ أن داوود أضفي روحا من التوتر والريبة علي لحني الفكرة الأولي والثالثة، أما الفكرة الثانية فكانت هادئة النغمات نسبيا لها طابع شرقي فرضتها الآلات الموسيقية الشرقية، وهذا التباين بين الأفكار اللحنية جاء بغرض إبراز الشخصيتين الرئيسيتين إحداهما إسرائيلية والأخري مصرية، أما الفكرة الثالثة فغالبا ما كانت تجسد الصراع بين كليهما وأعطي هذا الانطباع ظهور آلات النفخ النحاسي في لحنها. إلي جانب التترات السابقة كان لجيل الشباب من المؤلفين الموسيقيين تواجد بجانب هؤلاء العمالقة أبرزهم كان عمرو إسماعيل الذي وضع تتري مسلسل «رقم مجهول» وقام بتوزيعهما موسيقيا، تأليف عمرو سمير عاطف، وإخراج أحمد جلال. تتر البداية اعتمد فيه علي نغمات مقام نهاوند، ومؤثر صوتي لذبذبات التليفون المحمول، الي جانب صوت نسائي قام بغناء بعض الآهات في مناطق مختلفة من لحن التتر، اللحن انقسم الي عدة أفكار بسيطة تنوعت بين النغمات الطويلة والقصيرة المتوترة، علي خلفية من لحن ثابت. أما تتر النهاية فكان عبارة عن استكمال للحن تتر البداية وأضيف إليه لحن لمجموعة الكمان. ومما سبق نجد التالي: - أن جميع الملحنين استخدموا مقامات حيادية خالية من نغمات ثلاثة أرباع التون التي تميز الموسيقي الشرقية. - جميعهم وضعوا ألحانهم في مقام واحد من البداية الي النهاية، باستثناء رعد خلف الذي نوّع في المقامات التي استخدمها في تتر بداية مسلسل نابليون والمحروسة. - استخدم بعضهم إيقاعات وتيمات الموروث الشعبي، مثل إيقاع الزار في تتر بداية نابليون والمحروسة، إيقاع البمب أو الفلاحي وتيمة (الله حي) في تتر مسلسل عمر.