زينب هاشم - رفيق عمورى: أؤيد عمليات المداهمة التى تقوم بها الشرطة الفرنسية للقبض على المنتمين لداعش - محمد واموسى: الهجمات الأخيرة سترفع أسهم اليمين المتطرف وتقوى معسكر العنصرية - آمنة سعدون: المجتمع الفرنسى يتعامل معنا ك "مسجلين خطر" - وسائل الإعلام الفرنسية لا تتحدث عن أعداد الضحايا كاملة - عنصريون يضرمون النار فى خيام اللاجئين السوريين فى «كاليه»
مطاردون مقهورون تدور حولهم الشبهات، تلك هى حال أغلب المغاربة فى فرنسا هذه الأيام، فهم يعيشون حالة من الأسى والرعب الشديد، وذلك بعد هجمات باريس الأخيرة، التى أعادت أجواء ما بعد 11سبتمبر من كراهية العرب والمسلمين فى أوروبا. المغاربة تحديدا يعيشون فى فرنسا منذ عقود طويلة، سواء بدافع الهجرة الدائمة أو الدراسة والعمل بها لفترة مؤقتة، خصوصا أن فرنسا هى محطة أغلب الوافدين من دول المغرب العربى. وبعد هجمات باريس، فقد العديد من المغاربة سبل الاتصال بذويهم فى فرنسا. وزاد الأمر سوءا بعدما تناقلت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المختلفة أن الممول الأساسى لحادث الإرهاب فى فرنسا بلجيكى من أصل مغربى. “الأهرام العربي”التقت عددا من المغاربة وأسرهم الذين عاصروا الحادث وكذلك المتعلقة قلوبهم بذويهم وخابت آمالهم فى التوصل إلى أخبارهم أو حتى معرفة ما إذا كانوا أحياء أم لا. فى البداية يتحدث الإعلامى والكاتب الصحفى محمد واموسى، وهو مغربى يعيش فى فرنسا تزامن وجوده فى الاستاد مع وقوع الحادث، قائلا: ما جرى فى فرنسا عمل إرهابى وتخريبى بكل المقاييس، دفع ثمنه الأبرياء الذين ذهبوا لمشاهدة عمل فنى فى مسرح الباتكلان، أو متابعة مباراة كرة القدم بين المنتخبين الفرنسى والألمانى فى ملعب فرنسا الدولى، أو الذين اختاروا بكل بساطة الجلوس على أحد المقاهى بهدف الاستمتاع ببعض الوقت مع أصدقائهم عشية نهاية الأسبوع، وقد شاءت الألطاف الإلهية أن أكون برفقة ابنى ذى التسعة أعوام بين هؤلاء حينما كنا نتابع مباراة كرة القدم بين فرنسا وألمانيا داخل ملعب فرنسا الدولى «ستاد دوفرانس» بضاحية «ساندونى»، حين تناهى إلى مسامعنا دوى انفجار قوى ظننا للوهلة الأولى أن الأمر يتعلق بألعاب نارية، قبل أن نسمع صوت التفجير الثانى ثم الثالث، وحين شاهدت شخصيا مساعدى الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند، وحراسه الخاصين يقومون بإجلائه على وجه السرعة من المنصة الشرفية داخل الملعب، أيقنت أن هناك عملا إرهابيا. ما جعلنى أتعجل بالخروج حاملا ابنى . وقد شاهدنا مسعفون ورجال شرطة فى كل مكان قبل أن يبدأ الناس بمغادرة الملعب والركض فى الشوارع المحيطة به، والجميع يحذر من وجود عمل إرهابى. كان الخبر حينها قد وصل الجميع عبر الهواتف الذكية، وكانت القنوات التلفزيونية الفرنسية تتناقل على نطاق واسع أخبار تفجير انتحارى فى جنبات ملعب فرنسا، وعملية احتجاز رهائن داخل مسرح « الباتكلان » وسط باريس، والهجوم على رواد بعض المقاهى بالقرب منه. حينئذ توجهت برفقة ابنى إلى حيث ركنت سيارتى، وكانت مفاجأتى كبيرة حين اكتشفت أن سيارتى كانت تقف على بعد أمتار قليلة من المكان الذى فجر فيه انتحاريان حزامهما الناسف، ولحسن الحظ لم تصب بأذى، لأعلم فيما بعد أن الانتحاريين كانا يسعيان إلى التسلل داخل الملعب لاغتيال الرئيس الفرنسى، ولإيقاع أكبرعدد من القتلى بالتوازى مع العمليات الإرهابية الأخرى التى كانت تحدث فى ذات التوقيت مساء الجمعة فى العاصمة الفرنسية. وعن النظرة العامة للعرب والمسلمين بعد هذا الحادث الإرهابى ووقائع القبض على المسلمين عراة من منازلهم، يعلق واموسى قائلا: ما جرى عمل إجرامى جبان بكل المقاييس، أدانه المسلمون قبل الآخرين. الإسلام بريء من هؤلاء الإرهابيين الذين نصبوا أنفسهم متحدثين باسم الإسلام، أما مسألة إلقاء القبض عليهم وهم عراة ،فالأمر يعود لخطر الأحزمة الناسفة التى يرتدونها، لأن الشرطة حينما اقتحمت البناية التى كانت تختبئ داخلها المجموعة الإرهابية الرابعة التى كانت تستعد لتنفيذ هجوم إرهابى ضد مطار شارل ديجول الباريسى والمركزالتجارى بالحى المالى «لاديفونس»، فشلت فى تحطيم البوابة الفولاذية للشقتين اللتين كان يختبئ أفراد المجموعة داخلها، وهو ما جعل الإرهابيين يكسبون بعض الوقت لإعداد رشاشاتهم وارتداء أحزمتهم، وبعد تبادل مطول لإطلاق النار بينهم وبين قوات مكافحة الإرهاب، أقدم أحدهم وهو العقل المدبر لاعتداءات باريس عبدالحميد أباعود، على تفجير نفسه بحزام ناسف، ما جعل الشرطة تطلب من الإرهابيين السبعة الذين قرروا تسليم أنفسهم لها التجرد من كل ملابسهم، للتأكد من عدم حملهم لأحزمة ناسفة، وهذا ما يفسر اعتقالهم وهم عراة كما يجب ألا ننسى أن عملية المداهمة بدأت فى الفجر، أى أن الإرهابيين كانوا يغطون فى النوم ساعتها. وعن توقعاته لما سيواجهه العرب والمسلمين فى فرنسا فى المرحلة المقبلة يقول الكاتب الصحفى أبا موسي: الجالية العربية والمسلمة فى فرنسا للأسف الشديد ستدفع الثمن غاليا لما ارتكبه هؤلاء الدواعش الحمقى من عمل إجرامى، وما جرى فى باريس سيقوى معسكرالعنصرية فى فرنسا بشكل مؤكد ،وسيرفع من أسهم زعيمة اليمين المتطرف مارينلوبان، فاليوم العرب والمسلمون باتوا فى مواجهة فوهة المدفع برغم أنهم تبرأوا من هؤلاء الدواعش المعتوهين وما اقترفت أيديهم باسم الإسلام الذى هو براء منهم، وقد ظهرت بعض أعمال الانتقام، حين تعرضت خيام اللاجئين السوريين فى بلدة «كاليه» شمال فرنسا لعملية إضرام نار من قبل عنصريين، وظهر ذلك أيضا حين انقض عنصريون على مسلمة محجبة فى مدينة مارسيليا جنوبفرنسا واعتدوا عليها بطعنات بالسكين كادت تقضى على حياتها، وهى لا تزال حتى اللحظة فى وضعية صحية حرجة فى المستشفى، وهو ما استدعى معه بيانا شديد اللهجة من وزير الداخلية الفرنسى برناركازنوف، الذى سارع إلى طمأنة الجالية المسلمة وتوعد الفاعلين بالعقاب، ونفس الشيء عبر عنه رئيس الحكومة مانويلفالس، والآن نسأل الله أن تمر هذه العاصفة بسلام، وفى الوقت نفسه سيكون على الجالية المسلمة العمل على تطهير صفوفها من الإرهابيين والدواعش المتشددين والإخوان والمتطرفين .