شاهيناز العقباوى تعالت الصيحات المطالبة أخيرا بضرورة إعادة النظر فى قرار الحكومة فى استخدام الفحم لتوليد الكهرباء، وبرر البعض هذا الرفض بتأثيره الضار على البيئة وتسببه فى انتشار الأمراض، فضلا عن التكاليف الباهظة التى تحتاجها محطات توليد الكهرباء لتصبح مؤهلة لاستخدام الفحم بينما يرى البعض أن هناك العديد من الدول الصناعية الكبرى التى تعتمد علية لتوليد الطاقة لكن الأمر يحتاج إلى دراسة، فى حين يؤكد آخرون أن المستفيد الوحيد من هذا القرار هى شركات الحديد والأسمنت والخاسر الأوحد هو المواطن. وهو ما تتطلب معه ضرورة البحث عن حقيقة هذا القرار ومدى صحة الادعاءات المناهضة والمؤيدة له وتاثير ذلك على الاقتصاد وهذا ما حاولنا طرحه خلال التحقيق التالى. الدكتور محمود بركات، رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق، وصف قرار الحكومة باستخدام الفحم فى محطات توليد الكهرباء بديلا للسولار والغاز ب «الكارثة» البيئية والاقتصادية، حرق الفحم لتوليد الطاقة ستزيد تلويث الهواء، لأنه يسبب انبعاث الكثير من الغازات المسببة للاحتباس الحرارى والأمطار الحمضية الناتجة عن صعود أدخنة ثانى أكسيد الكبريت التى تشكل خطرا على المحاصيل الزراعية ومصادرالمياه وتؤدى إلى تلف المبانى، هذا بالإضافة إلى أنها تسبب أمراضا خطيرة للرئة وتعد من الأسباب الرئيسية للموت المبكر. وقال إن تشغيل محطة كهرباء واحدة بطاقة 500 ميجاوات سيتسبب فى إطلاق أكثر من ثلاثة ملايين طن من غاز ثانى أكسيد الكربون، هذا فضلا عن أن الانبعاثات الحرارية الناتجة من محارق الفحم تزيد أضعاف الناتج عن المحطات النووية والحكومة لن تستطيع تطبيق ما وصفته بالالتزام بالمعايير البيئية لأنها مكلفة ونحن فى أزمة اقتصادية، هذا إلى جانب أنه من المستحيل أن تقدم المحطات تقارير دورية عن حجم التلوث ومدى خطورتها على صحة الإنسان. وإذا حاولت الحكومة والكلام يعود إليه أن تخرج من أزمة الطاقة باستخدام الفحم فإنه ستقع فى فخ أكبر ألا وهو تأثير ذلك على صحة المصريين فيكفيهم ما يعانون من أمراض ولسنا فى حاجة إلى زيادتها، خصوصا إذا علمنا أن الفحم خطورته لا تتوقف على حرقه فقط فاستخراجه من الأرض ونقله كله مخاطر ولن نتحدث عن تكاليف نقلة أو تخزينه التى تفوق بمراحل إعادة هيكلة محطة كهرباء أو إنشاء أخرى، وهذا ما يدخلنى فى حيرة شديدة من توقيت هذا القرار غير المدروس، لأن مثل هذه القرارات التى ستؤثر على الدولة لعقود طويلة لا يمكن أن تتخذ بهذا الشكل ولا بمعزل عن الشعب نفسه، لأنه من الواضح جدا أنه اتخذ لصالح صناعة الإسمنت التى لا تسهم بأى نسبة فى الدخل القومى للبلاد، كما أن مالكيها لا يريدون إنقاذ صناعتهم والخروج من أزمة الطاقة وزيادة الضرائب ليضاعفوا أرباحهم إلى المليارات دون النظر إلى تأثير ذلك على صحة المصريين والخسائر المادية التى تتكبدها الدولة. ويتفق معه الدكتور عبد الفتاح هلال، رئيس هيئة الكهرباء السابق فى أن وزارة البيئة أعدت دراسة ذكرت فيه الخسائر التى ستتكبدها الدولة نتيجة استخدام الفحم والتى تجاوزت الثلاثة مليارات دولار سنويا، هذا فضلا عن أن تأهيل محطات الكهرباء وإعادة استخدامها لتناسب استخدام الفحم بدلا من الغاز أمر يحتاج إلى ملايين الدولارات، وهذا ما يطرح سؤالا لما لايتم استغلال هذه الأموال فى صيانة المحطات أو بناء أخرى جديدة أو حتى استغلالها فى إنشاء محطات توليد الطاقة من الرياح أو العودة إلى إنشاء محطات الطاقة النووية التى ستدر الكثير من الطاقة والخير على مصر. وقال إن هذه المشروعات غير مطروحة فى الوقت الحالى على الرغم من أن الدرسات التى أجريت حول مشروع الطاقة النووية معدة ومنتهية، والأغرب أن الجميع يعلم أن استخدام الفحم ليس بالأمر السهل، فتقديرات المتخصصين أننا نحتاج إلى أكثر من خمس سنوات لجنى الثمار وحتى نصل إلى هذه المرحلة سنتكبد الكثير من الخسائر، لاسيما أن أغلب محطات الكهرباء فى مصر فى حاجة إلى صيانة ملحة غير قابلة للتأخير، وعليه فنحن على وشك كارثة. وقال إننا موقعون على العديد من الاتفاقيات الدولية التى تحرم علينا الإضرار بالبيئة وتحصل مصر على الكثير من المزايا المادية نتيجة المشاركة فى هذه الاتفاقيات، وعند استخدام الفحم فى محطات غير مجهزة لتوليد الكهرباء سيسبب ذلك الكثير من الضرر للبئية، مما سيترتب عليه العديد من المشاكل الدولية وسيعرضنا للكثير من العقوبات وعلى رأسها إيقاف ملايين الدولارات التى تتلقاها مصر سنويا، هذا فضلا عن أنه سيكبدنا دفع تعويضات بالملايين. ونوه إلى أن اتحاد الصناعات وضع شروطا لاستخدام الفحم لتوليد الطاقة، وطالب الحكومة بتنفيذها، هذا فضلا عن مطالبته بضرورة البحث عن طاقة بديلة لتقليل مخاطر استخدامه، حيث إن المستفيد الوحيد من هذا القرار هى مصانع الإسمنت والحديد، لذا من الضرورى - والكلام يعود إليه - الاستعانة بالخبراء والمتخصصين والأخذ بمقترحاتهم لحل هذه الأزمة بعيدا عن استخدام المقترحات الهدامة. فى حين شجع الدكتور هشام رأفت، أستاذ هندسة البترول بجامعة عين شمس هذا الاقتراح، مؤكدا أن هناك العديد من الدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها ألمانيا والصين تستخدم الفحم لإنتاج الطاقة وكلتيهما أحدث طفرة اقتصادية وصناعية بعيدا عن النقد غير البناء . وأوضح أن مصر حاليا تعيش فى وضع حساس اقتصاديا، لذا من الضروى البحث عن بدائل للطاقة لمواجهة التحديات والمتطلبات واستخدام الفحم ليس بجديد علينا فسبق واستخدمناه، لكن الأمر يحتاج إلى بعض الدعاية الإيجابية بعيدا عن الأفكار الهدامة .