الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    «واشنطن».. البنتاجون يقيل رئيس وكالة استخبارات الدفاع    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    ملف يلا كورة.. خطة انتخابات الأهلي.. رسائل الزمالك.. واعتماد لجنة الحكام    طائرات الإحتلال تستهدف المنازل في حي الزيتون بقطاع غزة    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    مصرع طالب صعقًا بالكهرباء أثناء توصيله ميكروفون مسجد بقنا    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    رحيل الفنانة المعتزلة سهير مجدي.. فيفي عبده تنعي صديقتها وذكريات الفن تعود للواجهة    حنان سليمان: كفاية دموع.. نفسي في الكوميدي| حوار    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    «عايز أشكره».. آسر ياسين يصعد على المسرح خلال حفل ويجز بمهرجان العلمين.. ما القصة؟    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    في مباراته ال 185.. إصابة حكم باريس سان جيرمان وأنجيه    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    العملاق مدحت صالح يبدأ حفله بمهرجان القلعة بأغنية "زى ما هى حبها"    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخلوع ب «الأزرق»!
نشر في الأهرام العربي يوم 11 - 06 - 2012

كما أن البشر أرزاق وحظوظ، فالسجون أيضاً، ولا عجب فى ذلك، فلا يتساوى سجن العقرب شديد الحراسة برغم شراسته وسوء معاملة النزلاء به من حرمان للزيارة لمدة طويلة وعدم الخروج من باب الزنازين المكدسة مع «القطا» الشهير بمقبرة الأرواح، والذى تم تصميمه بلا فتحات تهوية وحوائطه وأرضيته وأسقفه من الخرسانة المسلحة، بحيث يكون زمهريراً شتاءً ونار جهنم صيفاً، ويتناوب فيه السجناء النوم والوقوف لضيق المكان.
لا يتساوى هذا ولا ذاك مع «مزرعة طرة» الذى يبدو بجوارهما كالبنت الدلوعة وهو بالفعل كذلك ف «البنت الدلوعة» أحد أسماء السجن بل وصلت درجة الغيظ مداها عند نزلاء الثمانية والثلاثين سجناً فى مصر فأطلقوا عليه اسماً جديد هو «سجن الغوازى»، وزاد عدد السجون في عهد اللواء حسن الألفى، وزير الداخلية الأسبق عشرة بدأها ب «القطا» الذى فصّله على هواه تقرباً للرئيس المخلوع، ولذلك قصة صراع مع اللواء الوزير النزيل حبيب العادلى، حيث شرع الثانى فى بناء سجن بالفيوم اسمه «دمو» يتقرب به إلى الرئيس المخلوع معلناً نموذجيته عما بدأه الألفى، والنموذجية هنا ليس بمعناها الجيد وإنما شدة الإحكام والإذلال للمعتقلين من التيارات الدينية، ماعدا الإخوان، فإن سجنهم لا يتم إلا فى مزرعة طرة ، العنبر رقم «2» الشهير بعنبر الإخوان وهو عبارة عن ست زنازين ، تسع الواحدة حسب الإيراد أكثر من 200 نزيل.
ومن طرائفه، أن تغير اسمه الآن إلى عنبر «الحكومة» حيث يحتله الآن وزراء الحكم السابق، وذلك لنظافته التى كان الإخوان يتعهدونه بها من سيراميك وسخانات وأرضيات ومراوح وغيره. كما اشتهرت درجة معاملة النزلاء به بأنها «خمسة نجوم» ليس جميعهم بطبيعة الحال سواسية فى هذه «الخمسة» تنقص وتزيد حسب أهمية الشخص وعظم ثروته دعك من مسألة الحلال والحرام فى جمعها وقد وصل الاستثناء مداه، ربما سبعة نجوم مع الجاسوس عزام عزام، فحسب التقارير الحقوقية لجمعية مساعدة السجناء، وشهود العيان عند دخول الجاسوس الصهيونى خصصت له إدارة السجن مكتب ضابط العنبر ليتخذها زنزانة، تحتوى على مكتب وبانيو ومراوح وكان يتمتع بمزايا لا تتوافر للضباط، وعندما كان يخرج لتمارينه الصباحية كعادته اليومية، تتكهرب الحياة وتغلق الزنازين على أصحابها حتى ينتهى، وكانت سيارة خاصة من السفارة الإسرائيلية تأتى له بالطعام الساخن كل صباح حتى وصل به الفجور بطلب مرتبة ريش نعام وراديو متعدد الموجات، ولكن إدارة السجن رفضت وسمحت له براديو موجة واحدة حتى لا يتمكن من استخدامه فى إرسال شفرات أو استقبالها. وعلى سجن مزرعة طرة أن يستعد لحادث متفرد وهو الدخول لموسوعة «جينيس» العالمية للأرقام القياسية، ليس لأنه يلتقى أشهر نزلائه الآن، وهو الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى نفس الشهر ونفس عام مولده، فحين صعدت فى هواء كفر مصيلحة قبل 83 عاماً أول صرخة حياة للطفل محمد حسنى السيد مبارك، فى مايو 1928، كان النحاس باشا وزير داخلية الوفد وقتذاك قد انتهى من بناء سجن المزرعة، واستقبلت الزنازين أول السجناء. ليلتقى المولودان بعد كل هذا العمر منذ عدة أيام فقط وتحديداً فى الثانى من يونيو الحالى.
