رئيس جامعة المنيا يشهد مهرجان حصاد كلية التربية النوعية 2025| صور    المجلس القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوى بعنوان "النساء يستطعن التغيير"    هل تتغير أسعار الفائدة على الشهادات الادخارية في البنوك بعد قرار البنك المركزي ؟    الشباب وتحديات اكتساب المهارات الخضراء لمواجهة تغير المناخ| تقرير    الأمم المتحدة: تهجير واسع ومقتل مئات المدنيين في غزة    الإمارات تدين إطلاق القوات الإسرائيلية النار على وفد دبلوماسي في جنين    3 شهداء في قصف إسرائيلي على منزل في دير البلح بغزة    عبد الله السعيد يؤدي برنامجاً تأهيلياً في الزمالك    وزير الرياضة ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من تطوير استاد المنصورة    اضطراب الملاحة وأجواء حارة.. الأرصاد تعلن طقس الجمعة بدرجات الحرارة    جهات التحقيق تعاين مقر شركة دار التربية بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون    أول تعليق من مايان السيد بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي    إشادات نقدية للفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران في نظرة ما بمهرجان كان السينمائي الدولي    محمد مصطفى أبو شامة: يوم أمريكى ساخن يكشف خللًا أمنيًا في قلب واشنطن    المسجد الحرام.. تعرف على سر تسميته ومكانته    رئيس الوزراء يلتقي وفد جامعة أكسفورد (تفاصيل)    عائلات الأسرى الإسرائيليين: وقف المفاوضات يسبب لنا ألما    ماغي فرح تفاجئ متابعيها.. قفزة مالية ل 5 أبراج في نهاية مايو    تعمل في الأهلي.. استبعاد حكم نهائي كأس مصر للسيدات    40 ألف جنيه تخفيضًا بأسعار بستيون B70S الجديدة عند الشراء نقدًا.. التفاصيل    نماذج امتحانات الثانوية العامة خلال الأعوام السابقة.. بالإجابات    طلاب الصف الخامس بالقاهرة: امتحان الرياضيات في مستوى الطالب المتوسط    الحكومة تتجه لطرح المطارات بعد عروض غير مرضية للشركات    «الأعلى للمعاهد العليا» يناقش التخصصات الأكاديمية المطلوبة    تفاصيل مران الزمالك اليوم استعدادًا للقاء بتروجت    المبعوث الأمريكى يتوجه لروما غدا لعقد جولة خامسة من المحادثات مع إيران    بوتين: القوات المسلحة الروسية تعمل حاليًا على إنشاء منطقة عازلة مع أوكرانيا    الأعلى للإعلام يصدر توجيهات فورية خاصة بالمحتوى المتعلق بأمراض الأورام    وزير الرياضة: تطوير مراكز الشباب لتكون مراكز خدمة مجتمعية    البابا تواضروس يستقبل وزير الشباب ووفدًا من شباب منحة الرئيس جمال عبدالناصر    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    بعد ارتباطه بالأهلي.. كوتيسا ينضم إلى أيك أثينا اليوناني بصفقة انتقال حر    محافظ البحيرة تلتقي ب50 مواطنا في اللقاء الدوري لخدمة المواطنين لتلبية مطالبهم    وزير الخارجية يؤكد أمام «الناتو» ضرورة توقف اسرائيل عن انتهاكاتها بحق المدنيين في غزة    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها وجهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية (تفاصيل)    محافظ أسوان يلتقى بوفد من هيئة التأمين الصحى الشامل    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    "سائق بوشكاش ووفاة والده".. حكاية أنجي بوستيكوجلو مدرب توتنهام    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    "آيس وهيدرو".. أمن بورسعيد يضبط 19 متهمًا بترويج المواد المخدرة    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    مشاجرة بين طالبين ووالد أحدهما داخل مدرسة في الوراق    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سامى شرف يكشف ل «الأهرام العربى» أسراراً خطيرة للنظام الناصرى: عبدالناصر كان يستعد لترك الرئاسة.. والاعتكاف فى مبنى الاتحاد الاشتراكى
نشر في الأهرام العربي يوم 16 - 04 - 2014


أحمد محمود سلام
قبل أن تقرأ.. هو رجل يحمل تاريخا ناصعا وتجربة ثرية، ظل وفيا لتجربة جمال عبد الناصر مدافعا عنها، يتحلى بصفات قلما توجد فى هذا الزمان وأخصها الوفاء، وكانت ثورة 25 يناير2011 بمثابة البشارة لوطن بأكمله نحو الحرية، لكنها كانت لديه بمثابة حياة جديدة، وقد عانى كثيرا جراء وفائه للزعيم الخالد جمال عبد الناصر، حيث اعتقله الرئيس السادات فيما يعرف بثورة 15 مايو1971 ليدخل السجن دون ذنب سوى أنه لم ينقلب على الرئيس جمال عبد الناصر، وظل وفيا له. كان سكرتيرا لرئيس الجمهورية للمعلومات ثم وزيرا لشئون رئاسة الجمهورية، وهو من الجيل المؤسس لجهاز المخابرات العامة المصرية، وقد نقلت إليه رغبة مجلة «الأهرام العربى» فى إجراء حديث مطول معه حول ما يحدث فى مصر ورؤاه لأجل المستقبل إلا أن ظروفه الصحية قد حالت، لكنه اختصنى بالدراسة المرفقة لتنشر حصريا من مواطن قومى عربى فى مجلة «الأهرام العربى» التى تعبر عن لسان حال العرب من المحيط إلى الخليج، كما اختصنى بصور نادرة من ألبوم الذكريات، معتذرا عن التصوير مع وعد بحديث حال تحسن ظروفه الصحية، يختص فيه مجلة «الأهرام العربى» بما لديه من أسرار خلال تجربته الثرية.. كل الشكر للوزير سامى شرف الذى يعتز كثيرا بأن "يقترن" اسمه بكونه مواطنا قومىا عربىا وإليكم الدراسة التاريخية التى اختص بها مجلة «الأهرام العربى» أرفق مجموعة صور نادرة ودائما سيظل يحسب لهذا الرجل وفاءه النادر لتجربة جمال عبد الناصر..