كما لا ننسى أن كثيرا من شباب الجالية من أصول مغربية وجزائرية وتونسية ومصرية، سقطوا أيضا ضحية الهجمات الإرهابية التى ضربت فرنسا، وبالتالى هم أيضا ضحايا للإرهاب كما الآخرين. ويؤكد الكاتب الصحفى على إصراره لاستكمال العيش والعمل فى فرنسا، قائلا: جئت إلى فرنسا منذ خمسة عشر عاما، واليوم أصبحت أحمل جنسية هذا البلد الذى أعطانى كل الحقوق التى يعطيها لمواطنيه، فرنسا أدفع فيها ضرائبى كما كل الفرنسيين لى فيها حقوق وواجبات، وفرنسا فتحت بابها لكثير من الطاقات العربية الواعدة التى وجدت الأفق ضيقا فى بلادها الأصلية، ولولاها لما صقلت كثير من المواهب والكفاءات، وهنا أقول ليس كل عربى مسلم يعيش فى فرنسا هو إرهابى أو متطرف، هناك الكثير من شباب الجالية العربية فى مراكز مهمة، وهناك الطبيب والمهندس والمحامى والصحفى والمخترع والمكتشف والباحث ولاعب كرة القدم والرياضى والسياسى والوزير وغيرها من المهن، ولا ننس أن فى الحكومة الفرنسية هناك وزيرتان من أصول مغربية تديران أكبر القطاعات التى كانت حكرا على الفرنسيين من أصول فرنسية، وأعنى بذلك قطاعى التعليم والتشغيل.
ظروف طارئة ويستكمل الحديث حسين بن وردة، وهو تونسى يعيش فى فرنسا ويعمل فى مجال الإعلان، جئت إلى فرنسا عام 2013فى إطار عقد عمل مع البرلمان الأوروبى، وكنت أعمل كصحفى فى تونس. الأحوال فى فرنسا تغيرت بعد عملية 13نوفمبر والآن تحديدا .الجميع يعيش حالة ترقب وخوف دون استثناء خصوصا بالنسبة للمهاجرين العرب والذين يواجهون الوضع الأصعب مع تصاعد وتيرة العنصرية والكراهية بالمجتمع الفرنسى أولا، والعمليات الإرهابية التى تجعلهم كل مرة فى مواجهة اتهامات على خلفية أصول الإرهابيين العربية، وكذلك تأثر الحركة الاقتصادية التى تؤثر على وضعيتهم الاقتصادية، خصوصا أن الأغلبية من المهاجرين تعمل فى قطاع المطاعم والخدمات. بالنسبة لعلاقاتى مع الفرنسيين بالعمل أو خارج إطار العمل ما زالت محترمة، ولا توجد أى أنواع من المضايقات، لكن الأفكار الخاطئة عن العرب عامة والمسلمين خاصة ودورهم فى انتشار العنف بالمنطقة، يظل من الأشياء الصعب تغييرها، خصوصا أن غالبية العمليات الإرهابية يقف وراءها مجرمون من أصول عربية، ومن الصعب إقناع الفرنسيين بعكس ذلك، لكن هناك فئة كبيرة من الفرنسيين متضامنة مع المهاجرين، وتعتبر أن الإرهاب خطر على المهاجرين بدرجة أولي. وعما إذا كان يراوده التفكير فى العودة لتونس مرة أخرى بعد هذه الأحداث يقول: لا أظن أن الإرهاب قد يجعلنى أقرر العودة لتونس، لكن من الممكن أن الأوضاع الاقتصادية أو ارتفاع وتيرة الكراهية والعنف والعنصرية قد يجعلنى أفكر بذلك جديا، لأن السبب الأول للهجرة هو تحسين ظروف العيش واكتشاف ثقافات جديدة. ويؤكد التونسى رفيق عمورى الذى يعيش فى مدينة سادنى الفرنسية، أنه على الرغم من حالة الهدوء النسبى الذى يخيم على الحى