محمود القيعى - عندما عينه الملك عبد الله فى مجلس الشورى السعودى عام 2009 كان يدرك قيمته كمثقف كبير وعندما وافق على التعيين كان يدرك جيدا الفرق بين المثقف الذى يستغل موقعه وسلطته ، والمثقف الحقيقى الذى يسعى لدفع السلطة باتجاهات بناءة ، وإن نالته سهام النقد.. يرى أن الحداثة نزعة تحررية من قيود بعض الثوابت الثقافية، فأقبل على وضع عدد كبير من المؤلفات التى تعنى بالحداثة والتجديد منها "دليل الناقد الأدبى “ و“الغرب فى النقد العربى الحديث" و“العولمة والهوية والتفاعل الثقافي" و“المكون اليهودى فى الحضارة الغربية“ و“جدل التجديد“ فى السطور التالية حوار مع الناقد السعودى الكبير سعد البازعى يتفاءل فيه بمستقبل الربيع العربى الذى أثبت للعالم – حسب قوله- أن الأمة العربية لا تزال تحيا، وينتظر ثماره وإن طال مخاضه. آخر كتبك الصادر حديثا" خصصته عن الشعر ..أما زلت ترى أن الشعر لا يزال فن العربية الأول؟ بالتأكيد، ما زال للشعر حضوره الكبير فى الثقافة العربية على الرغم من الحضور الطاغى حالياً للرواية. لا ينبغى أن ننسى أن ما يزيد على نصف الموروث الأدبى العربى شعر، والكثير منه محفوظ فى ذاكرة الناس. ثم لا ينبغى أن ننسى الحضور العميق والمؤثر للشعر بالعامية فهو الأكثر هيمنة على الذاكرة الشعبية، والثقافة العربية لا تزال إلى حد كبير ثقافة شفاهية نتيجة لانتشار الأمية وارتباطها من ثم بالشعر بوصفه فناً قولياً شفاهياً فى معظم الأحيان. حتى الشعر الحديث النابع من الكتابة لايستطيع التخلى عن دوره الإلقائى وتحريكه لعاطفة الجمهور أو لمتعة التذوق لديه. لك كتاب مهم عن “ المكون اليهودى “ ، وماذا قصدت من تأليفه؟ وكيف ترى زيارة رجال الدين الآن للأقصى؟ كتاب “المكون اليهودي" جاء فى سياق سعى بحثى وفكرى لتحقيق معرفة أكثر عمقاً وإحاطة بالحضارة الغربية. فمن دراستى للأدب الإنجليزى والأمريكى أدركت أن للحضارة الغربية مكونات، شأنها شأن أى تكوين حضارى وأردت أن أبرز للقارئ العربى مكوناً رئيساً من مكوناتها هو المكون اليهودي، وما أحرانا بمعرفة هذا المكون بالذات. بالنسبة لزيارة رجال الدين المسلمين الآن للأقصى لا أراه يغير من الأمر شيئاً إن لم يؤكد ارتباط الأماكن المقدسة المحتلة بعالمها الحقيقى أى العالم الإسلامي. وكيف تنظر للتطبيع مع الدولة اليهودية؟ أثبتت مصر والأردن استحالة التطبيع مع العدو الإسرائيلى طالما هو محتل ويرتكب الجرائم المتتالية بحق الفلسطينيين والعرب والمسلمين جميعاً. رأست النادى الأدبى بالرياض سنين عددا كيف ترى واقع الأندية الأدبية، ولماذا تحيا فى أبراج عاجية بعيدا عن الناس؟ بالنسبة لنادى الرياض الأدبى رأسته أربع سنوات هى الفترة التى حددت للرئيس ولم أرغب فى التجديد. والأندية الأدبية فى المملكة ليست سواء فى أدائها، فهى تتفاوت تفاوتاً شديداً فى مستوى عطائها. أستطيع القول بقوة إن نادى الرياض يأتى فى الطليعة بين تلك الأندية ومعه أندية أخرى قدمت الكثير للمشهد الثقافى من خلال النشاط المنبرى والنشر والمشاريع المختلفة: نادى جدة ونادى حائل ونادى الجوف ونادى جيزان. وهى فى كل هذا تؤكد أنها أبعد ما تكون عن الأبراج العاجية التى يراها البعض متوهماً. حملت لواء الحداثة بالمملكة ألا تشعر بالغربة فى المجتمع السعودى المحافظ؟ المجتمع السعودى متعدد الأطياف والاتجاهات، وصفة المحافظة أقرب إلى الكليشيه التى تردد فتخفى ذلك التعدد. صحيح أن المحافظة هى التيار الأكثر بروزاً، لكن البروز لا يعنى غياب التيارات الأخرى. إلى متى تستمر معركة تكسير العظام بين الليبراليين والإسلاميين؟ ستستمر المعارك ما استمر المجتمع يعيش مخاض التغيير. إنها ظاهرة طبيعية لا يكاد يخلو منها مجتمع مع تفاوت فى الحدة ومكونات الخطاب والنتائج. يرى الناقد د.عبد الله الغذامى عدم وجود ليبرالية بالمملكة ووصفها بالليبرالية الموشومة فهل تتفق معه ؟ الليبرالية موجودة فى كل مكان لكنها أحياناً تتبيأ وتكتسب سمات مختلفة، وأحياناً يساء فهمها كما يحدث للفلسفات والنظريات المختلفة. فى تقديرى أن لدينا مثقفين أكْفاء ويدركون معنى أن يكونوا ليبراليين، ولدينا أناس يركبون الموجة. الحداثة ليست فى نهاية المطاف سوى شكل من أشكال الليبرالية بما هى نزعة تحررية من ربقة بعض الثوابت الثقافية. كيف ترى دور الناقد الحقيقى، ومن أبرز النقاد العرب؟ الناقد قارئ بامتياز وقراءته، كما يفترض، قراءة مدربة وغنية بخبرات الآخرين وبذائقة مرهفة، ودوره فى توصيل تجربته القرائية والتذوقية للآخرين. النقد الأدبى ليس مهنة بالضرورة، وإنما ممارسة تبدأ بمجرد قراءة النص. بعض تلك الممارسات أو معظمها يبقى صامتاً وشخصياً، وبعضه يتحول إلى تجربة تواصلية وهنا يتضح القارئ المختلف بتجربته وقدرته على التوصيل، أى من نسميه ناقداً. وهذا الناقد قد يصدر أو لا يصدر حكماً على العمل يظل مقوماً بحكم قراءته وتفاعله، فاختياره للعمل، كما كان الدكتور شكرى عياد رحمه الله يقول، يعد حكماً بحد ذاته. وبمناسبة الإشارة إلى الدكتور عياد فإنى أعده فى طليعة النقاد العرب فى العصر الحديث. ماذا تعنى لك هذه الأسماء: -عبد الرحمن منيف، أدونيس ، الغذامى؟ منيف: أحد عمالقة الرواية العربية دون شك ونحن فى السعودية نفخر بانتمائه لنا بقدر ما نفخر بعروبته وإضافاته الأدبية القيمة. أدونيس: شاعر كبير ليس على المستوى العربى فحسب وإنما على المستوى العالمي. يفتقر إلى عذوبة منافسه درويش لكنه يتميز بعمق فلسفى نادر فى الشعر العربي. الغذامي: ناقد سعودى له إسهامات مهمة فى تطوير الممارسة النقدية السعودية والعربية. ما رؤيتك ثورات الربيع العربى، وهل تتوقع أن تلبى أشواق الأمة المتعطشة للعدل والكرامة والحرية؟ ثورات الربيع العربى أثبتت للعالم أن الأمة العربية حية بشبابها وطموحها، كما أنها أحدثت تأثيراً إن لم يكن المطلوب الآن فهو واعد. أنا متفائل مهما طال المخاض. هناك من يرى أن الثورات العربية كشفت خيانة المثقفين لأدوارهم وأسقطتهم من أبراجهم العاجية هل تتفق؟ الثورات العربية، كأى مخاض، أفرزت أقنعة وصوراً وأربكت المشهد بمفاجآتها. ينبغى أن نتذكر أن ما نشهده الآن حدث مثله من قبل فى كل الثورات السابقة والانقلابات وما نتج عنها من متغيرات سياسية اضطرت الكثيرين فى السابق للبحث عن مواقع جديدة بعضهم سعياً وراء السلطة والبعض سعياً وراء البقاء فحسب. هل يمكن أن يحقق المثقف ولاءه للقيم المنوطة به وهو منغمس فى السلطة ؟ وما السبيل لنميز بين المثقف الحقيقى والمثقف الزائف؟ وكيف يتحقق استقلاله وهو يعمل فى دائرة السلطة ؟ علاقة المثقف بالسلطة حتمية، فالمثقف مواطن فى نهاية المطاف ويبحث لنفسه عن دور يحاول من خلاله أن يبث رسالة، لكن فرقاً بين من يستغل موقعه أو سلطته للكسب الشخصى غير المشروع والإضرار بالآخرين، ومن يسعى لدفع السلطة نفسها باتجاهات بناءة أو أقل ضرراً على الأقل. واقع الترجمة فى العالم العربى كيف تراه وهل أنت راض عنه؟ واقع الترجمة تحسن كثيراً فى السنوات الأخيرة لاسيما بعد دخول دول الخليج: السعودية والإمارات إلى ذلك المجال الحيوي. كانت مصر ولبنان والكويت وبعض دول المغرب سباقة، وقدمت ولا تزال تقدم الكثير لكن الإسهام السعودى والخليجى جاء متميزاً أيضاً من حيث الكيف والكم. ومع ذلك فأمامنا طريق طويل للوصول إلى الصورة المُرضية، فلا نزال بلا مراكز ترجمة متخصصة تستقطب المترجمين وتعد البرامج. ما رأيك فى المثل المشهور «أيها المترجم أيها الخائن»؟ العبارة الإيطالية “المترجم خائن" كثيراً ما تفهم فهماً خاطئاً. فى تصورى أن المترجم خائن بمعنى أن النص الناتج عن الترجمة مختلف بالضرورة عن النص الأصلي، وهذا هو المعنى الأساسى للخيانة، أى الاختلاف. لكن الاختلاف قد يكون سلبياً، بمعنى أن المترجم قد يسيء للنص نتيجة ضعف المعرفة أو قلة الخبرة أو سوء الذائقة، وهنا تأخذ الخيانة معنى حرفياً. لكن من الترجمة ما يكون خائناً بالمعنى الإبداعى الجميل، أى منح النص حياة أخرى ينتج عنها نص جديد موازٍ وليس مطابقاً للأصل. فتلك خيانة مطلوبة، بل رائعة، وهى ما أنتجه مترجمون كبار: أحمد رامى وأحمد الصافى النجفى والإنجليزى فيتزجيرالد فى ترجمتهم لرباعيات عمر الخيام، ومنير البعلبكى فى كثير من ترجماته الروائية. وكذلك زكى نجيب محمود وغيرهم. برأيك من المسئول عن الأزمة التى نشبت بين المملكة ومصر ؟ الأزمة التى نشبت كانت سحابة عابرة، ربما عبرت عن احتقانات قديمة لكنها أثبتت أنها أضعف بكثير من الروابط العميقة والمصالح المشتركة. أخيرا ماذا عن سعد البازعى الإنسان? سعد البازعى الإنسان هو التكوين الجوهرى الذى أتمنى أن يطغى على الأدوار التى تغلفنا بها الحياة اليومية وحاجة الإعلام تحديداً لتصنيف الناس.