كريم عطوان تعرضت قطر إلى أخف العقوبات من جاراتها دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت العقوبة الخفيفة هي سحب كل من السعودية والإماراتوالبحرين سفراءها من قطر. ربما كان الآتي أعظم وأشمل، في ظل إصرار القيادة السياسية في قطر على التدخل في شئون جاراتها في الخليج بشكل خاص، والمنطقة العربية بوجه عام. التحرك الخليجي ضد قطر له أسبابه الوجيهة ودواعيه المنطقية. طرف الخيط يبدأ من الدوحة بمشروع مستقبل التغيير في العالم العربي، حيث تم توزيع المهام فيما بين قطر وأمريكا والإخوان المسلمين، بقصد تحفيز الشباب على قيادة التغيير باستعمال أدوات الإعلام الحديث والاتصال الإلكتروني من فيس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها. انحصرت مهمة قطر إلى جانب احتضان التيارات الإسلامية في مشروعين هما: مشروع النهضة، ومشروع أكاديمية التغيير. وإذا كان مشروع النهضة ينطلق من الفكرة التوسعية التي لا تعترف بالحدود الجغرافية لدي الإخوان، فإن أكاديمية التغيير تحوي برامج ودورات نظرية وتدريبات عملية على الثورات والتمرد والمظاهرات وأعمال الشغب، وأغلب قاصديها هم من الشباب الخليجي، والسعوديين بالذات، بغض النظر عن توجهاتهم الأيديولوجية؛ المهم أن يكون (المتدرب) أداة لزعزعة الاستقرار ونسف الأمن وإثارة الشغب، وقبل ذلك كله الإيمان أن (الدوحة) هي قطب الرحى للتغيير في الخليج. حسب تعريف الأكاديمية لنفسها، فإنها مؤسّسة علميّة بحثيّة غير ربحيّة، تأسّست في لندن في مارس 2006؛ ثم تأسس لها فرع الدوحة في 6 سبتمبر 2009. وسرعان ما توسعت، ليتأسس فرع فيينا في 1 مايو 2010. على موقعها الإلكتروني، تقول أكاديمية التغيير إنها «مبادرة شبابية مستقلة، لا تخضع في دعمها لأي دولة أو طرف سياسي. تقوم أكاديمية التغيير، بتدريب الشباب في الدّوحة وفيينا وعبر الإنترنت ومواقع اليوتيوب وتحت عناوين كثيرة منها أفكار الثورة، وأفكار للثوار، وكيفية التعامل مع القوى التقليدية، وتكتيكات التفاوض، وأسلوب رفع سقف المطالب، وتنفيذ خطوات العصيان المدني، وإبراز بعض المعاني الرمزية مثل: حمل المصاحف وإضاءة الشموع ودق الطبول وحمل الأعلام الوطنية. ويعتبر بذلك مشروع النهضة هو المُنَظِّر والمرجع لأكاديمية التغيير، ويصبَّان معًا في رافد واحد هو الشباب ودفعهم للتغيير والاحتجاج. و نشير إلى مسألة بالغة الأهمية في الموضوع؛ إذ يترأس هذه الأكاديمية ذات النهج المعادي لدول الخليج، هشام المرسي، صهر يوسف القرضاوي. كانت البداية في 2004، عندما قام هشام المرسي الموجود في لندن - حينذاك- مع اثنين من رفاقه بإنشاء صفحة على الإنترنت هدفها تعليم الشباب بمصر أدوات العصيان المدني. وفي 2005، جاء وائل عادل (أحد رفاق هشام المرسي) إلى القاهرة لإعطاء 30 عضوًا من حركة كفاية دورة تدريبية حول العصيان المدني استمرت ثلاثة أيام. وفي 2006، قام هشام المرسي بإنشاء أكاديمية التغيير لتعليم الشباب العرب أدوات العصيان المدني والتظاهر وحرب اللاعنف .. إلخ. في عام 2007، أصبحت الأكاديمية مأوى رسميًا لعدد كبير من النشطاء العرب بصفة عامة والمصري بصفة خاصة. بدأت الأكاديمية في تقديم دورات جديدة وطباعة الكتب وتوجيه المحاضرات عبر مواقع الإنترنت، وكان أبرزها في ذلك العام برنامج «الدروع للحماية من الخوف»، الذي قدم شرحًا وافيًا لكيفية مواجهة الشرطة سواء