ومن الطريف كان من نزلاء المزرعة فؤاد باشا سراج الدين، وزير داخلية الوفد للمملكة المصرية. أحقية الدخول لموسوعة «جينيس» لا تقف عند تميز جدران زنازين المزرعة وتفردها باحتواء وحبس أنفاس رؤساء الحكومات والوزراء والوجهاء واللصوص الكبار بل والثوار الأحرار والجواسيس وضباط الشرطة والسياسيين والقضاة المحكوم عليهم فى قضايا فساد، والصحفيين فى قضايا الرأى، أيضاً ليس لأنه فقط السجن الوحيد الذى يحمل العديد من الأسماء إلى جوار اسمه الرسمى «مزرعة ليمان طرة» وبالمناسبة «ليمان» بكسر اللام، كلمة تركية بمعنى السجن الكبير، أما الصغير فكان يسمى «أوردى»، فقديماً كان يسمى السجن السياسى وحديثاً بورتو طرة وطرة لاند ومنتجع طرة مروراً كما قلنا بالبنت الدلوعة والغوازى.
ومن طريف ما شهدته زنازين المزرعة وتحديداً فى عام 1998، أن لحق القاضى الذى أصدر الحكم بحبس مجدى أحمد حسين، رئيس تحرير جريدة «الشعب» التى أغلقها النظام البائد إرضاءً للنزيل يوسف والى، وزير الزراعة الأسبق، لنقده بسبب السماح باستيراد المبيدات المسرطنة، وحاول هذا القاضى الذى سجن فى قضية رشوة وخراب ذمة التودد لمجدى حسين وإفهامه بأنها كانت أوامر عليا لا يستطيع رفضها. وتتعدد مؤهلات سجن المزرعة التى تدفع به إلى موسوعة «جينيس» العالمية لتفرده بين السجون أن به عدة ملاعب رياضية (ملعب كرة قدم، وطائرة، وسلة، وتنس طاولة، وترابيزة بينج بونج كان موقعها أمام زنانة المناضل الشهيد محمود نورالدين، زعيم تنظيم ثورة مصر والتى سكنها جمال وعلاء فيما بعد) وشهد عام 1998، أيضاً دورة كرة تنس باسم مجدى حسين، ولكن أفرج عنه وعن كاتب هذه السطور قبل أن تنتهى الدورة وتحديداً فى أول يوليو من نفس العام.
طائرتان ورئيس
أما الميزة التى شاهدها العالم أجمع على شاشات التلفزة والصحف والمجلات هى، أن بعض نزلائه لم يدخل من الباب الرسمى مثل بقية خلق الله، ولكنه هبط من سماء الزنازين بطائرة خاصة لم يدفع تكلفتها ليس الكلام عن الرئيس المخلوع مبارك فحسب، وإنما عن وزير داخليته وولديه جمال وعلاء فقد هبطت صباح الثانى من يونيو طائرة هليوكوبتر أرض سجن المزرعة، واستقلتهم إلى مقر المحاكمة بأكاديمية الشرطة وعادت بهم مرة أخرى ، محملين بالمؤبد للوزير والبراءة للأخوين التى أغضبت طوب الأرض وانفجرت على إثرها مظاهرات الغضب والتنديد بمن أضاع أدلة الاتهام وفرغ القضية لتصبح الستين ألف ورقة بلا معنى وكأن الهليوكوبتر كانت بروفة وتجربة لطائرة مبارك (الإسعاف الطائر) التى غيرت اتجاهها من المستشفى العالمى إلى مستشفى مزرعة طرة، لتنفيذ حكم المؤبد، وقد هبطت الطائرة فى ملعب كرة القدم الذى رآه كل من شاهد فيلم «طيور الظلام» بطولة عادل إمام ورياض الخولى. أما أكثر السجون المصرية مشاهدة فى الأفلام فهو «سجن الاستئناف» الذى يقع وسط العاصمة القاهرة فى منطقة باب الخلق، خلف مديرية الأمن، وهو الشهير بالسلالم الحديدية ذات الطوابق الأربعة، وهناك تفكير بتحويله إلى متحف يدخله من يشاء، ولكن بتذكرة مدفوعة الثمن دون اقتراف جريمة، كما الحال فى سجن القلعة الآن، ويلاحظ أهالى المنطقة ارتفاع الراية السوداء فوقه بين الحين والآخر، وذلك دلالة على تنفيذ حكم إعدام فى ذلك اليوم.
