أحمد السيوفى عندما صرح عطا الله مهاجرانى، وزير الثقافة والإرشاد الإيرانى الأسبق فى عهد الرئيس خاتمى بأن الشعب الأمريكى شعب صديق للشعب الإيرانى، وأنه لا مانع من إقامة علاقة بين الشعبين، قامت الدنيا ولم تقعد فى ذلك الوقت، وطالب البعض بمحاكمة مهاجرانى، وخرجت تحذيرات من مكتب القيادة (مكتب السيد خامنئى) من الذين يحاولون الالتفاف على إرادة الشعب الإيرانى، وتحدث بعض المحافظين عما أسموه الطابور الخامس، الذى يريد اختراق الساحة الإيرانية لصالح قوى غربية، ومن يحاولون جس النبض، لإحداث ثقب داخل المنظومة الثقافية الإيرانية لصالح الغرب، ثم تمت إقالة مهاجرانى بعد ذلك.
قصة السيد مهاجرانى الذى عمل مع الرئيس خاتمى وزيرا للثقافة، وواحدا من رموز الإصلاحيين، كما عمل مستشارا للرئيس الإيرانى الأسبق هاشمى رافسنجانى وشكل معه مجموعة كوادر البناء (كاركرزان)، وهى الجماعة التى اعتبرها الكثيرون النواة الحقيقية للإصلاحيين، التى تعرض عدد من رجالها لانتقادات. بل تعرض واحد منهم للسجن وهو السيد كرباتسى، الذى كانت تصريحاته الانفتاحية مثيرة للجدل، وأيضا مثيرة للاستفزاز للجانب الآخر، وقصة الرجلين تكشف مدى حساسية الجانب الإيرانى من أى محاولات للتقارب مع الغرب أو إحداث ثقب فى الجبهة الداخلية لصالح ثقافة الهامبورجر. يضاف إلى ما سبق أن جماعة الليبراليين الإيرانيين وعلى رأسهم إبراهيم يزدى، الذين يطالبون بعلاقات مع الغرب، هؤلاء لا يجدون من يناصرهم فى الساحة الإيرانية، وأن هناك صحفا كانت تتبع لهؤلاء طالما اتجه القضاء لإغلاقها، ولأن القانون الإيرانى لا يمنع من تأسيس الصحف، فكان بعض الصحفيين الكبار مثل محمود شمس الواعظين، الذى أغلق أكثر من أربع صحف ويعيد افتتاح صحف جديدة، وظل هذا الأمر مستمرا لسنوات، غير أن جماعة المحافظين أو الأصوليين أو المبدأيين، كما يسمون أنفسهم دائما يتربصون لكل من يحاول فتح أى ثغرة مع الغرب، بل إن هذا التربص لم يترك حتى رئيس الجمهورية، فعندما اتصل الرئيس الإيرانى الدكتور حسن روحانى بالرئيس الأمريكى باراك أوباما حول الملف النووى والمباحثات فى مراحلها النهائية، قوبل هذا بتحذير شديد من قائد الحرس الثورى الإيرانى الجنرال محمد على جعفرى، الذى وصف هذا الاتصال بالخطأ التكتيكى فى تصريح نشر على موقع تسنيم نيوز ونقلته الصحافة الإيرانية. وقال جعفرى إن روحانى تبنى موقفا حازما وملائما خلال زيارته نيويورك، كما رفض لقاء أوباما، فكان حريا به أن يرفض أيضا التحدث مع أوباما. أما ممثل الولى الفقيه فى الحرس الثورى على سعيدى قال: إن الموالين للغرب يريدون تشكيل برلمانا معتدل فى إيران خلال الانتخابات المقبلة، فى إشارة إلى الإصلاحيين ورافسنجانى، معتبرا أن هذا النوع من الاعتدال هو الرضوخ للغرب. قال سعيدى لوكالة فارس: إن المرشد الأعلى السيد على خامنئى يريد إنشاء برلمان ثورى لسد التغلغل الغربى ومنع اختراق أفكاره للبلاد، مشددا أنه يجب أن تواكب التركيبة المقبلة لمجلس الخبراء والبرلمان سيادة أفكار ومبادىء الثورة الإسلامية. وفى السياق نفسه أكد رئيس جهاز استخبارات الحرس الثورى حسين طالب، أن أمريكا تحاول السيطرة على إيران لتفادى انهيارها حسب وكالة إسنا للطلاب، وقال إن واشنطن تخطط لاختراق البلاد بعد بدء تنفيذ الاتفاق