أحمد إبراهيم عامر - تفعيل دستور 1951 لفترة انتقالية حتى الاتفاق على شكل الحكم المقبل يحقق نوعا من الاستقرار - الواقع يفرض وجود الجماعات المسلحة كجزء من العملية السياسية أصبح الاختلاف السياسى الليبى، أكثر تعقيدا فى ظل الانقسامات السياسية والعسكرية وتمدد الجماعات الإرهابية جغرافيا. بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، مما أوجد كثيرا من الرؤى المختلفة لشكل الحكم المقبل فى ليبيا الذى يمكن أن ينال توافق الليبيين، التى تحاول أن تجد إجابة للسؤال الخلافى الأكبر: هل يصلح لليبيا النظام الرئاسى أم البرلمانى أم النظام الفيدرالى أم سيكون الحل هو الرجوع لنظام الحكم الملكي. خلال عامين لم تستطع لجنة صياغة الدستور المنتخبة من الخروج بشكل واضح متفق عليه لنظام الحكم الذى سيجرى عليه استفتاء الشعب، وعلى مدار أربع سنوات لم تتمكن ليبيا من تقديم مشروع دستور بعد توقف العمل بالدستور القديم خلال حقبة حكم القذافى من 1969 حتى الآن. محمد عبدالعزيز وزير خارجية ليبيا السابق وأحد مؤسسى "حراك العودة للشرعية الدستورية" يرى أن الحل فى الرجوع لدستور المملكة الليبية لعام 51 المعدل لسنة 1963 كفترة انتقالية تحدد شكل حكم حكومة الوفاق المزمع تكليفها برعاية الأممالمتحدة لحين الاتفاق على شكل الحكم المقبل بالبلاد. خرج بيان من "حراك العودة للشرعية الدستورية" بمدينة البيضاء خلال الأيام الماضية يدعو للعودة لدستور 51... هل ترى الوقت مناسبا لطرح هذا المشروع السياسي.. ومن هؤلاء الساسة المنتمين لهذا الحراك؟ تتكون الحركة من أعضاء لجنة صياغة الدستور وأعضاء مجلس النواب وعمداء البلديات وأيضا عدد من أعضاء المؤتمر الوطنى العام ومعنا كثير من النشطاء السياسيين، وجمعيات المجتمع المدنى. وقد أصدرنا بيانا نقر فيه أن ليبيا تواجه أزمة سياسية وأمنية وإنسانية غير مسبوقة، فالنزاع والخلاف السياسى الجارى بين الأطراف المختلفة شل وقوض السلم والأمن الداخليين وهدد وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية . وأصبحت الميليشيات المسلحة فى مختلف الأراضى الليبية تتمتع بقدر كبير من السلطة وبقدرات عسكرية تفوق قدرات الدولة نفسها ولا سيطرة للدولة عليها، وقد أصبح التطرف المقرون بالأعمال الإرهابية وعمليات خطف الأفراد جزءا من الحياة اليومية، كما أن الاقتصاد على شفا الانهيار. كما أن مجلس النواب والمؤتمر الوطنى العام منقسمان بشأن اقتراح إنشاء حكومة التوافق الوطنى المقترحة، مما يتطلب التفكير فى إيجاد خيار سياسى ينقذ الوطن من الانهيار. كل ما سبق من إشكاليات دعتنا لنطرح مبادرة العودة للشرعية الدستورية التى توقف العمل بها فى 1سبتمبر 1969 . استئناف العمل بدستور دولة الاستقلال (1951 المعدل عام 1963) لفترة انتقالية يتفق عليها، من شأنها خلق بيئة مؤدية إلى الاستقرار وتمكين حكومة الوفاق من العمل على قاعدة دستورية قانونية الأممالمتحدة ترعى الحوار السياسى الليبى، وتم الوصول تدريجيا لعدد من صياغات الاتفاق. لماذا لم يتم تقديم هذا الطرح السياسى خلال جولات الحوار التى استمرت أكثر من عام؟ بالفعل تحدثنا كثيرا مع المبعوث الأممى السابق السيد ليون وتقابلت فى القاهرة مع المبعوث الأممى الجديد السيد مارتن كوبلر، وقدمنا له مذكرة تفصيلية برؤيتنا للعودة للشرعية الدستورية كيف يرى المبعوث الأممى الجديد المشهد السياسى الليبى؟ تبادلنا وجهات النظر فيما يتعلق بتقييم المشهد الليبى بالكامل والدروس المستفادة من أخطاء الحكومات السابقة، السيد كوبلر مصر على عدم التخلى عن الاتفاق السياسى الليبى بالمسودة الاخيرة، والتى مازالت مرفوضة من البرلمان والمؤتمر الوطني، لكنه متفائل جدا ويأمل أن يصل لاتفاق نهائى وموافقة على إقرار حكومة التوافق، بالأسماء التى أعلن عنها سلفه ليون وليس لديه نية للرجوع لمسودة الحوار الرابعة التى وقع عليها بالأحرف الأولى، كما يرى كوبلر أن بعثة الأممالمتحدة لابد أن تنغمس أكثر فى التحاور مع القيادات العسكرية وقادة الميليشيات المسيطرة على الأرض بشكل أوسع، وهذا لا يشمل الجماعات الإرهابية. وفى اعتقادى الشخصى أن المرونة الآن مطلوبة فيما يتعلق بالاتفاق ولا يمكن أبداً أن تفرض الأممالمتحدة من خلال ممثلها الشخصى أو بعثتها الدولية على الأطراف الليبية أى قرار دون أن يكون هناك اتفاق. تحدثنا أيضا مع السيد كوبلر عن الاجتماع الدولى بخصوص ليبيا، الذى سينعقد منتصف ديسمبر الحالى فى تونس والذى سيحدد المسار الديمقراطى فى ليبيا. ويتمنى المبعوث الأممى الجديد الوصول إلى توافق على الحكومة قبل الوصول إلى الاجتماع . الأممالمتحدة وكثير من الدول المنخرطة فى الحوار الليبى رحبت ببيان 92 نائبا برلمانيا بالموافقة المبدئية على حكومة الوفاق .. هل تطرق الحديث مع المبعوث الأممى كوبلر لهذا المؤشر الإيجابى؟ بالطبع ولكن هناك فرقا بين موافقة 92 عضوا فى مجلس النواب وقرار يصدر من مجلس النواب، فهناك ترحيب كبير من الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية، وحوالى 60 عضوا بالمؤتمر الوطنى العام، بحكومة الوفاق، وهذا يعتبر إشارة إيجابية ولكن الأفضل قبل الوصول لاجتماع تونس المقبل أن يصدر قرار رسمى من مجلس النواب ومن المؤتمر الوطنى العام بالموافقة على حكومة التوافق وتسمية رئيس الحكومة تعاملت مع المبعوث الأممى السابق خلال جولات الحوار وتقابلت مع المبعوث الجديد .. هل ترى اختلافا فى الأداء بينهما، أم أن الملف يحتم المضى بالمنهج نفسه؟ شعرت أن هناك اختلافا فى المنهج بين المبعوث الأممى الجديد مارتن كوبلر وبين سلفه ليون فكوبلر يعتبر أكثر برماجاتية بالنسبة للتعاون ويعى جيدا أن البعد الأمنى يعتبر بعدا أساسيا للوصول لتوافق سياسى . هل تعنى أن مارتن كوبلر استفاد من عمله كمبعوث للأمم المتحدة فى العراق واكتسب خبرات فى التعامل مع المجتمعات العربية برغم فشله؟ لابد أن نأخذ فى الاعتبار طريقة عمل الأممالمتحدة، فالأشخاص التى تمثل الأمين العام أو الأممالمتحدة، تتجسد مهمتها فى تسهيل التفاوض بين الأطراف وبعضها، وبالتالى إذا كان هناك إخفاق فهو لا يمكن أن يكون مرجعه إلى عمل الممثل الخاص للأمين العام. على سبيل المثال الأخضر الإبراهيمى يعتبر شخصية معروفة لها ثقلها على مستوى التفاوض الدولى ولا يمكن أن نقول إنه لم ينجح فى عمله فى سوريا، فقد بذل كل الجهود ولكن نتيجة الظروف السياسية والأمنية والصراع الطائفى لم يتمكن الأخضر الإبراهيمى فى الاستمرار وتحقيق النجاح المطلوب، وبحكم مساهمتى فى كثير من مهام السلام سواء كان فى إفريقيا أم فى أوروبا خلال فترة عملى مبعوثاً للأمم المتحدة، لا أستطيع اللوم على الأممالمتحدة ولكن اللوم علينا نحن الليبيين . أما المبعوث الأممى مارتن كوبلر كشخصية لا أشك فى إمكانياته المهنية، وهو بدأ فى لقاء العناصر المؤثرة بالميدان من عناصر عسكرية، فالأزمة الليبية لن تحل إلا باتفاق سياسى عسكرى وليس سياسيا فقط. ألا ترى أن هذا الطرح سيرجع ليبيا للمربع الأول بعد نجاح ثورتها فى 2011 بإقحام الميليشيات وقادة الإسلام المتشدد للمشهد العسكرى؟ هناك فرق بين انخراط القادة الميدانيين وهم الثوار الحقيقيون وبين هؤلاء التى تتحدث عنهم، فالحرب فى ليبيا عندما قامت فى 2014 لم يقم بها السياسيون، ولكن قام بها القادة الميدانيون للجماعات المسلحة لأهداف سياسية، سواء كانت بهدف الاستيلاء على السلطة، أم لأهداف خاصة بانتماءات أيدلوجية. وبالتالى يفرض الواقع السياسى إقحامهم كجزء لا يتجزأ من العملية السياسية بحيث يمكن تحييدهم بعد فترة زمنية باستيعاب الثوار بعملية تنموية اقتصادية اجتماعية. هل تطرق الحديث بينكم وبين كوبلر عن وضع الجيش الليبى، خصوصا شكل قيادة الجيش برئاسة الفريق خليفة حفتر؟ الخلاف على قيادة الجيش الليبى هو خلاف حقيقى وجوهرى، ففى المنطقة الشرقية فرض الفريق خليفة حفتر نفسه وبقرار من مجلس النواب ليصبح قائد الجيش الليبى، وفى المنطقة الغربية يرفضون تعيين قائد عسكرى قبل تشكيل حكومة وفاق وطنى، وبالتالى من المفروض أن ينسحب خلال هذه الفترة حتى تشكل الحكومة الجديدة، وهذا هو المنطق . لكن المسودة الرابعة التى تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى فى مدينة الصخيرات بالمغرب، كانت تتضمن تبعية الجيش الليبى لرئيس مجلس النواب بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة؟ هذا صحيح ولكن لا يعنى التوقيع بالأحرف الأولى أنه تم إقراره، واستمر الحوار بعد ذلك وخرج مخالفا للوثيقة الرابعة بالشكل الجديد لماذا تم تغير الاتفاق فى اللحظات الأخيرة قبل الإعلان عنه من قبل المبعوث السابق ليون؟ لابد أن نأخذ فى الاعتبار أن ليون لم يكن مسئولا وحيدا عن تغيير الاتفاق، فالتغيير كان بالتفاوض مع كل الأطراف المعنية التى شاركت فى الحوار. لماذا انسحبت من الحوار كممثل شخصى لرئيس مجلس النواب فى مارس الماضى؟ تركت الحوار لسببين، الأول شعورى أن شرعية مجلس النواب لم تترجم على مستوى الواقع، بجانب ظهور واضح للاختلافات داخل مجلس النواب . وخلال فترة الحوار تأكد لى أن الحوار يسير بدون رؤية تجمع جميع الأطراف المعنية، فأنا أؤمن بفكرة إشراك جميع الفاعلين فى الحوار، لذلك كان قرارى بالانسحاب. محمد عبدالعزيز فى سطور تخرج فى قسم العلوم السياسية جامعة القاهرة عام 1975. دبلوماسى وسياسى ليبى عمل لسنوات ضمن الأممالمتحدة. تولى منصب وكيل وزارة الخارجية الليبية بحكومة الدكتور عبدالرحيم الكيب. كلف كوزير للخارجية والتعاون الدولى خلال حكومتى الدكتور على زيدان وعبدالله الثنى الأولى. أثار جدلا واسعا حول إعلانه رؤيته السياسية لعودة النظام الملكى الليبى خلال فترة عمله وزيرا للخارجية. عين مبعوثا شخصيا لرئيس مجلس النواب الليبى للمشاركة فى الحوار السياسى الليبى بمدينة الصخيرات المغربية برعاية الاممالمتحدة، استقال فى مارس الماضى. أحد الأعضاء المؤسسين لحراك العودة للشرعية الدستورية.