زيارة الرئيس جمال عبد الناصر للجزائر
عدت من الجزائر بعد حضور اجتماعات المؤتمر القومى العربى فى الفترة من 5 حتى 11إبريل2005، وكانت إقامتى هناك فى فندق «الأوراسى» على قمة الجبل وكانت المرة العاشرة التى أزور فيها الجزائر، هذا البلد العربى الثائر الأصيل، منها خمس مرات أثناء مرحلة الكفاح المسلح والقتال ضد الاستعمار بهدف إمداد الأحرار بما كان مفروضا وواجبا على مصر الثورة أن تقدمه من عون ودعم، ليتحقق لشعب عربى شقيق استعادة حريته واستقلاله الذى هو أحد ثوابت ثورة عبد الناصر التى تمثلت فى الحرية والاشتراكية والوحدة .
والحديث عما دار فى هذا المؤتمر ليس مكانه الآن .
دخلت غرفة مكتبى بعد غياب حوالى الأسبوع وما إن جلست حتى ظهر أمامى الرئيس جمال عبد الناصر، أو هكذا تخيلت، وبادرنى بقوله :
إزيك يا سامى ؟
إسمع اللى حا أقوله لك .. فقاطعته قائلا :
هو سيادتك معايا فعلا واللى أنا شايفه يا أفندم صحيح؟ جيت إزاى ؟ إنت فين؟
أسئلة كثيرة انطلقت من لسانى وأنا غير مصدق.
رد بهدوئه المعتاد:
يا سامى ما تضيعش وقت.. اسمع اللى حا أقوله واستوعبه كويس..
يا سامى .. فاكر لما سيبتكم يوم 28 سبتمبر 70 وكانت مصر مستعدة لتحرير الأرض العربية المحتلة .. ومتوازيا مع ذلك كانت مصر قد حققت معدل نمو فاق ال 6 % سنويا .. وكان لدينا فائض تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار .. وكانت آخر مراحل بناء السد العالى قد انتهت .. وكانت المقاومة الفلسطينية قد حققت انتصارا على القوى الرجعية، بما يشكل إضافة للقدرة على تحرير الأرض العربية المحتلة انطلاقا من مبدأ ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وأنه لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف .. فاكر طبعا ما حدث فى الخرطوم..
فاكر يا سامى أننا كنا على وشك تحقيق التوازن فى القوى فى المجال النووى بحلول سنة 1971 .
وكان فيه إجماع عربى فى قمة سبتمبر 70 بهدف تحقيق أمل الأمة العربية فى تحرير الأرض .
فاكر يا سامى كل الاستعدادات والترتيبات على صعيد السياسة الداخلية التى كانت تحقق الهدف الذى ناقشناه فى اجتماعات اللجنة التنفيذية العليا فى أغسطس1967 لنصل إلى تعددية حزبية كاملة سنة1975، بدءا بتطبيق مبادىء بيان 30 مارس 1968 لإحداث التغيير ليس فى البناء السياسى، بل بتفعيل ارادة التغيير فى الأشخاص .. فاكر يا سامى لما طلبت منك إنك تجهز لى الدور الحادى عشر فى مبنى الاتحاد الاشتراكى لأقيم فيه تاركا رئاسة الدولة من أجل أن أشارك فى عملية التغيير الشامل، بدءا منى أنا ومعى الصف الأول كله ليتولى الصف الثانى المسئولية ... فاكر الحديث اللى دار بينى وبينك أنت ومحمد فائق فى مكتبى حول وجوب تولى الصف الثانى المسئولية من الآن ..
