قصائد قبانى عن المغرب وتونسوالجزائر زار المغرب عام 1965 وكانت زيارة مميزة لمدينة القصر الكبير.. و كتب أروع ما قيل عن الجزائر عندما زارها يحتل الشاعر الراحل نزار قبانى مكانة كبيرة فى قلوب المغاربة، وهو المجتمع المولع بالشعر والشعراء، وبالتالى كان لقبانى مكانة واضحة ومائدة لا يخلو منها ملتقى شعرى أو ندوة ثقافية أو حتى مناسبة أدبية، وهو أكثر الشعراء الذى يقبل على دراسة أشعاره الأدباء والشعراء الجدد من المغاربة، وكذلك الراغبون فى تقديم أعمال فنية مختلفة، وربما كان الشعور متبادلاً فى قلب قبانى الذى خص المغرب بقصائد مختلفة كتبها خصيصا عن المرأة المغربية: زينب هاشم وكتب أيضا قصيدة يا تونس الخضراء والتى كان مطلعها: يا تونس الخضراء جئتك عاشقا وعلى جبينى وردة وكتاب إنى الدمشقى الذى احترف الهوى فاخضوضرت بغنائه الأعشاب أحرقت من خلفى جميع مراكبى إن الهوى ألا يكون إياب أنا فوق أجفان النساء مكسر قطع فعمرى الموج والأخشاب لم أنس أسماء النساء .. وإنما للحسن أسباب ولى أسباب يا ساكنات البحر فى قرطاجة جف الشذى وتفرق الأصحاب أين اللواتى حبهن عبادة وغيابهن وقربهن عذاب زار قبانى المغرب عام 1965، وكانت زيارة مميزة لمدينة القصر الكبير، وحقق من خلالها لقاءات كثيرة بشعراء وأدباء مغاربة وكان لزيارته صدى كبير بين الأروقة الثقافية المغربية . وأيضا كتب أروع ما قيل عن الجزائر عندما زارها وكتب عنها. «لا يمكن أن يكشف وجه الثورة الجزائرية إلا من رأى إنسانا جزائريا ولا يمكن أن يعرف طبيعة الثورة إلا من تكلم أو دخل فى حوار مع جزائرى أو جزائرية. إن كل محاولة لفهم الثورة الجزائرية من بعيد تبقى محاولة نظرية أو ذهنية كبعض أشكال الرسم التجريدي، أو بعض أشكال الحب العذرى، وأنا لم أخرج من مرحلة الحب العذرى الجزائرى إلا فى نيسان الماضى، حين وطأت قدماى للمرة الأولى أرض الجزائر. صحيح أن الجزائر كانت قصيدة مرسومة بأكواريوم فى مخيلتنا، وكانت ثورتها لؤلؤة تتوهج فى قلب كل مثقف عربي، وبين أصابعه، لكن كل ما كتبناه عن (ليلى الجزائرية)، كان على عذوبته وبراءته وصدقه شبيها بما كتبه جميل بثينة فى لحظة من لحظات العشق الكبير.. ومع احترامى للعشاق العذريين، ولدموعهم وصباباتهم، وأشواقهم أحسست بعد أن رأيت الجزائر أنها أكبر من جميع عشاقها، وأعظم من جميع ما كتب عنها.. ولا أدرى لماذا شعرت وأنا أقف على شرفة غرفتى فى الفندق والميناء تحتى مهرجان من الضوء والماء والجواهر برغبة طاغية فى البكاء أو الاعتذار من «حى القصبة» بأزقته الضيقة وسلالمه الحجرية ومنازله الخشبية، التى تخبئ البطولات فيها، كما يختبئ الكحل فى العين السوداء. آه.. كم هو جميل وجه الجزائر..!!» وعن نزار قبانى يتحدث عدد من المغاربة .. كانت البداية مع الفنان المغربى زياد الفاضلى قائلا: نزار قبانى رائد مسرحى قبل أن يكون شاعرا متميزا، وما قدمه للشعر والفن والمرأة بصفة خاصة يعتبر قفزة نوعية غيرت مفاهيم عدة، وأرجعت الرومانسية للشعوب العربية نوعا ما. والدليل نجاح أغانى كاظم الساهر بالمغرب العربى والمغاربة يحترمون هذا الرجل العملاق، الذى يصل كلامه للأعماق، وبالفعل من يبحث عن النجاح الحقيقى بين الشعراء المغاربة، يبدأ حياته الشعرية بالاستماع وقراءة أشعار نزار قبانى ونحن فى أعمالنا الفنية نستعين دائما بأشعاره. ويستكمل الحديث المغربى بلحاجعلبى جيلالى الناقد السينمائى قائلا: يهتم المغاربة كثيرا بشعر نزار قبانى وربما أكثر المهتمين من الأجيال الماضية وليس الأجيال الحالية فهو يمثل لمحبيه حالة العشق والصفاء، ودائما كان يتغنى بأشعاره ودواوينه الشعراء الكبار، وكانت تباع بكثرة وأشعاره تتردد فى الملتقيات الثقافية والشعبية وهناك عدة أطروحات تتناولها الملتقيات والأروقة الثقافية، وهناك قصائد تفاعل معها المغاربة