في حالة الدفاع أم الهجوم، مستوحاة من كتابات جين شارب و»أوتبور» (منظمة شاركت في إسقاط سلوبودان ميلوسوفيتش رئيس صربيا في عام 2000، وتعد الأب الروحي لحركة 6 إبريل). في كتاب «قطر هذا الصديق الذي يريد بنا شرًا»، الذي وضعه اثنان من كبار الصحفيين الفرنسيين وهما نيكولا بو، وجارك ماري بورجيه، نطالع تفاصيل مثيرة عن «أكاديمية التغيير». يوضح الكتاب أن شارب هو مؤسس «معهد أينشتاين» بإشراف الاستخبارات الأمريكية مع الصربي سردجا بوبوفيتش، الذي عمل للثورات البرتقالية في أوكرانيا وجورجيا، ويضيف أنه بعد مغامراته تلك فإن شارب راح يستقبل المتدربين الذين ترسلهم قطر وأمريكا إلى بلغراد. وفي معهد أينشتاين هذا تدرب المصري وائل عادل، وهو عضو في أكاديمية التغيير في قطر، وأحد مؤسسيها في لندن ومدير القسم الإعلامي فيها. أعدّ رسالة الماجستير في الإعلام بعنوان «رؤية إعلامية لبناء مجتمعات قوية»، وصدر له «زلزال العقول» و99 وسيلة لمقاومة المسؤول الفاسد» و»حرب الصدور العارية». قدمت «أكاديمية التغيير» عددًا كبيرًا من الوجوه الشابة في ظل «الربيع الإخواني» سواء كان ذلك بتأثير مباشر في الدوحة أم بتأثير غير مباشر عبر شبكات الإنترنت، ويشير البعض إلى أن من أبرز هذه الأسماء عبد الرحمن منصور، أدمن صفحة «كلنا خالد سعيد» في مصر. وكما أصبح هشام المرسي، نجمًا مدللاً في الدوحة، كذلك أصبح ذراعه اليُمنى التونسي رفيق بن عبد السلام بوشلاكة، وكانت بدايته أيضًا في لندن. عمل كباحث بجامعة وستمنستر، ومركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، وأسس المركز المغاربي للبحوث والترجمة؛ ثم جاء الاستدعاء له من الدوحة كما جاء لمن قبله ليتولى رئاسة قسم البحوث في مركز الجزيرة القطرية؛ ثم جاءه استدعاء مرة أخرى، ولكن في تلك المرة كان والد زوجته سمية، الشيخ راشد الغنوشي، بعد أن سيطرت حركة النهضة على حكم تونس ليتولى رفيق بن عبد السلام بوشلاكة، وزارة الخارجية في ديسمبر 2011، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى مارس 2013. جدير بالذكر أن سمية زوجة رفيق عبد السلام، وابنة راشد الغنوشي، تعمل باحثة في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، وكاتبة في صحيفة «الجارديان» منذ 2006، وهو نفس حال رفيق مع جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية. في مصر، كان أول نشاط ملموس لأكاديمية التغيير في العام 2006، في منطقة المحلة في مصر، حيث نظم أكثر من عشرين ألف عامل نسيج إضرابًا لمدة ستة أيام. بعدها جرى تأمين الرعاية الإعلامية والتمويلية للأكاديمية، وقد قيل من جانب مراقبين بوجود رابط ما بين الأكاديمية وحركة 6 إبريل في مصر، حيث تلقت الأخيرة دعمًا كبيرًا من الأكاديمية، كما أنها سهلت لها العلاقة بواشنطن بما سمح للحركة بالمشاركة بوفد في اجتماع بنيويورك في 20 نوفمبر 2008. وكذا حضور مؤتمرات عالمية للشباب في مكسيكو سيتي 2009، وآخر في لندن 2010. لعبت الأكاديمية ذات الدور في البحرين، ولكن ببث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد على أساس مذهبي، وتكرار السيناريو العراقي في البحرين. المخطط الذي يحاك ضد البحرين، حاول البعض تصديره إلى السعودية، إلا أنه باء بالفشل لعدم التجاوب مع دعاة الفتنة. فقد قامت مجموعة غير معروفة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بدعوة