سيبتكم ولم تكن هناك أزمات تموينية من أى نوع، بل كان لدينا فائض فى جميع المواد الأساسية والوقود يكفى لمدة لا تقل عن ستة أشهر .. فاكر قصة رغيف العيش وما أثير حوله فى مجلس الوزراء وتهديدى للوزراء المعنيين، بأنه إن لم يتم تحسينه ليكون رغيف عيش يؤكل فسوف أبدلهم بآخرين يحسنون الشعور بأحاسيس ونبض الفقير.. كان رغيف العيش بقرش تعريفة .. وأنبوبة البوتاجاز بعشرين قرشا، وعلبة السجائر بخمسة قروش، ولتر البنزين بثلاثة قروش، وساندوتش الفول والطعمية بقرش صاغ، وزجاجة المياه الغازية بقرش صاغ أو تلاتة تعريفة، وكيلو الرز بقرشين صاغ، والبطيخة بقرشين ..كان كيلو اللحم البتلو ب 35 قرشا وكان الجمبرى يوزع مجانا لمن يشترى السمك .. كانت فاتورة استهلاك الكهرباء والتليفونات بقروش، وتذكرة الأوتوبيس أو الترامواى والمترو بقروش .. وكان الجنيه يساوى ثلاثة دولارات ونصف وأربعة عشر ريالا سعوديًا .. ماكانش فيه بطالة .. ولم تكن هناك أزمة تعيينات أو وسائط أو رشاوى، وكل شاب كان واثقا أنه سيعمل وفق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، ولم تكن هناك أزمة إسكان، أو أزمة مهور أو زواج عرفى بالملايين .. ما كانش فيه أموال مهربة خارج البلاد.. كان فيه مرجعية دينية إسلامية قوية ومحترمة تؤثر وتتأثر بالمحيط الإسلامى متمثلة فى الأزهر الشريف وجامعته ..
سيبت لكم «قطاع عام» قادرا على سد احتياجات البلاد فى جميع مناحى الحياة وإن شابت التجربة بعض العيوب أو المشاكل لكنها كانت كلها قابلة للحل، وكانت المشكلة الرئيسية فى بعض نواحى الإدارة أو فى أننا كنا نطبق تجربة اشتراكية بدون اشتراكيين، لكن كانت هذه المشاكل تعالج مع استكمال المسيرة التنموية، وما فيش تجربة إنسانية ليس بها أخطاء، والمهم هو التصحيح وقبول النقد وممارسة النقد الذاتى .
إن حقيقة مشكلة مصر منذ الأيام الأولى لقيام ثورة 23يوليو52 هى التنمية، وهى بناء المجتمع السليم الذى ينتفى فيه اغتراب الفرد ويختفى منه التسلط سواء من الملك أم الإقطاعى أم الرأسمالى المحتكر، الذى كان يستغل الشريحة الكبرى من المواطنين ويفرض على العامل أكثر من خمسين ساعة عمل أسبوعيا مقابل أجر لا يتجاوز جنيهين لا يكفيانه هو وأسرته . و كان القرار هو طريق الحرية السياسية والحرية الاقتصادية، و لقد ذهبنا إلى عدد من قادة الرأى من مختلف الطبقات والعقائد وقلنا لهم: ضعوا للبلد دستورا يصون مقدسا ته، و كانت لجنة وضع الدستور ومن أجل ضمان الحياة الاقتصادية فى المستقبل، ذهبنا إلى أكبر الأساتذة فى مختلف نواحى الخبرة وقلنا لهم: نظموا للبلد رخاءه واضمنوا لقمة العيش لكل فرد فيه، وكان مجلس الإنتاج تلك حدودنا لم نتعدها إزالة الصخور والعقبات من الطريق مهما يكن الثمن واجبنا . والعمل المستقبل من كل نواحيه مفتوح لكل ذوى الرأى والخبرة فرض لازم عليهم، وليس لنا أن نستأثر به دونهم، بل إن مهمتنا تقتضى أن نسعى لجمعهم من أجل مستقبل مصر .. مصر القوية المتحررة .
وجاء فى مقدمة دستور 1956 التى نصت على أن الثورة مسئولة عن تحقيق عدالة اجتماعية وأن التضامن الاجتماعى أساس المجتمع وأن مصر دولة عربية وأن السيادة للأمة، وجاءت مجموعة من المواد ترسم المعالم الاقتصادية للمجتمع الجديد وهى:
المادة السابعة : «ينظم الاقتصاد القومى وفقا لخطط مرسومة تراعى فيها مبادئ العدالة الاجتماعية وتهدف إلى تنمية الإنتاج ورفع مستوى المعيشة» .
المادة الثامنة : «النشاط الاقتصادى الخاص حر على ألا يضر بمصلحة المجتمع أو يخل بأمن الناس أو يعتدى على حريتهم وكرامتهم» .