مثل رسالة من تحت الماء والتى غناها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وأيضا قصيدة الحزن وهى قارئة الفنجان، فهو شاعر الحب والعشق والحرية والثورة وكل القضايا العادلة العربية والإنسانية. ويتحدث الإعلامى التونسى حسن بن عثمان عن زيارة قبانى لتونس وعلاقته بالمجتمع التونسى قائلا: ما أعرفه عن نزار القبانى وهواه المغاربى، هو أنه حين زار تونس فى بداية الثمانينيات ألقى قصيدة فى المسرح البلدى بشارع الحبيب بورقيبة، أنشد فيها لتونس وللمغاربة وعلاقتهم بالمشارقة ودمشق ،وهى قصيدة احتفى بها الإعلام فى ذلك الزمن من أواخر عصر بورقيبة والأمانة العامة لجامعة الدولة العربية صار مقّرها فى تونس بعد انتقالها من مصر التى قاطعتها الأنظمة العربية عقابا لها على تطبيعها مع إسرائيل، وكان مطلع القصيدة يقول: يا تونس الخضراء جئتك عاشقا وعلى جبينى وردة وكتاب، أنا الدمشقى الذى احترف الهوى فاخضوضرت لغنائه الأعشاب/ أو الأخشاب، علما بأن فيها بيتا شعريا وقع حجب كلمة منه، وهو على ما أذكر: «فى زيت عصر الكاز يطلب شاعر ثوبا وترفل فى الحرير قحاب» وتم الاقتصار على القاف والباء وحذف الحاء. بينما يؤكد الجزائرى رباح زاوى الشاعر والأستاذ الجامعي، أن نزار قبانى وقصائدة وإنتاجه المتنوع كان له تأثير بالغ على عشاق الشعر، خصوصا الشعر الحر والذى لا يقتصر فقط على قصائد الغزل والحب، بل تعداه إلى الوطن، وهو ما كان له تأثير كبير على فئة الشباب، طبعا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن شريحة مهمة من الشعوب المغاربية شباب. وما يمكن ملاحظته من تأثير على عشاق الشعر فى المغرب العربى، هو استمرار تداول قصائده ودواوينه، ويمكن ملاحظة ذلك مثلا من خلال الطبقة الأدبية، فهو مازال يحظى باحترام وتقدير كبير، فلنزار قبانى يعود الفضل فى الثورة التى عرفها الشعر الحر، سواء من خلال اللغة المستعملة أم حتى من خلال هيمنة موضوع الأنثى، وهذه الأخيرة كانت الأم والأخت والزوجة أم حتى الوطن. وعلى مستوى النوادى الأدبية أو الشعرية مازالت تعقد الندوات والأمسيات الشعرية التى تتناول شعره بالتحليل والتعمق فى أسلوبه، ونفس الأمر ينطبق على الجامعات خصوصا كليات الأدب واللغة العربية، وتناول العديد من الطلاب شعر نزار قبانى فى مذكرات تخرجهم أم حتى فى بحوثهم. أى أنه باختصار مازال حاضرا بشعره وإنتاجه، ومواضيعه المتجددة، والدليل أنها مازالت يتم تداولها على نطاق واسع، وما ساعد فى اعتقادى هو تطور نظم الاتصالات والمعلومات التى سهلت تداول قصائده وتعريف الآخرين بها، وأحسن مثال الصفحات الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعى، والتى تشهد متابعة كبيرة من الشباب وغيرهم فى دول المغرب العربي. ويختتم الحديث المغربى محمد أمهرش طالب كلية الحقوق والمولع بأشعار نزار قبانى, هو وزملاؤه والحريص على إقامة أمسيات ثقافية الأساس بها أشعار نزار: المغرب من الدول التى تولى اهتماما كبيرا بالثقافة العربية هذا من جهة، من جهة أخرى يعد نزار قبانى جزءا من هذه الثقافة، بحيث يتجلى هذا بالاهتمام الكبير بالإقبال على أشعاره تارة، وكذلك الاقتباس من بعض الأبيات تارة أخرى فى التعبير عن الحب، وتارة أخرى فى البوح للمحبوب عن المشاعر، وتجدر الإشارة إلى أن المغرب من الدول المحافظة جدا، بحيث كان يعرف عجزا فى التعبير عن المشاعر فيما قبل، وتعد قصائد نزار قبانى من بين الوسائل التى أسهمت إلى حد كبير فى انتعاش الثقافة المغربية وإعطاء الشرارة الأولى للإبداع المغربى، مستعينا بذلك بالموروث الثقافى المغربى، وأذكر على سبيل المثال عبد الرحمن المجدوب والمغرب كغيره من الدول العربية تأثر هو الآخر بشعر نزار قبانى، خصوصا أنها بلد يحتل الأدب والشعر والثقافة بشكل عام اهتماماً كبيراً جداً لديه .