وإذا كان «العقرب» شديد الحراسة و«القطا» و«الوادى الجديد» وغيرها تتحول فى كثير من الأوقات إلى سجون مغلقة، يعنى لا يسمح فيها بالزيارة، فإن المزرعة يختلف تماماً، فالزيارة مسموح بها دائماً حسب اللائحة، وبإمكان أهل السجن إدخال الطعام إليه يومياً دون زيارة ويسمى ذلك النظام «الطبلية». ومن طرائف «الطبلية» أن تعهدت أمانة المرأة فى حزب العمل بإرسال ما لذ وطاب للصحفيين السجناء من جريدة «الشعب» رئيس التحرير مجدى حسين وأنا وكنت وقتها رئيس قسم المحافظات، وذلك من خلال سيارة المرحوم المهندس إبراهيم شكرى، رئيس الحزب، فكان مأمور السجن يجبر السائق على أن يفتح الطعام ويأكل من كل صنف وبعد أن يطمئن أنه سليم لا خديعة فيه مثل دس السم مثلاً يأمر بإرساله إلى الزنزانة، أو على الأحرى المستشفى، فقد كان مقرنا هو مستشفى السجن الذى كان فيه علية القوم من «لصوص الوطن» تلك التى يقطنها الآن الرئيس المخلوع بعد عناد ورفض استمرا أكثر من ساعتين، رافضاً النزول بعد أن علم أنه مستشفى السجن وليس المركز العالمى، وأكد مصدر أمنى أن دمعات انحدرت من عينيه وهو يتشبث بحديد السرير الراقد فوقه بالطائرة، واضطربت نبضات قلبه، وأخيراً استسلم للأمر الواقع ودخل الغرفة التى أعدت له وهى متوسطة الحجم حوالى أربعة أمتار فى خمسة، بها سريران وإعداد جيد للإفاقة والطوارئ ورسم القلب وهى الغرفة التى كانت تستخدم مخزناً وتجاور غرفة مدير المستشفى.
وإذا كان السجن قد توافق مولده مع ميلاد مبارك، فإن المستشفى قد أنشئ فى عام 1941، كما هو مدون على واجهتها، وهى تتكون من أربع حجرات، الأولى لمدير المستشفى وهو الطبيب الوحيد بخلاف طبيب الأسنان، وكان ضابط شرطة برتبة رائد، ومن مساخر ذلك أنه كان طبيب أمراض نساء، برغم أن المفروض أن بالسجن رجالاً بل وبه أبطال أيضاً أمثال محمود نورالدين ورفاقه، وكان من جبروته أن يسأل المريض عن مرضه وهو بعيد عنه بعدة أمتار باشمئزاز وقرف، وأحياناً ويديه فى الأغلال الحديدية، برغم مخالفة ذلك للقانون، وبجوار غرفة الطبيب الرائد مخزن للأجهزة الطبية، وهى الغرفة التى تم إعدادها للرئيس المخلوع كما قلنا وفى الواجهة عيادة الأسنان وبجوارها الصيدلية، ثم صالة المستشفى التى تفصل بين عنبرين كبيرين مساحة كل منهما ستة أمتار عرضاً وحوالى عشرين متراً طولاً، وفى الداخل على ما أذكر خمس دورات مياه وأحواض غسيل.