النووى، وأوضح أن هدف واشنطن هو السيطرة على إيران، ومن ثم السيطرة على الشرق الأوسط من يتابع الساحة الإيرانية يدرك تماما أن هناك قطاعا كبيرا تغلب عليه الأفكار التقليدية المحافظة، وهذا القطاع هو الذى عاش وتربى على مائدة الثورة الإسلامية واقتنع بأفكارها وعاش على خطابها ولم ير فى حياته إلا مصطلحات مثل الموت لأمريكا (ميرك برأمريكا) وما فى نفس سياقه ولم يعرف، إلا أن أمريكا ودول الغرب هى المعادية للإسلام وللثقافة الإسلامية وللجمهورية الإسلامية ،وهذا القطاع يشعر بالقلق على الثقافة الإسلامية وعلى هوية الدولة الإسلامية، ويرى أن الدولة الإسلامية مستهدفة من الدول الغربية، وهؤلاء يدللون على ذلك بما حدث فى الدورة الثانية لانتخابات الرئاسة، الذى ترشح فيها مير حسين موسوى فى مواجهة الرئيس أحمدى نجاد عام 2009 ، التى اكتشفوا فيها أن الشعارات التى كانت تطلق فى التظاهرات، هى التى تنطلق من مواقع غربية على شبكة التواصل الاجتماعى، وأن نحو أربعة عشر ألف صفحة، كانت موجهة إلى الشعب الإيرانى، الأمر الذى دفع السلطات الإيرانية إلى إغلاق الفيس بوك واليوتيوب ووضع قيود على وسائل التواصل الاجتماعى ما زالت موجودة حتى يومنا هذا.
القطاع الثانى وهو القطاع المنفتح على الثقافة الغربية، الذى تأثر بها وعادة هم من طلاب الجامعات الذين يحاكون الثقافة الغربية ويسمعون الموسيقى والأغانى الغربية، وهذا القطاع من الشباب يمثل قلقا حقيقيا للحكومة الإيرانية وللدولة الإيرانية، حيث يرى عدد من قيادات الدولة أنهم قصروا تجاه هذا القطاع من الشباب، وهذا القطاع بدوره سعيد جدا بالتوصل إلى اتفاق مع الغرب، عسى أن يكون هذا مدخلا للعلاقات الجيدة بين إيران ودول الغرب، وهؤلاء متأثرون كثيرا بقيم العولمة والانفتاح مع الغرب حتى ولو على حساب القيم الإسلامية، لا أستطيع أن أقول إن هذا قطاع كبير أو مؤثر، لكنه موجود والدولة تبحث عن طريقة لاحتوائه. فى النهاية نستطيع أن نقول بقدر كبير من الارتياح إن جميع الأطراف فى إيران سواء المحافظين أم الإصلاحيين، سواء الأصوليين أم اليمنيين أم الليبراليين، تشعر بالانتصار فى مجمل المفاوضات، التى عقدت بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد، والجميع يشعر بالعزة والفخر بكفاءة المفاوضين الإيرانيين وصمودهم وعدم انكسارهم أمام الضغوط الغربية والدولية، وأنهم ظلوا متماسكين حتى اللحظات الأخيرة، هذا الشعور يسكن الجميع لكن المحافظين والأصوليين يخشون أن يكون هذا الاتفاق مدخلا لاختراق الهوية الإسلامية وضرب ثوابت الدولة، خصوصا مع هذه الحالة المحمومة من الزيارات الكثيرة والكثيفة للوفود الغربية والانفتاح غير المحسوب على القيم الغربية. أما بعض الإصلاحيين والليبراليين، فيرون أن هذه اللحظة التى كانوا ينتظرونها لكى تخرج إيران من العزلة الدولية، وتصبح عضوا فى المجتمع الدولى وتخرج من دائرة محور الشر ودائرة الاستهداف الغربى، فتسعى لتحقيق مصالح شعبها والانفتاح على كل الدنيا، وكلا الطرفين يراهن على انتخابات البرلمان المقبل فى السادس والعشرين من هذا الشهر، الذى يتوقع أن تكون الغلبة فيه للمعتدلين سواء من الإصلاحيين أم من المحافظين، لكن من الصعب أن يكون هذا البرلمان هو الطريق الموصل للثقافة الغربية والانفتاح على الغرب.