الدبلوماسية الرصينة لم تتأخر فى السعودية والإمارات عن دعم مصر منذ اللحظة الأولى ثم تبعتهما البحرين والكويت تمويلات سخية تتدفق من الدوحة إلى «حماس » لتمويل الإرهاب المتصاعد فى القاهرة
تسرب بعده وانكشف بعض من الخطوات الساخنة التى سبقت صدوره، والتى تصاعدت وتيرتها بشكل كبير خال شهور وجيزة، فى البداية كان التباين واضحا وحادا حول الموقف من ثورة مصر 30 يونيو فالدبلوماسية التى توصف بالرصينة، لم تتأخر فى السعودية والإمارات عن دعم مصر منذ اللحظات الأولى، وتبعتهما البحرين والكويت بعد ساعات محدودة فى نفس الاتجاه، وبقيت قطر وحدها تغرد خارج السرب، وكان من داخل الموقف الخليجى العام مقبول أن تتباين المواقف، وترك الأمر لتستوعب قطر أن القطار المصرى قد تحرك ولن توقفه آراء قطرية دعما أو خصما، لكن الأمر مع مرور الوقت بدا شائكا، فقد فوجئ أشقاء الخليج بها تتخذ مواقف أبعد مما هو متوقع بكثير فى وصف ما جرى فى مصر بالانقلاب العسكرى والتورط الكبير فى دعم الإخوان على كل المستويات خارجيا وداخليا، لم يكن تسخير قناة الجزيرة الناطقة بالعربية والإنجليزية هو حالة التشهير وترويج الأكاذيب ضد مصر هو التحرك الوحيد بل تعداه ليصل إلى دبلوماسيى دولة قطر بكاملهم، وهم يجوبون أطراف العالم أجمع للتحريض على مصر والتواصل مع كل من يتحفظ على الثورة المصرية، وأهمهم بالطبع الاتحاد الأوروبى وأمريكا، وسبب هذا الموقف وتصاعده وانزلاق قطر فيما هو أبعد وأخطر لدرجة بدء انكشاف تمويلات سخية تتدفق من الدوحة إلى حماس، لتمول الإرهاب المتصاعد فى القاهرة سبب هذا الموقف ضيقا بالغا داخل مجلس التعاون الخليجى، وإن ظل مكتوما يبحث عن أروقة الدبلوماسية للبحث عن حلول للتهدئة، وتعهد النظام السعودى بحل هذا الموقف وفى اجتماع جانبى لم يفصح عنه فى حينه ما بن العاهل السعودى وحضره ولى العهد ووزير الخارجية سعود الفيصل مع الأمير تميم أمير قطر، تم إباغ الأمير بمجموعة من المطالبات الخليجية العاجلة كان أهمها. أولا: وقف دعم قطر لحركة الإخوان المسلمين فى أى اتجاه مالى أو إعامى أو لوجيستى، مع قطع كل الاتصالات ما بين قطر وجبهة النصرة فى سوريا، بعد تعقد الموقف ونشوب الصراع ما بينها وبن داعش وعدم حسم اتجاهات التحرك فى هذا الملف. ثانيا: وقف التدخل فى الشأن اليمنى وعدم دعم الحيثيين هناك بعد أن تسبب الدعم المالى والمخابراتى القطرى فى قلب الموازين فى اليمن وتحولها إلى فيدرالية من ست دويلات صغيرة متناحرة، وتم ذلك لصالح
الإعامية خاصة وهى تنتهج طوال الوقت التدخل فى الشأن العربى والخليجى، وفق أجندة لا تخدم المصالح الخليجية والعربية بأى شكل. رابعا: وقف تدخل قطر فى الشأن المصرى أيًّا كان مع الاخوان أو دعم حماس وغيرهم وخاصة المتورطين فى أعمال الإرهاب داخل الأراضى المصرية فى سيناء وغيرها. خامسا: إغاق المنظمة التى تسمى «أكاديمية التغيير » ومقرها الدوحة ولها فروع فى أوروبا بسبب احتضانها لأشخاص وتيارات مناهضة لكل الدول العربية، وتساهم فى تدريبهم وتأهيلهم لقلب الأوضاع فى بلدانهم، علما بأن من يديرون هذا الكيان ويقومون بالتدريب ليسوا فوق مستوى الشبهات على الإطلاق. وعندما علم أمير قطر بأن هذه المطالبات هى بالفعل توجيهات صارمة خرجت من مجلس التعاون الخليجى، وكلفت السعودية بإنذار قطر من خلالها، تعلل الأمير بأن هذا هو ميراث والده الأمير السابق، والذى سبب بالفعل ارتباكا