المادة التاسعة : «يستخدم رأس المال فى خدمة الاقتصاد القومى، ولا يجوز أن يتعارض فى طرق استخدامه مع الخير العام للشعب ».
المادة العاشرة : «يكفل القانون التوافق بين النشاط الاقتصادى العام والنشاط الاقتصادى الخاص تحقيقا للأهداف الاجتماعية ورخاء الشعب» .
المادة الحادية عشرة: «الملكية الخاصة مصونة وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقا للقانون» .
المادة السابعة عشرة: «تعمل الدولة على أن تيسر للمواطنين جميعا مستوى لائقا من المعيشة، أساسه تهيئة الغذاء والسكن والخدمات الصحية والثقافية والاجتماعية».
المادة الثانية والعشرون : «العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة».
والعناصر التى تضمنتها المادة السابعة عشرة هى نفس العناصر التى بدأ الفكر التنموى يتجه إليها فى الستينيات .
وفى أعقاب الوحدة، صدر فى دمشق فى الخامس من مارس 1958 الدستور المؤقت، وتضمن نفس المبادئ مع شىء من إعادة الترتيب، حيث تقدمت المادة السابعة لتصبح المادة الرابعة بينما تقدمت المادة الحادية عشرة إلى الترتيب الخامس، وأصبحت المادة 22 هى المادة رقم 6 .
وأصبح بعد ذلك يتردد، وما زال حتى اليوم أن ثورة يوليو52 بما أتت به من اشتراكية ومن تغليب للاعتبارات الاجتماعية على القواعد الاقتصادية السليمة اعترضت مسيرة ناجحة للاقتصاد المصرى، وقضت على مبادرات فردية كان يمكن أن تقود البلاد إلى نهضة اقتصادية تجنبنا ما نعانيه الآن من مآزق اقتصادية. هذه الآراء تتذرع أيضا بأننا نعود مضطرين إلى السيرة السابقة على عهد الثورة، وبأن تجارب يقال إنها مشابهة لما انتهجته فى الستينيات، قد انتهت إلى الفشل .
ولعل خير دليل على فساد هذه المقولات مجموعة مقالات كتبها أحد الاقتصاديين البارزين ثم جمعها فى كتاب طبع فى بداية الخمسينيات وهو الدكتور محمد على رفعت الذى كان من غلاة المتحمسين لنظام السوق إلى درجة تجعل صندوق النقد الدولى يتوارى خجلا، وهى تظهر أن ما يطلق عليه حاليا « النداء الجديد « هو نداء شديد القدم . قد يكون من المناسب أن نقتبس بعض العبارات التى كتبها الدكتور محمد رفعت وهى تلخص آراءه تحت عنوان «الأوضاع الاقتصادية عشية الثورة «، فأوضح بجلاء ما يلى:
أولا : فساد السياسات الاقتصادية، وتدهور الأوضاع، وتزايد العجز .
ثانيا : قصور مدخرات الأفراد واتجاه معظمها للمضاربات العقارية .
ثالثا : نقص الاستثمارات الأجنبية على المستوى العالمى نتيجة لما خلفته الحرب العالمية، والمطالبة بضمانات ومحفزات له بعد زوال الامتيازات الأجنبية سنة 1937 .
رابعا : لم يتضح أو يرد مصطلح التنمية إلا بعد قيام ثورة يوليو 52 وتوجيهها الاهتمام إلى هذه القضية، التى أصبحت الشغل الشاغل لكل الدول التى حصلت على استقلالها بعد الحرب العالمية والتى خصصت لها الأمم المتحدة نشاطا قائما بذاته من خلال برنامج التنمية وعددا من الدراسات لمتطلبات تنمية اقتصاديات الدول المتخلفة.
كما قدم الدكتور عبد المنعم القيسونى وزير الاقتصاد وهو من الاقتصاديين المؤمنين أيضا بما يسمى النظام الليبرالى، فى بيانه أمام مجلس الأمة فى 27 أغسطس1957 وجاء فيه ما يلى :
« وبمراجعة تاريخ مصر الاقتصادى فى السنوات الماضية، نجد أن معدل زيادة السكان كان دائما يلاحق النمو فى الإنتاج القومى ويمتصه، وأنه كان ثمة ثلاث فرص تهيأ فيها الاقتصاد المصرى للنهوض والوصول إلى درجة التقدم المستمر لولا سوء الأداة الحكومية وفساد النظام السياسى . كانت الفرصة الأولى فى مستهل هذا القرن عندما أنشئ خزان أسوان، وحدث ما يمكن تسميته بالثورة الزراعية الأولى، وزادت رءوس الأموال فى مصر، ولكن الفرصة ضاعت بسبب المضاربة وسوء التقدير، فضلا عن العوامل الخارجية مما أحدث أزمة شديدة سنة 1907 .