خمسة ثم عشرة
واستعداداً لاستقبال المخلوع اعتمدت الداخلية مبلغ خمسة ملايين جنيه لإعداد المستشفى، وعند زيارة الوفد البرلمانى اكتشفوا أنها قد تحولت إلى أكوام من التراب والحجارة وإزالة الأرضية وتقشير الحوائط، وأعلن فى حينها أن المستشفى غير مجهز لاستقباله، وبعد عدة أشهر أعلنت الداخلية من جديد اعتماد مبلغ عشرة ملايين جنيه لتجهيز المستشفى، وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فقد قررت حكومة نظيف قبل أن يتحول إلى نزيل اعتماد مبلغ 100 مليون جنيه لإعداد قائمة بالأسر الفقيرة فى مصر ونشرتها الصحف فى صفحاتها الأولى، وفى العام الذى يليه اعتماد مبلغ 50 مليون جنيه لتجديد بيانات الأسر الفقيرة!! أخيراً أصبح المستشفى جاهزاً لاستقبال الرئيس وأولاده برغم النفى العبيط الذى يقول إن المزرعة فقط لمن تم الحكم عليهم وليس من هم تحت التحقيق، بمعنى أوضح من يرتدون الملابس البيضاء، وليس الزرقاء التى تحول إليها مبارك والعادلى وأحمد عز، وكل من صدر فى حقه سنوات بالسجن، أما اللون الأحمر وهو المحكوم عليهم بالإعدام فيتم نقله إلى «الليمان». وجمع علاء وجمال ومبارك ليس مخالفاً للقانون، فهناك مادة قانونية شهيرة باسم «لم الشمل» تقضى بذلك برغم أنها كانت محرمة على السجناء السياسيين فى عهد المخلوع، بل كان هناك تعمد للتفريق الذى يرهق الأهل جداً، كأن يسجن أحدهما فى دمنهور والآخر فى الوادى الجديد. ولكن القانون سيجمع مبارك وولديه فى مكان واحد، وخصوصاً أننا نقترب من شهر رمضان الكريم.
المضحك فى شأن مستشفى المزرعة وهى عملية أشبه بالتدليس على النفس لمن كانت الحكومة تريد زيادة «نجوم» المعاملة معه، فتتم إقامته فى عنبر من المستشفى جيد التهوية جداً حيث الشبابيك القديمة الواسعة والسقف العالى الذى لا يحتاج إلى أدوات تهوية ولا تكييف، فينزل فيه هؤلاء الأباطرة وضماناً لعدم خروجهم كتبوا على الباب لافتة «عنبر الضعفاء» على أساس أن الضعيف يزداد ضعفاً، وبالتالى فالمكوث فيه بلا نهاية إجراء قانونى.
حول المستشفى سور يفصله عن باقى عنابر السجن، فيبدو وكأنه بيت العمدة وسط فقراء القرية، وداخل السور حديقة صغيرة كان يحلو للنزلاء شرب الشاى عصراً تحت أشجارها وتكعيبة العنب التى يتعهدونها بالرعاية، وبمناسبة الأشجار، فإن بالمزرعة شجرة عجوز قالوا إن المفكر الإخوانى صاحب تفسير «فى ظلال القرآن» الشيخ سيد قطب الذى أعدمه جمال عبدالناصر كما قال الشيخ كشك بناء على أوامر من روسيا كان يحب الجلوس تحتها ويلتف حوله النزلاء فى أوقات الراحة المسموح بها.
وإذا كانت الحكومة قد أنفقت أخيراً عشرة ملايين جنيهاً لتطوير وتجميل مستشفى السجن كى تليق بالرئيس المخلوع، فقد أنفق اللواء حسن الألفى، وزير الداخلية الأسبق، أقاله مبارك عام 1997، بعد حادث الأقصر الشهير الذى راح ضحيته أكثر من 60 سائحاً فى عملية هزت الرأى العام، 24 مليون جنيه لبناء سجن «القطا» بطريقة تقتل من يدخله دون تعذيب، وذلك بانعدام فتحات التهوية وتكديسه بالنزلاء ما تسبب فى موت العديد من المعتقلين بعد إصابتهم بالجرب والكساح وأمراض الرئة، وكان الرد عليه بحادث الأقصر الذى أطاح به، وفهم العادلى الدرس جيداً وأن تصعيد العنف بهذه الضراوة لا يولد إلا العنف، فاتخذ الأسلوب اللين حتى تمكن ثم تجبر.