كبيرا فى السياسة القطرية، والتى كان حمد بن جاسم رئيس الوزراء له يد فى إقرارها لكنه سوف يقوم بتعديل، وتبديل الأمور على الفور بما يضمن عودة التوافق إلى سابق عهده، وبما يحقق أمن الخليج الكامل، وبالفعل وقع الأمير تميم التعهد والتزم بتنفيذ الاتفاق خال ثاثة أشهر من تاريخ هذا الاجتماع العاصف، إلا أن المدة انتهت ولم ينفذ أيًّا منها!! ولم يكتف الأمير القطرى بعدم تنفيذ هذا التعهد الذى بدا جديا بصورة لا يمكن تجاهله وفق أى منطق أمنى أو دبلوماسى، بل يكاد يكون وفق الرصد الخليجى قد تمادى فى كل المسارات التى أشارت لها الوثيقة الموقعة منه شخصيا، ووصل من البحرين تقرير أمنى غاية فى الخطورة يتحدث عن توافر معلومات مؤكدة عن تورط دولة قطر، وبمساعدة عناصر إيرانية فى التفجيرات التى حدثت فى المنامة الأسبوع الماضى والذى ذكرت فيه وزارة الداخلية البحرينية بأن الحادث وقع أثناء أداء رجال الشرطة البحرينية لمهامهم فى التصدى لمجموعة وصفتها بالإرهابية فى منطقة الدية شمال العاصمة البحرينية المنامة، وذكرت الوزارة على صفحتها الرسمية أن أفراد الشرطة الثلاثة قتلوا فى انفجار كبير أثناء تصدى قوة حفظ النظام لعدد ممن وصفتهم بالإرهابيين فى المنطقة، وقالت الوزارة إن قوات حفظ النظام تصدت لمجموعة خرجت عن خط سير ختام عزاء متوفى بالمنطقة، حيث قامت بأعمال شغب وتخريب وإغلاق الشوارع ما استوجب اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم، وبالعودة إلى المتحدثة باسم الحكومة البحرينية التى قالت: إن ) كتلة الوفاق الشيعية ( كانت تدعو إلى الخروج فى مسيرة كبرى لشاب توفى بالسكلر، وتدعى أنه قضى تحت التعذيب، وهذا بحد ذاته فبركة وتحريض ودعوة إلى العنف، وأن نبذ العنف يبدأ من اللفظ إلى الفعل. فمن المؤسف أنه بعد كل حادث أليم تخرج المعارضة ببيان لا يذكر الحقيقة، وعند تطبيق القانون بحق الإرهابين تخرج جمعيات المعارضة السياسية مدافعة عنهم، ومحرضة ضد البحرين أمام الرأى العام الدولى، وتضيف للعنف صفات كثيرة لا تختزل فى بيان بعد كل جريمة، وإن تصرف البحرين هو تطبيق القانون بحق الإرهابين، فلدى البحرين قانون مكافحة الإرهاب وهو الذى سيطبق، وإن ) سرايا الأشتر أو المقاومة ( التى نص عليها بيان المعارضة السياسية، مسميات لمنظمات إرهابية أخذت صبغة دينية لممارسة الإرهاب فى البحرين. لم تكن تلك الممارسات الإرهابية إلا صورة متكررة نتابعها فى مختلف الوطن العربى، وكأنها فصل متكرر بتنويعات مختلفة حتى فى التصريحات السياسية، وأداء من يسمون أنفسهم بالمعارضة، وهم فى الأصل ينزلقون فى التحالف مع الإرهاب ويدعمونه بكل السبل والوسائل الممكنة، وعلى الفور شمل التقرير الذى رفع إلى مجلس التعاون الخليجى ثلاث منظمات ) سرايا الأشتر ائتاف 14 فبراير سرايا المقاومة( اعتبرتهم السلطات البحرينية جماعات إرهابية، وضمنت فى تقريرها الأدلة المادية والمعلوماتية حول وقوف دولة قطروإيران خلف هذه التنظيمات، وهذا العمل الإرهابى المتكرر الذى يراد به إشعال الموقف فى البحرين مرة أخرى، بعد أن حاولت إيران اختطافها أثناء فترة ما سمى بالربيع العربى، ويكاد هذا التقرير يطلق عليه القشة التى عجلت بصدور قرار سحب السفراء الذى صدر ليس فجائيا بل وسط تلكؤ قطرى كبير، خاصة بالنسبة لغلق أكاديمية التغيير وهى تضم أعدادا ليست بالقليلة من حاملى الجنسية البحرينية وتابعين للمذهب الشيعى.