وكانت الفرصة الثانية فى العقد الثالث من هذا القرن بعد أن تجمعت أرصدة خارجية فى فترة الحرب العالمية الأولى، ثم زاد الطلب على القطن وارتفعت أسعاره وحدث توسع فى الخدمات العامة وارتفع مستوى الدخل الفردى ارتفاعا ملموسا وبمعدل أكثر من معدل زيادة السكان، لكن الزيادة فى الثروة كانت سيئة التوزيع وتجمعت فى أيد قليلة، وكان النفوذ الأجنبى هو المستفيد فرهن الأراضى الزراعية وتمكن من السيطرة على الاقتصاد القومى، ثم جاءت الأزمة العالمية فعجزت البلاد عن مجابهتها وضاعت الفرصة الثانية للنمو .
أما الفرصة الثالثة فكانت بعد الحرب العالمية الثانية التى نقص الاستهلاك خلالها نقصا كبيرا وادخرت البلاد أرصدة أجنبية، ثم ارتفعت أسعار القطن بفعل عوامل سياسية خارجية فزادت الصادرات زيادة كبيرة، وكان يمكن لحكومة رشيدة أن تستفيد من هذه الفرصة لكى تثبت أقدام الاقتصاد القومى وتوجهه وجهة التنمية المطردة، ولكن الأرصدة بعثرت وتمت مضاربات فردية فى أقوات الناس وثروات الشعب وتصارعت الأهواء والصراعات السياسية الداخلية ما بين الملك والاحتلال البريطانى والأحزاب فضاعت الفرصة الثالثة .
والمعنى الذى يستشف من بيان الدكتور القيسونى هو أن الفرص تقاس بما يتجمع لدى الدولة من موارد مالية، وهو الرأى الذى ساد بين الاقتصاديين لفترة طويلة، والذى جعل الالتجاء إلى التمويل الأجنبى ضرورة يفرضها نقص رءوس الأموال المحلية .
وقد كان الرأى السائد بين الاقتصاديين التقليديين والأكاديميين يتلخص فى الآتى :
أولا: الاستعمار أضر باقتصاديات المستعمرات والاستقلال السياسى يمكنها من تحرير تلك الاقتصاديات من التبعية .
ثانيا : التخصص فى المواد الأولية المترتب على ذلك أدى إلى انخفاض الدخل ومن ثم فإن التصنيع هو السبيل لرفع الدخل وكسر احتكار الدول الصناعية .
ثالثا : انخفاض الدخل والسياسات الفاسدة تنقص المدخرات . إذن هناك حاجة لتجميع المدخرات والحكومة تلعب دورا محفزا، ولكن ليس بديلا للاستثمار الخاص.
رابعا: وبسبب محدودية المدخرات وندرة رجال الأعمال (المنظمين) يجوز للحكومة أن تسهم فى النشاط الاقتصادى ولكن بعيدا عن الروتين الحكومى، وعلى أن تتخلص منه فى أقرب فرصة لتعيده إلى مكانه الأصيل وهو القطاع الخاص .
خامسا : ونظرا لأن البدء من دخل منخفض يجعل المدخرات المحلية متواضعة فهناك ضرورة للاعتماد على رأس المال الأجنبى .
ولم يوضح أحد من هؤلاء السادة كيف أن رأس المال الأجنبى الذى تمتلكه الدول الغنية (الاستعمارية) يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها، من أداة سيطرة إلى أداة بناء صرح الاقتصاد المتحرر !
وكانت التجربة العملية التى خضناها بثورة 23 يوليو 1952 موضحة للحقائق بالبيان العملى وليس بالاستدلال النظرى .
ووفقا للمنهج الذى حددناه، جرى من البداية إصدار عدد من القرارات استهدفت القضاء على الإقطاع والاحتكار، وكان فى مقدمتها قانون الإصلاح الزراعى وتنظيم الإيجارات التى أنهت تسلط الملاك على المنتجين والمستأجرين فى الريف والمدينة، وحدّت بالتالى من المبالغة فى التكالب على الملكية العقارية وما يترتب على ذلك من عزوف المدخرات الخاصة عن الدخول فى مجالات الإنتاج المثمر، وبخاصة الصناعى وتحمل مخاطره .
أما بالنسبة لرأس المال الأجنبى فقد بادرنا بعد أسبوع واحد من قيامها وفى يوم 30 يوليو1952، بالاستجابة لنصائح الاقتصاديين الذين كانوا يرون أن قانون الشركات المساهمة (138لسنة1947) لا يشجع المستثمرين الأجانب، لأنه يحرمهم غالبية الملكية، فأصدرت المرسوم بقانون رقم 130 لسنة1952 بتعديل المادة السادسة من ذلك القانون وكانت تنص على ألا تزيد نسبة رأس المال الأجنبى فى الشركات المساهمة على 49% فأصبحت تنص على أنه يجب تخصيص 49% على الأقل من أسهم الشركات المساهمة للمصريين عند التأسيس أو زيادة رأس المال، ويجوز زيادة النسبة بقرار من وزير التجارة والصناعة بالنسبة للشركات ذات الصبغة القومية، وإذا لم تستوف النسبة فى مدة لا تقل عن شهر فى حالة الاكتتاب العام، جاز تأسيس الشركة دون استيفاء النسبة . وكان الهدف من هذا التعديل اجتذاب رأس المال الأجنبى للمساهمة فى التنمية الإنتاجية فى الميادين التى تتكلف الكثير وتتطلب الخبرة وتنطوى على عناصر المخاطرة، كما هو الشأن مثلا فى حالة الثروة المعدنية، وذلك مع المحافظة على سيادة الدولة والمصلحة القومية العليا .