ويتميز سجن «المزرعة» أيضاً بأنه محطة التوبة أو مقر التائبين بعد أن انتشرت فكرة المراجعات الفكرية واشترطت الداخلية «كتابة توبة» للإفراج عن المعتقلين السياسيين، فكان من يكتب التوبة لوجه الداخلية والنظام يتم ترحيله إلى المزرعة تمهيداً لتجهيزه نفسياً للخروج للعالم الطبيعى والدنيا، وكان يسمح لهم بفتح الكافتيريات والتجارة فى عمل الأطعمة وتعلم المهن مثل النجارة والحياكة وصناعة الأحذية فى ورش السجن.
خادم ومخدوم.
أما نزلاء سجن المزرعة فهما نوعان «خادم ومخدوم» صاحب الثروة طبعاً هو المخدوم، أو الفقراء فيه فيمتهنون كى الملابس وغسلها وتسخين المياه لمن يريد وتنظيف العنابر، وكل ذلك ليس سخرة وإنما كل عمل له سعر ويسمى ذلك «تصنيع» فمثلاً غسيل القميص بعلبة سجائر، فالتعامل فى السجن لا يعرف النقود العادية وإنما علب السجائر، برغم إعلانات ضررها المدمر للصحة، ويقوم من لا يدخن ببيعها لبوفيه السجن ووضع ثمنها فى دفتر توفيره ليصرفه وقت خروجه أو لمن يزوره من أهله حسبما يريد. أيضاً من الطبقة الدنيا فى المزرعة الجنود الهاربون من الخدمة وتم الحكم عليهم كما حدث للمغنى تامر حسنى إلا أن أموال تامر جعلته من علية القوم «مخدوم وليس خادماً». وإذا كان عنبر (2) قد خصص للإخوان وكان خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، والمرشح المستبعد من الرئاسة آخر المغادرين له ليسكنه حكومة د. نظيف، ونظيف نفسه وفوق ذلك رئيس وزراء آخر هو عاطف عبيد. ورئيسا مجلسى الشعب والشورى سرور وصفوت فإن عنبر (3) الخاص بالتأبين من الجماعة الإسلامية قد شغله أيضاً بعض الوزراء مثل المغربى ومحمد إبراهيم سليمان وبجوارهما الشيخ رجب هلال حميدة الذى اكتشف الناس أنه ليس المعارض الكبير صاحب الخطب المنبرية المقاتلة بل إنه عضو لجنة السياسات «الخفى»، وهناك عنبر (5) وهو ملاصق لمستشفى السجن ومخصص لضباط الشرطة والقضاة المرتشين. وبذكر الأشخاص فإن سجن «المزرعة» قد دخله الكاتب الكبير الصحفى الشهير مصطفى أمين، أيام عبدالناصر بتهمة التخابر لصالح أمريكا، وأيضاً دخله المناضل الشهيد محمود نورالدين، وكان محكوماً عليه بالمؤبد ومات بعد انقضاء أربعة عشر عاماً بالسجن، بينما قضى على زملائه الثلاثة حمادة وسامى ونظمى بخمسة عشر عاماً لكل منهم وكان المتهم الأول فى تلك القضية «تنظيم ثورة مصر» خالد جمال عبدالناصر، وكانت وساطات زعماء الدول للعفو عنه، وكان شريطة العفو ألا يعمل بالسياسة هو وإخوته وكان للمخلوع ما أراد.
وكان هدف التنظيم الرافض لمعاهدة كامب ديفيد، اغتيال أى دبلوماسى إسرائيلى بالسفارة الصهيونية سبق له أن عمل بالجيش الصهيونى وأسرف فى قتل المصريين عام 1967، غير ذلك من الأسماء الشهيرة الفنان التشكيلى محسن شعلان، الذى حبس عاماً لإهماله فى لوحة زهرة الخشخاش التى سرقت من متحف محمود خليل بالزمالك. الأسماء التى دخلت المزرعة كثيرة وعديدة، ومنها السياسى المعارض الزميل أيمن نور، والأخوان طارق وعبود الزمر المتورطان فى قتل الرئيس الراحل أنور السادات، والمستشار ماهر الجندى، محافظ الجيزة الأسبق متورطاً فى قضايا فساد، وأيضاً هشام طلعت مصطفى، المتهم بقتل سوزان تميم المطربة اللبنانية. الأسماء عديدة والمساحة المتاحة لا تمكننا من سردهم، والتعريف بحكاياتهم سواء المخزية أمثال الفاسدين الناهبين للوطن أم الشرفاء النبلاء أبطال ثورة مصر أم الشباب الذين لا حول لهم ولا قوة إلا أن يقولوا ربى الله، وزرع العنف بداخله ليثمر عنفاً مضاداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.