وتأثيره على حوار التوافق الوطنى البحرينى، يشار إلى أن الديوان الملكى البحرينى أعلن يوم الأربعاء الماضى أنه ينتظر من جميع المشاركين فى الحوار رفض العنف صراحة، ونبذ كل خطاب ينطوى على الكراهية للتأسيس لأرضية مشتركة لاستكمال الحوار، وأكد أن على الجميع تبنى خطاب جديد يدعو إلى التعايش والانفتاح على الآخر البحرينى، كما أشار الديوان الملكى إلى أن الاجتماعات مع الأطراف المعنية باستكمال حوار التوافق الوطنى فى شقه السياسى، مستمرة من أجل التوصل إلى جدول أعمال توافقى للدخول فى مرحلة جديدة. ولكن مع ذكر أكاديمية التغيير مرة أخرى، ودورها فى إشعال الموقف الخليجى برمته وتقدم دوله الكبرى فى خطوات غير مسبوقة، لابد أن نلقى عليها ضوءا كاشفا لما كان لها من دور فى مصر ولارتباطها الوثيق مبكرا بجماعة الإخوان المسلمين، فلم يكن وائل غنيم هو الشخص المصرى الوحيد الذى تبلغ عن اختفائه أثناء اندلاع مظاهرات يناير 2011 المطالبة بإسقاط النظام فى مصر، لم يكن هو الشخص الوحيد الذى قامت قوات الأمن المصرية بإلقاء القبض عليه ثم أفرجت عنه بضغوطٍ غربية، الشخص الآخر هو «دكتور هشام مرسى » زوج ابنة الدكتور يوسف القرضاوى، الطبيب المقيم بقطر المصرى البريطانى الإخوانى، ومؤسس أكاديمية التغيير بالدوحة، والتى تمتلك فرعا فى فيينا ومركز دراسات فى لندن، وهى الأكاديمية التى تقوم بتدريب النشطاء على كل شىء شاهدناه وسنشاهده فى أى مظاهرة أو أى تغطية إلكترونية لأى حدث عام، أكاديمية التغيير التى هى فرع أصيل من فروع «مشروع النهضة » لمؤسسه ومنظره ومفكره «القطرى جاسم سلطان ،» مشروع النهضة إذن حقيقة وليس خيالا كما حاول الإخوان فى مصر التصوير والهروب من ملاحقات الإعلام والمعارضة لهم، مشروع النهضة له صاحب وله صانع هو هذا الرجل القطرى جاسم سلطان الذى حل جماعة الإخوان فى قطر عام 1999 !! وهى فرع الجماعة التى حلت نفسها فى مشهد نادر لم يحدث أو يتكرر فى أى بلد تواجدوا فيه منذ عام 1928 م، حلت الجماعة نفسها لكى تندمج فى النظام الحاكم فى قطر، وبشرط عدم التحرك داخل قطر بأى نشاط، ولها مطلق الحرية بالعمل خارجها، بل ويتم دعمها فى ذلك، من خلال التمويل الكامل لأنشطة الأكاديمية، ومن قبلها جبهة علماء المسلمين مرورا بكل أنشطة الإخوان فى أى بلد عربى، خاصة إذا كانت هذه الأنشطة تتم على الأراضى الأوروبية أو أمريكا بالتنسيق مع التنظيم الدولى وبإشرافه الكامل على هذه الفاعليات. فى مشهد أكد المشرف العام على موقع ومشروع النهضة المفكر القطرى جاسم سلطان أن حصيلة المراجعات التى أجراها من خلال تجربته مع تنظيم الإخوان المسلمين فى قطر متاحة، وأن نقد تجربته معهم موزعة فى 12 حلقة كتبها فى مراجعة الحركة الإسامية، مؤكداً أنه تجنب النقد المباشر، وأنه مستمر فى الكتابة فى جوانب متعددة من المشروع الإسلامى. وفى حديثه لبعض من وسائل الإعام العربية والأجنبية عزا جاسم سلطان سبب حل تنظيم الإخوان المسلمين فى قطر إلى أن الدولة تقوم بواجباتها الدينية، ومن ثم لم تكن هناك جدوى من وجود التنظيم، كما أن إسقاط الدولة لم يكن ضمن أهدافه، وقال سلطان إن الجزيرة العربية مسكونة بسلطة القديم وسطوة الآباء، مذكراً بأن القرآن الكريم لم يلغ القديم، بل ألغى القديم الذى لا يقوم عليه دليل مطالباً باستخدام