الفرنسى، فإن سكان الحى فى حالة فزع واضح ويضيف قائلا: مع العلم بأن الحى الذى أقطن به يعتبر من أكبر الأحياء الشعبية بضواحى فرنسا ويعيش بهذا الحى عدد كبير من جميع جنسيات العرب من سوريا ومصر والجزائر والمغرب وأفارقة كثيرين أيضا. ويؤكد أن سفره إلى فرنسا إنما جاء لضمان مستقبل لم يطمح إلى تحقيقه فى بلده العزيز تونس، ويستكمل الحديث قائلا: الحمد لله ظروفى نسبيا مستقرة هنا فى فرنسا . وفى فرنسا توجد عدة أجناس، والفرنسيون لا يتعاملون مع كل العرب بنفس الطريقة من أساليب عنصرية ومضايقات، وأنا شخصيا أدفع الضرائب شأن أى شخص فرنسى، وذلك على الرغم من أن زوجتى ليست فرنسية أى أنه فى الحقيقة ليست لدينا مشكلة عنصرية وذلك بالنسبة لى ولزوجتى البرتغالية، وهذا لا ينفى أن الفرنسيين عنصريون، لكنهم يميزون بين الأشخاص، وأنا متأكد أن التعامل لن يختلف، وذلك لأن فرنسا بلد الحقوق فى حين أننى لم أحصل عليها فى بلادى، ولكنى وجدت حقى هنا فى فرنسا. فهنا يعيش الجميع جنبا إلى جنب من الذين يرتدون القميص والنقاب. وعن القبض على المواطنين عرايا مثلما حدث الأيام الماضية بعد الحادث الإرهابى يستطرد فى الحديث عمورى قائلا: الفرنسيون يقومون بعمليات للأشخاص المشبوه فيهم وأنا أساند هذه العمليات صراحة، فهم يقومون بمداهمة منازل أشخاص مشتبه فى انضمامهم لداعش، ويوجد الكثير من التونسيين والمصريين والسوريين المقيمين فى فرنسا فى وضعية غير قانونية ويتم استغلالهم، وتتم عملية غسل المخ وهم جميعا يعيشون بدون إقامة على أرضها.
شك وريبة ويستكمل الحديث رزقى كارا، وهو صحفى جزائرى يعيش فى فرنسا منذ سنوات طويلة ويتحدث عن الأجواء التى سادت أغلب المناطق السكنية فى فرنسا قائلا: للأسف كان تأثير الحادث الإرهابى كبيرا على كثير من المناطق الفرنسية، فنجد أغلب المحلات التجارية مغلقة حتى الآن فيما عدا القليل منها. هذا بالإضافة لعدم وجود أناس فى الشوارع. بل إن عدد الأشخاص المتجولين فى الشوارع معدودين على الأصابع، وربما أن السبب فى ذلك يعود لكون الرئيس الفرنسى أعلن حالة طوارئ والفرنسيون قلقون من الخروج إلى الشارع حتى بعد مرور أيام على الحادث. أما عن أعداد العرب وخصوصا المغاربة الموجودين فى فرنسا يواصل الحديث كارا: يوجد كثير من العرب بباريس وقد وقع الكثير منهم كضحايا. لكن وسائل الإعلام لم تذكرهم، فقد أودت الانفجارات بحياة كثيرين فى الحانات ممن ينتمون إلى جنسيات متنوعة فى مواقع تقطنها الطبقات المتوسطة والفقيرة وليست مناطق تعيش بها الطبقة الغنية. وعن الأمن والأمان الذى كان يسود الشارع الفرنسى قبل أحداث الإرهاب الأخيرة يضيف الصحفى الجزائرى، السلطات الفرنسية قامت بإجراءات أمنية كبيرة عززت الإجراءات الأمنية فى باريس، وذلك منذ وقوع حادث الصحيفة الشهير تشارلى إبدو فى شهر يناير الماضى وسادت البلاد بعدها حالة حراسة مشددة لمدة شهر ونصف الشهر تقريبا. وكان الجيش الفرنسى يجوب الشوارع باستمرار ويتحرى الدقة والإجراءات الأمنية . لكن