نبيل سيف آخر كلماته: «معقول بعد أن ذقت الفراخ وتمتعت بالديوك الرومية أعود آكل الفول النابت»
قبل 61 عاما، وتحديدا يوم 17 مايو 1955، وداخل مستشفى جامعة «لندن» بالعاصمة السويديةاستكهولم، حيث يرقد الفنان أنور وجدى للعلاج من مرض الكلى، فجأة استعاد أنور صحته ونضارة وجهه واحتوى زوجته الفنانة ليلى فوزى، التى كانت بجواره وراح يحدثها عن ثقته فى المستقبل وما إن دخل عليه طبيبه المعالج، حتى ارتفعت ضحكة أنور وجدى وهو يقدم زوجته للطبيب قائلا:«أهى دى مراتى حبيبتى»، وبعدها بفترة 5 ساعات دخل الفنان فى نوبة صمت عميق تبعتها شهقة انفجر بعدها الدم من فمه فأخذته زوجته الفنانة ليلى فوزى بحضنها، إلا أنه كان قد أسلم روحه إلى خالقه، ليعود للقاهرة جثماناً مسجى على طائرة مصر للطيران، وتضطر أسرته إلى إعادة تكفينه مرة أخرى، لأن الجثمان وصل من الخارج مربوطا بأربطة التحنيط فقط، وهو مايخالف الشريعة الإسلامية.
ذات مرة أقامت نجمة المسرح القومى فى الأربعينيات السيدة زينب صدقي، مأدبة عامرة لزملائها وكبار الكتاب والصحفيين، ودعت أنور وجدي الممثل الصغير في الفرقة، وتطرق الحديث إلى الحب والمال والصحة والمجد، أيها أهم للإنسان. وقالت زينب: المهم الصحة أولاً، وهنا قفز أنور من مقعده، وشب واقفاً على قدميه وصاح: صحة إيه يا ست زينب! ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا رب أعطني نصف مليون جنيه وسرطاناً! وصرخت زينب في وجهه قائلة: اسكت يا مجنون! وانفجر الحاضرون يوبخونه ويلعنونه، وهو يصر على أن الفلوس أهم من الصحة ومن الحب ومن المجد، وأنها هي السبيل للحصول على كل شىء. ولما أصابه المرض الخبيث كان يصرخ ويقول «معقول بعد أن ذقت الفراخ وتمتعت بالديوك الرومية أعود آكل الفول النابت». فى صيف 1954 عاد أنور وجدى من أوروبا وكله أمل فى الحياة، ونصحه الأطباء بالمداومة على علاج معين استمر عليه مدة طويلة حتى شهر فبراير 1955 حينما تدهورت حالته الصحية وزادت سوءا فاضطر إلى النزول بمستشفى دار الشفاء بالعباسية، وهناك أجمع الأطباء على سفره إلى استكهولم، حيث يستطيع هناك استخدام الكلية الصناعية، فإن أنور وجدى اتصل من غرفته بدار الشفاء بطبيب أمريكى يستشيره عن مدى إمكانية علاج مثل حالته، فكان الرد بضرورة سفره فورا للخارج، وما إن وصل أنور وجدى إلى مستشفى لندن حتى أجرى له فحص دقيق وجراحة عاجلة استخدمت فيها الكلية الصناعية لمدة 7 ساعات شعر بعدها بتحسن مطرد لمدة 15 يوما. قبل وفاة أنور وجدى بفترة 6 أشهر قال طبيبه المعالج الدكتور فؤاد رشيد لأحد أصدقائه المقربين.. مسكين أنور وجدى لأنه لن يعيش أكثر من 6 أشهر، والأمل فى شفائه ضعيف جدا، لأن مرضه اسمه Polycystic kidneys وهو تكيس الكليتين. عرض أنور على طبيبه السويدى شيكاً على بياض قائلا له:»أنا مستعد أن أتنازل عن ثلاثة أرباع ثروتى لك لو أنقذت حياتى»، وكان يقول لطبيبه «مش عايز أموت.. خد مالى كله وأعطونى كلية»، وجاءت الجراحة الثانية فأجريت له يوم الأربعاء فقد النطق عقبها ولاحظ أطباؤه المعالجون أن الكليتين توقفتا عن العمل نهائيا، ولم يعد أنور يستطيع التعرف على الأشخاص ويراهم أشباحا وخيالات ليظل أنور وجدى يتقلب فى فراش المرض بين نوبات الذهول، وما يكاد يفيق من