على أن أهم خطوة فى هذا الشأن كانت إصدار القانون رقم 156لسنة 1953 فى 2إبريل ستة 1953 والذى حدد أسلوب معاملة رأس المال الأجنبى، حيث حدد القنوات الشرعية التى يرد من خلالها سواء نقدا أم عينا أم فى شكل حقوق معنوية وحدد شروط تحويل الأرباح بما لا يتجاوز 10% بالعملة الأصلية، وأجاز تجاوز هذه النسبة فى حدود ما يحققه الاستثمار من عملة أجنبية، وأجاز إعادة تحويل رأس المال الأجنبى بعد خمس سنوات بما لا يتجاوز خمس القيمة المسجل بها . وحددت المادة الثانية شروط الانتفاع بهذا القانون أن يوجه رأس المال الأجنبى إلى الاستثمار فى مشروعات التنمية الاقتصادية ( الصناعة الزراعة القوى المحركة النقل السياحة ) وذلك بعد العرض على لجنة خاصة تشكلت فى وزارة التجارة والصناعة، ويمثل فيها وزارة المالية والاقتصاد والمجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى والبنك المركزى، على أن تبت فى الطلب المقدم لها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديمه، ويعتمد وزير التجارة والصناعة قراراتها .
ونفس الخطوات اتخذت حيال الضرائب غير المباشرة والرسوم الجمركية، وصدرت قوانين وقرارات خلال سنوات 52 و53 بما يحقق الحماية للصناعة المحلية التى كان يقوم بها القطاع الخاص والاهتمام بالإنتاج من أجل التصدير .
(القوانين 325/52 19و 324/1953 و430/1953 و26/1954 و155/1955 ) .
لقد كانت مساهمة رأس المال الأجنبى خلال الأعوام 54و55و56 مذهلة، فلقد دخل مجالان اثنان فقط هما صناعة الأحذية والسياحة . وخلال هذه السنوات أيضا استثمر 440 ألف جنيه فقط أى أنه بعد هذه القوانين التشجيعية لم يستثمر من رأس المال الأجنبى فى مصر إلا أقل من نصف مليون جنيه .
استعان مجلس الإنتاج بأكبر بيوت للخبرة لعمل مسح شامل لمصر بهدف وضع خطة صناعية تفصيلية للمشروعات الإنتاجية اللازمة للنهوض بالاقتصاد، ووضع الخبراء الخطة ووسائل الحصول على الطاقة من كهربة خزان أسوان، كما وضعوا مشروعات للنقل واستغلال الثروات المعدنية وبدأ تنفيذ خطة العمل الصناعى وأعلن عن الاكتتاب للمساهمة فى الشركات الجديدة بدعم من الحكومة وهى المساهم الأول، وقامت عدة مشروعات خدمية حيوية لعل أهمها توليد الكهرباء من خزان أسوان ذلك المشروع الذى كان واجب تنفيذه منذ سنة 1912 بقرار مجلس الثورة فى نوفمبر 1952 وبدأ العمل فيه بواسطة شركة فرنسية فى أغسطس سنة 1953 ثم بدأ إنشاء مصنع سماد أسوان ومعمل تكرير بترول بالإسكندرية وتوسيع معامل التكرير ومد خط أنابيب من السويس للقاهرة، وبدأ فى الوقت ذاته التصنيع الحربى وبناء الترسانة البحرية وكهربة خط سكك حديد حلوان، وحرمت الدولة القمار وأصدرت القوانين العمالية وقانون التعاون، وأنشئت الوحدات المجمعة فى القرى لتكون مجمعا لوحدات علاجية صحية وبيطرية وزراعية وتعليمية . وبنيت مدرسة كل ثلاثة أيام، وأقيم مجلس أعلى لرعاية الفنون وآخر للعلوم وثالث للشباب كما!