بعد مرور شهرين أوثلاثة على حد أقصى بعد هذا الحادث عادت الحياة طبيعية مرة أخري. ويستكمل الحديث حسن بوكيدى وهو جزائرى يعيش فى فرنسا منذ ثلاثين عاما ويعمل فى مهنة حرفية قائلا: كنا من قبل هذا الحادث لا نشعر بقلق من أى نوع، بل نعيش حياة طبيعية ونشعر بالأمان، فقد اعتدت العيش فى فرنسا منذ تركت بلدى وأهلى فى الجزائر، لأننى كنت طامحا للهجرة إلى فرنسا طوال سنوات دراستى، وبالفعل بمجرد ما وجدت الفرصة لم أتردد أبدا فى السفر والهجرة، وكنت فى أولى سنوات هجرتى سعيدا بالعيش فى بلد متحضرة ومنظمة، ولا يوجد بها أغلب العيوب التى تشوب مجتمعاتنا العربية، لكننى الآن أخشى العيش على أرضها وأشعر بنظرة الشك والريبة التى تميز النظرة لنا كعرب، خصوصا بعد الحادث الإرهابى الأخير، فهم يروننا العرب أساس وأصل الإرهاب، ودائما ما ألاحظ هذه النبرة فى التعامل والحوارات الخاصة، والآن بعد هذا الحادث الإرهابى، أجد هناك رفضا للتعامل معنا وحتى بعد ارتباطى بأكثر من موعد للعمل عند فرنسيين وجدت هناك عزوفا ورفضا، والآن متخوف من أن تظل هذه النظرة لفترة طويلة خصوصا وأننى قطعت كل سبل العودة إلى بلدى الجزائر مرة أخرى وأصبح المكان والأهل بالنسبة لى هنا فى فرنسا. أما سعد بشارى، وهو شاب مغربى تزوج من فرنسية منذ أكثر من أربعين عاما ويعمل فى متجر فرنسى منذ بداية هجرته من المغرب وحتى الآن والحديث فيقول: لا يوجد شئ يعوض الغربة فى بلد آخر، وقد كانت الهجرة قرارى الشخصى . ومنذ الوهلة الأولى كنت أعانى أحاسيس البعد عن الأهل والبلد الذى ولدت به فى البداية، لكننى الآن أشعر بالألم لكون معظم الفرنسيين يروننى إرهابى قادم من بلاد الإرهاب. خصوصا أنه لا ذنب لى فيما تردد عن كون الممول للإرهاب من أصل مغربى، وهى المعلومة التى شاعت بعد وقوع حادث الإرهاب الأخير حتى زوجتى أصبحت تضطهدنى وترفض التعامل معى منذ سقوط القتلى ومحاصرة الفرنسيين فى المواقع المختلفة، وذلك على الرغم من سقوط ضحايا عرب كثيرون ولا أعرف لو استمر الوضع على هذه الحال كيف سأتصرف، خصوصا أننى لا أجد سبيلا سوى العيش على هذه الأرض، ولا يمكننى العودة إلى بلادى مرة أخرى لأسباب خاصة بى. أما التونسية آمنة سعدون التى تعيش فى فرنسا منذ عشر سنوات وتعمل فى مجال التدريس، فقد هاجرت غلى فرنسا بعد أن أصر والدها على عقد قرانها من شخص ترفض الزواج . ومنذ ذلك الوقت لا يوجد اتصال بينها وبين أسرتها عدا والدتها التى تطمئن عليها بين الحين والآخر ..تقول آمنة: منذ سنوات تعليمى الأولى كنت أرفض تماما العيش فى أى بلد عربى وكنت أحلم بالسفر إلى أوروبا على ألا أعود لبلدى مرة أخرى، وبالفعل لم أجد بديلا عن هذا الحلم. ولم أجد آنذاك فرصة للسفر سوى لفرنسا بثقافتها القريبة بشكل كبير إلى ثقافتنا المغاربية، وبمعاونة أصدقائى استقريت على أرضها وربما أكثر ما يغضبنى دائما هو أننا كعرب يتم وضعنا تحت المنظار وكأننا مسجلون خطر والإرهاب جزء من تكويننا وهو ما صرحت به لى من صديقة فرنسية. ونحن