السعوديين للتظاهر أسوة بما حدث في تونس ومصر وبقية دول الربيع العربي، إلا أن هذه الدعوة لم تلق قبولاً. كان للإمارات نصيب من المؤامرة. أما عن المهمة الأمريكية في المشروع فتمثلت في احتضان الشباب الليبرالي وعلى رأسهم شباب حركة 6 إبريل من خلال نشطائهم الذين يعملون في واشنطن. الإعلام القطري، ومن يدور في فلكه، حاول تصوير الخلاف في علاقات الرياض، وأبوظبي، والمنامة من جهة مع الدوحة، على أنه خلاف على الشأن المصري، فقط، وهذه محاولة للتقليل من حجم المشكلة. والحقيقة أن تسمية وزارة الداخلية السعودية مثلاً، جماعاتٍ، باعتبارها منظمات إرهابية، بما فيها، جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الحوثي في اليمن، لا ينفصل عن الارتباط بإعلان سحب السفراء من قطر. إن دعم الحوثيين، والإخوان، في مصر وفي الدول الخليجية الثلاث، واستضافة أكاديمية التغيير، التي تدرب على التظاهرات والاحتجاجات في البحرين، وغيرها، هي إحدى إشكاليات العلاقة، التي ترّفع البيان المشترك عن ذكرها. وقد لمس بيان الدول الثلاث كبد الحقيقة عندما ذكر نصًا «أن قرار سحب السفراء اتخذ بعد فشل جميع الجهود في إقناع قطر بالالتزام بمبادئ عدم التدخل في الشئون الداخلية». يتوازى هذا التوجه مع ممارسات قطرية أخرى، تبدأ من استضافة الملاحقين أمنيًا من قيادات الإخوان وتيارات العنف، وتمر بتقديم الدعم المالي واللوجستي لجماعة الحوثيين في اليمن، وإتاحة منابر إعلامية ودينية لمهاجمة دول عربية شقيقة، كما تفعل قناة الجزيرة، وكما يحدث مع يوسف القرضاوي، ووصولاً إلى إنشاء ودعم منظمة «كرامة»؛ هذه المنظمة التي لا شغل لها إلا تقصي أخطاء دول الخليج عدا قطر، بل ومعظم الأوقات اختلاق افتراءات عن دول الخليج، خصوصاً الإمارات والسعودية، بهدف تشويه صورة تلك الدول وسمعتها في الداخل والخارج عبر تنظيم ندوات تحت ستار الحديث عن حقوق الإنسان في تلك الدول، ودفع أموال للبعض لتنظيم مظاهرات واحتجاجات مناهضة لدول خليجية في عدد من الدول الأوروبية المختلفة. عبر بوابة «أكاديمية التغيير» أغدقت قطر الأموال على الرموز التي تعارض نظام الحُكم في البلدان المجاورة لها ودول عربية أخرى، كما أنها وظفت المال السياسي وشركات العلاقات العامة في الولاياتالمتحدة والغرب للنيل من مصالح تلك الدول، والعمل على دعم كل ما يضر بمصالح جيرانها. اللافت للانتباه هو إصرار الدوحة على هذا النهج المعادي لدول عربية مجاورة، وهو ما يمكن استشفافه من تقارير سياسية وإعلامية عدة. وحسب مصادر مراسل قناة «العربية» في المنامة، فقد تحدثت السلطات البحرينية مع السلطات القطرية حول الدور المشبوه الذي تلعبه «أكاديمية التغيير»، إلا أن السلطات القطرية لم تتخذ أي إجراء إزاء ذلك. دعونا نشير إلى أنه قبل إعلان قرار السعودية والإماراتوالبحرين، سحب سفرائها من قطر، عقد لجنة إدارة المخاطر التابعة لمجلس التعاون الخليجي اجتماعًا في الكويت، وجهت فيه الأنظار إلى الأدوار التخريبية التي تقوم بها قطر في منطقة الخليج، ورصدت تحركات «أكاديمية التغيير»، التي تبدو ذراع قطر في الخارج التي تتحرك بتنسيق - إنما لم يكن بترتيب- مع أجهزة المخابرات الأمريكية في الاجتماع المذكور، اتفق خبراء المخاطر على ضرورة اتخاذ إجراءات محددة ضد قطر.. وقد كان. المسألة على قدر كبير من الخطورة، وتفاعلاتها مستمرة.