أنشئت لجنة الطاقة النووية للأغراض السلمية . وبدأت خطوات تقريب الفوارق بين الطبقات فخفضنا إيجارات المساكن أكثر من مرة، وأقيمت المساكن الشعبية التى يستطيع المواطن فعلا أن يسكنها لا أن يتفرج عليها ويتحسر، لأنه لا يستطيع أن يقترب منها لا أن يسكنها أو يتملكها . وتم شق كورنيش النيل بطول القاهرة كلها . وفى عام 1957 بعث مشروع التصنيع الثقيل وقامت به شركة ديماج الألمانية بذلت أمريكا وإسرائيل جهودهما لعدم إتمام التعاقد مع ألمانيا، حتى لا تتوجه مصر نحو التصنيع الثقيل وفى يوليو1959 افتتحنا مصنع الحديد والصلب فى حلوان وصرحت بقولى :
« إن إقامة صناعة الحديد والصلب فى بلدنا كانت دائما حلما نعتقد أنه بعيد المنال، واليوم حققنا هذا الحلم « .
وفى العام 1954 بدأت الثورة بتمصير الاقتصاد ووضع لبنات قيام صناعة مصرية وكان تمصير شركة « جريشام « للتأمين على الحياة هو نقطة البداية التى أعقبها صدور أمر عسكرى فى نوفمبر 1956 بفرض الحراسة على المؤسسات البريطانية والفرنسية الدولتين المعتديتين، بعد أن جمدت بريطانيا الأرصدة المصرية لديها، والتى بلغت 1500 مؤسسة من بينها بنوك وشركات للتأمين وشركات البترول ثم أنشئت المؤسسة الاقتصادية بعد ذلك . وفى 14يناير 1957 صدر قانون ينص على ألا يقوم بأعمال البنوك وشركات التأمين وفروعها إلا شركات يملك المصريون جميع أسهمها، ويكون المسئولون فيها مصريين على أن ينفذ القانون خلال خمس سنوات، وسبب ذلك أنه تبين أن البنوك الأجنبية فى مصر كان لا يزيد رأسمالها على الخمسة ملايين ونصف جنيه، فى حين أنها تتحكم فى أكثر من مائة مليون جنيه من جملة الودائع فى البنوك التجارية وهى حوالى 195 مليون جنيه، وأن البنوك الإنجليزية والفرنسية لا يزيد رأسمالها المستثمر فى مصر على المليون ونصف المليون جنيه، بينما ودائع المصريين فيها تقترب من مائة مليون جنيه . وكان فى مصر 135 شركة تأمين منها 123 شركة أجنبية ومعظمها فروع لشركات كبيرة فى الخارج وكانت أصولها فى مصر 20 مليون جنيه من مجموع أصول شركات التأمين وهى 38 مليونا . وفى عام 1957 تم تمصير تسعة بنوك هى باركليز والكريدى ليونيه والعقارى المصرى والبنك الشرقى ويونيون والعثمانى والرهونات والأراضى والخصم الأهلى بباريس و16 شركة تأمين و40 شركة كانت تتحكم فى شرايين الاقتصاد .
وفى 14 يناير أيضا صدر قانونان الأول يقصر مزاولة أعمال الوكالة التجارية على المصريين والثانى بإنشاء مجلس التخطيط الأعلى ولجنة التخطيط القومى، وبعدها صدر قرار جمهورى بوجوب استخدام اللغة العربية فى جميع العقود والسجلات والمحاضر وفرض غرامة على من يخالف القرار .
والذين يتحدثون عن العجز فى الميزان التجارى الذى أحدثته الثورة بعد أن كان هناك فائض يغالطون، معتمدين على أن أحدا لن يبحث وراء أكاذيبهم فيعود إلى الخمسينيات وقبل قيام الثورة . والحقيقة أن العجز فى الميزان التجارى 1951 بلغ 39 مليون جنيه بالضبط، وبلغ عام 1952 حوالى 73 مليون جنيه بسبب انتكاس سوق القطن، وفى عام 1953 بلغ العجز 37 مليون جنيه بسبب الحد من استيراد الكماليات وفتح أسواق للمنتجات المصرية، ثم انخفض العجز عام 1954 إلى 20 مليون جنيه وهكذا .
ويقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعى فى مؤلفه « ثورة يوليو52 « أنه حين تسلمت الثورة خزانة الحكومة وجدت عجزا بالميزانية 25 مليون جنيه، واحتياطيا هبط من 75 مليون إلى 16 مليون جنيه نقدا، وفى أعقاب حريق القاهرة فى 26يناير 1952 تم تهريب 126 مليون جنيه وكانت خزانة الحكومة المصرية مدينة للبنك الأهلى بنحو خمسة ملايين جنيه .
فى بداية الثورة كان تعداد مصر حوالى 20 مليون نسمة ونسبة الزيادة السكانية بمعدل 2.8 % سنويا، وكان الاقتصاد يعتمد أساسا على الزراعة نحو 6 ملايين فدان تكفى احتياجات الغذاء فى إطار نمط الاستهلاك فى ذلك الوقت فى مستوى معيشى منخفض، والمحصول الرئيسى هو القطن يصدر أكثر من 80 % منه للخارج والباقى يستخدم فى صناعات مبتدئة تنتج المنسوجات التى تستهلك محليا .