نعامل بكثير من الريبة على أرض هذا البلد الذى هرولنا للقدوم إليه، والآن لا نملك ولا نعرف كيف نخرج منها. المغربية بشرى الحاج خمسون عاما، رحل ولدها للعمل فى فرنسا، وذلك بعدما أنفقت كل ما تملك من حصاد عملها فى الخدمة المنزلية فى منازل المغاربة لتعليمه، وهى أول من سعت لهجرته إلى فرنسا لتوفر له مناخ أفضل للعمل هناك، تروى حكايتها قائلة: أشعر أن عقارب ساعتى لا تتحرك ودموعى لا تجف، خوفا على ولدى الذى انقطعت عنى أخباره منذ وقوع الحادث الأليم، وربما قبل ذلك بأسبوع كامل وهاتفه لا يجيب ولا يتصل هو بى، ولا أعرف وسيلة اتصال بأى من أصدقائه، فقد اعتدت محاكاته هو شخصيا بداية من سفره منذ خمس سنوات وحتى الآن، وكل يوم أذهب إلى السفارة ولا أحد يجيبنى وأتابع بشغف الأخبار عبر التلفاز لأنتظر أى خبر يطمئننى عليه وأدعو الله أن يكون بين الأحياء، ففى كل يوم تزداد أعداد القتلى والمصابين. وبنفس القلق والرعب يتحدث المغربى عبد الكريم إبراهيم عن ابنته التى سافرت للدراسة فى باريس وكانت تهاتفه يوميا، والآن ومن بعد وقوع الحادث الإرهابى انقطعت أخبارها ولا يعرف كيف يتصل بها وحتى بأصدقائها التى كانت تتصل به من خلالهم، فكل الهواتف مغلقة ووسائل التواصل عبر الإنترنت مغلقة أيضا، وكأن شيئا غير محمود وقع لهم جميعا ولا يملك إلا أن يلوم نفسه ليل نهار. المغاربة فى فرنسا يحتل الجزائريون المرتبة الأولى من حيث عدد المهاجرين المغاربة، حيث يمكننا القول إن فرنسا بلد المهاجرين الجزائريين بامتياز، إذ يبلغ عدد المهاجرين الجزائريين فى فرنسا أكثر من 6ملايين جزائرى مقابل 3ملايين مغربى مهاجر مقيم فى فرنسا. وتضم الجالية المغربية المهاجرين وأبناءهم، سواء الحاصلين على الجنسية أو الذين لم يحصلوا عليها بعد ، حيث أصبح عددهم مليونا و314ألفا حسب إحصائيات المعهد الفرنسى لسنة 2008. تضاعفت نسبة المغاربة المقيمين فى فرنسا 3مرات منذ 1975، حيث كانت تشكل هذه الجالية 6فى المائة من مجموع المهاجرين بفرنسا. وهذا المعطى جديد، ففى الإحصائيات السابقة كانوا يحتلون المرتبة الثالثة من حيث عدد الأجانب، أى بعد الجالية الجزائرية والجالية البرتغالية. أما نسبة المغاربة الذين لم يحصلوا على الجنسية ويعتبروا مقيمين أجانب، فإن عددهم يصل إلى 440ألف نسبة، بعد الجزائريين الذين يبلغ عددهم 468ألف نسمة. وقد تزايدت نسبة النساء بشكل كبير مقارنة مع بداية هذه الهجرة المغربية فى عقد الستينات، التى كانت تتشكل من الرجال أساسا فى بدايتها، قبل فترة التجمع العائلى التى بدأت فى عقد السبعينيات، لكنها تراجعت بفعل الحواجز التى وضعتها حكومة ساركوزى السابقة التى جعلت ممارسة حق التجمع العائلى جد معقدة، وتتطلب الحصول على سكن ملائم وأجر كاف، وهى خاصية لا يتوفر عليها اليوم العديد من المهاجرين المغاربة، خاصة أن أغلب النساء يصلن الى فرنسا عبر التجمع العائلي. وتكشف الإحصاءات أن المهاجرين الحاصلين على الإقامة أخيرا، أغلبهم من النساء وذلك بنسبة 54فى المائة.