واحدة حتى تعاوده أخرى، لدرجة أن طبيبه المعالج قال لزوجته ليلى فوزى»إن هذه الحالة الأولى من نوعها فلم يحدث أن صادفنا مريضا كزوجك». ولد أنور وجدى بكلية متكيسة، وتكون عادة فى شكل إسفنجة، وقنوات الإفراز فيها مسدودة مما يجعل الكلية تكبر وتتكور، وقد يستمر مريض الكلية المتكيسة التى تصبح على شكل كيس مريضا بها وهو لا يدرى لمدة 30 أو 40 عاما، فإذا ما بذل مجهودا فوق العادة تحدث له مضاعفات، وقد يظهر المرض مع تقدم السن نفسه، فإذا ما اقترن تقدم السن بالمجهود تضاعف المرض، حيث تسبب الكلية المتكيسة ارتفاعا فى ضغط الدم، أو تسمما فى البولينا الموجودة فى الدم، وقد يصحبها نزيف معوى، وكان مايعانيه أنور هو تسمم البولينا. ولم يكن أمام طبيبه المعالج سوى أن يبلغ زوجته أن حالة أنور وجدى «ميئوس منها»، وطلب طبيبه هناك نقله للقاهرة فورا، وحاول استخراج تصريح لعودة أنور بالطائرة، لكنه فشل لامتناع شركات الطيران عن نقله فى هذه الحالة، واتصلت زوجته ليلى فوزى بمدير أعماله فى القاهرة محمود شافعى، تطلب حضوره فورا استوكهلم لسوء حالة أنور، وفى تمام الساعة الرابعة من نفس اليوم أرسل حسين بهجت شقيق زوج أخت أنور وجدي الذى كان موجودا فى السويد للدراسة برقية إلى شقيقه بهجت بالقاهرة أبلغه فيها أن أنور وجدى وفاته متوقعة خلال 24 ساعة، ثم توالت البرقيات من ليلى فوزى إلى والدها محمد فوزى كان آخرها برقية من كلمتين مساء ليلة وفاته (مات أنور). خلال وجود أنور وجدي بمستشفى دار الشفا بالقاهرة وقبيل سفره إلى السويد للعلاج فى رحلة بلا عودة باع أنور وجدي شقته وكتبه بعمارة الإيموبيليا بمبلغ 3000 جنيه للمخرج بركات، واشترى فيلا بالزمالك بمبلغ 13 ألف جنيه وفرشها بمبلغ 5 آلاف و500 جنيه، وعندما شعر بتحسن خلال إقامته بمستشفى لند بالسويد تكلم تليفونيا مع مدير أعماله محمود شافعى عما تم فى إصلاح وفرش الفيلا على أمل أن يعود للقاهرة فى أقرب وقت. مات أنور وجدى تاركا أما مصابة بالقلب لم تعلم نبأ وفاته إلا بعد دفنه، وزوجة هى الفنانة ليلى فوزى، و3 شقيقات، وسرعان ما نشرت الصحف بعد ساعات من وفاته أنباء عن صراع بين أسرته وأرملته ليلى فوزى على التركة، حيث إنه لم ينجب من أى من زيجاته الثلاث، الأمر الذى اضطرت معه الأسرة وأرملته إلى نشر بيان رسمى فى الصحف يوم 17 مايو 1955 قبيل أن يوارى جسد أنور وجدى الثرى،كشفوا فيه عن أن أنور وقبيل سفره إلى استكهولم وبحضور والدته وشقيقاته وزوجات شقيقاته قام بعمل توكيل تصرف فى أمواله وممتلكاته لمحمود شافعى وكيل أعماله ومصدر ثقته طوال حياته ووقع على التوكيل بالعلم كل الحضور. بعد 53 عاما من رحيل أنور وجدى، وبعد 3 سنوات من رحيل أرملته ليلى فوزى عام 2005، عثر مكرم سلامة أشهر تاجر أوراق قديمة بمصر على الأرشيف الكامل للفنان أنور وجدى لدى تاجر قمامة اشتراه جملة من إحدى الشقق القديمة بوسط القاهرة، التى اكتشف مكرم سلامة فيما بعد أنها شقة زوج شقيقة أنور وجدى، الذى كان محاميا ويتولى جميع الأمور القانونية للفنان أنور وجدى، حيث كان الأرشيف يضم صورا عديدة شخصية لأنور وجدى وعقود أفلامه وجواز سفره، وأختامه الشخصية، وسرعان ما تفرقت هذه المقتنيات الشخصية لكل الهواة الذين كان فى مقدرتهم دفع قيمتها المادية.