وبالنسبة للصناعة فقد كانت هناك بعض مصانع للغزل والنسيج ومصانع للسكر ومعاصر زيوت ومصنعان للأسمنت ومصتنع لسماد الفوسفات وآخر للسماد الآزوتى . وثلاثة مصانع صغيرة لإنتاج حديد التسليح من الخردة وبعض المصانع اليدوية والحرفية . وفى عام 1952 كانت نسبة الإنتاج الصناعى إلى الإنتاج القومى أقل من 10 % وكانت مصر تعتمد على الاستيراد لمعظم احتياجاتها من الخارج من السلع المصنعة القلم الرصاص والورق والسماد والثلاجة والراديو .. إلخ حتى المنسوجات القطنية أو الصوفية كانت تستورد .
كانت فرص العمل محدودة ومتوسط الأجور قروشا، والبطالة بين خريجى الجامعة برغم عددهم المحدود، لكل هذه الأسباب كان التصنيع عنصرا أساسيا لتقف التنمية على قدمين .
وفى خلال شهور ستة من منتصف سنة 1956 شكلت لجان متخصصة لوضع خطة صناعية ومشروع قانون التنظيم الصناعى .
فاكر لما كلفت عزيز صدقى للقيام بهذه المهمة التاريخية الخطيرة . وشكلت اللجان من خبراء مصريين من الذين برزت كفايتهم فى مجلسى الإنتاج والخدمات من قبل، كما ضمت أيضا جميع الكفاءات العلمية والاقتصادية والفنية ورجال القانون، وعملت ليل نهار وفى نهاية المدة المحددة كان قد تم إعداد مشروع برنامج السنوات الخمس للصناعة ومشروع التنظيم الصناعى، وكانت الخطة طموح جدا بمقاييس ذلك الوقت، وكان قانون التنظيم الصناعى يعنى تحولا كبيرا فى سياسة الدولة، إذ ينص لأول مرة على أن تتدخل الحكومة فى الصناعة .
وعندما عرض عزيز نتائج أعمال اللجان علىّ، لم أوافق على مشروع القانون ولا على الخطة وطلبت أن يطرح ما استقرت عليه اللجان لنقاش ودراسة أكثر توسعا وتم ذلك فعلا . ولقد عارض اتحاد الصناعات الممثل للرأسمالية الكبيرة فى ذلك الوقت، وفى مذكرة مكتوبة تدخل الدولة فى الصناعة، وعارض رؤساء شركات الغزل وهم من كبار الرأسماليين أيضا أن تتضمن الخطة إنشاء مصانع جديدة للغزل والنسيج بحجة أن الموجود منها يكفى احتياجات البلاد وزيادة، وكان لمنطق هؤلاء ما يبرره ألا وهى النظرة الضيقة لمصالحهم الخاصة .
وبعد فترة من الدراسات والمناقشات الواسعة طلبت للمرة الثانية من عزيز صدقى الاستعداد لشرح الخطة الخمسية للصناعة أمام مجلس الوزراء، ولم أشأ أن أدلى برأى مسبق، بل سمحت للجميع بإبداء رأيه فبعضهم أيد والبعض عارض، وعلى مدى أربع ساعات دار نقاش حى طويل حاد كان عزيز صدقى خلالها يقنع ويشرح الخطة مشروعا مشروعا ومصنعا مصنعا، وكانت معظم المعارضة تتجه إلى أن الخطة طموح أكثر من اللازم أو أنها مجرد حلم غير قابل للتنفيذ، وكان التساؤل يدور حول : كيف يمكن للدولة أن تدبر 250 مليون جنيه هى قيمة تكلفة مشروعات السنوات الخمس للصناعة؟
وبعد حوار طويل وواسع من المناقشة خارج مجلس الوزراء وداخله تم وضع الخطة وإقرارها وكلفت عزيز أن يعقد مؤتمرا صحفيا بعد انتهاء مجلس الوزراء ليعلن فيه لأول مرة عن تصنيع مصر وفق خطة متكاملة تشرف عليها الدولة .
إن الذين يتحدثون عن الخير العميم الذى شهدته البلاد قبل الثورة يريدون أن يتناسوا حقائق التاريخ، فبعد أن كنا نستورد تقريبا كل شىء، أصبحنا نعتمد على أنفسنا وننتج معظم ما نحتاجه . أقيمت مصانع الحديد والصلب والألومنيوم والترسانات البحرية والسيارات واللوارى والإطارات والأسمنت والأسمدة والغزل والنسيج .. إلخ . ولولا هذه القاعدة الإنتاجية الضخمة التى أقامتها الثورة وإتاحة فرص العمل للملايين من أبناء الشعب لما أمكن تحقيق العدالة الاجتماعية التى كانت هدفا رئيسيا لثورة يوليو52.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.