العقل فى حل القضايا العلمية والدينية. وأوضح سلطان أنه متفائل «بمشروع النهضة » وأنه لا يجد وسيلة غير التفاؤل، وقال إن تمام أى مشروع ليس بنهاياته، وإنما بنموه شيئاً فشيئاً، موضحاً أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - توفى قبل أن يرى تمام مشروعه وقبل امتداد الدين الإسلامى فى أصقاع الأرض، وحول جوهر المشكلة فى العالم العربى والإسامى أكد سلطان أن تخلف المسلمين هو سبب الاستعمار وأن المنطقة العربية والإسلامية عانت من الضعف فى مقابل قوة أكبر، أما عن الفريق التأسيسى لأكاديمية التغيير الذى أسس فى عام 2006 فهم د. هشام مرسى المدير العام، أ. أحمد عبد الحكيم مدير قسم الدراسات، م. وائل عادل مدير القسم الإعلامى. وقد وضعوا كلمة موجزة ودالة عن نشاط المركز تقول بوضوح: « نحن مجموعة من الشباب الباحث، جمع فى دراسته بين العلوم التطبيقية والإنسانية، محاولاً الإجابة عن الكثير من الأسئلة العلمية المطروحة على المجتمعات فى طريق تقدمها. نؤمن أن المجتمعات لا يتغير عالم أشيائها إلا إذا تغير عالم أفكارها، فبدأنا العمل البحثى تمهيداً لزلزال العقول .» انتهت الكلمة الموجزة والمؤسسة لما سمى بأكاديمية التغيير ولم تنته الاتهامات لهؤلاء المنظرين بالتعاون مع أشخاص وكيانات ودول ليسوا جميعهم فوق مستوى الشبهات، فقد ضمت تلك الأكاديمية بفروعها داخل قطر وخارجها مجموعة من المدربن والمدرسن، يحملون جميعا جنسيات غربية، ويحملون أيضا فكر هدم الدول وإعادة تكوينها، وفق أنظمة جديدة هلامية غير محددة المعالم، وقد انخرط فى عمل هذه الأكاديمية أسماء من روجوا للشرق الأوسط الكبير وللثورات الملونة ولعالم ما بعد الدول القائمة، ولأن ما ظهر من أحداث أعقبت هذا التحالف المريب وما ضخ من أموال رصدتها الأجهزة المعلوماتية والمخابراتية وكثيرون من المتابعين لهدف «زلزال العقول »، كما ذكر فى بيانها التأسيسى هدفا رئيسيا لهذا التجمع ولهذا النوع المريب من المراكز التى تسمى نفسها أكاديمية، ولأن هذا الارتباط المبكر بدولة قطر قد انكشف بشكل كبير، وهى الدولة التى لم تترك فرصة واحدة دون تآمر على دول المنطقة، غير دولة مصر كان واضحا دون لبس دور قطر فيما حدث لليبيا من اللحظة الأولى، والتى تطالعنا اليوم كثلاث إمارات بعد تعرضها لمقصلة التقسيم، وفى حرب سوريا لعبت الدور الأكبر فى رعاية الجيش الحر ومن بعده جبهة النصرة وداعش تمويلا وتجهيزا، والذين أعلنوا بنفس وضوح المؤامرة أن هدفهم الرئيسى هو حرب النظام هناك حتى الوصول لنفس مربع التقسيم الكريه. ولم ينته هذا الأسبوع الفارق والمزلزل خليجيا قبل أن تتبع المملكة العربية السعودية قرار سحب السفراء من الدوحة، حتى عاجلت الجميع بقرار أقوى وأعلى دويا وهو اعتبار كل من جماعة الإخوان وجبهة النصرة وداعش وحزب الله جماعات إرهابية صريحة، وهى بذلك تدخل المملكة بجرأة شديدة إلى الصفوف الأولى فى محاربة الإرهاب الذى يحاول ضرب الكيان العربى فى كل اتجاه، وهى تدخل أيضا لصراع قد يكون مريرا مع عش الأفاعى الذين يختبئون خلف تلك التنظيمات فكل منها له ارتباطاته الدولية والإقليمية، فحزب الله على سبيل المثال لا يتحرك بمعزل عن إيران التى وقعت تفاهمات مصالحة مع أمريكا مؤخرا، وهى لاعب رئيسى وكبير فى كل من سوريا والعراق، السعودية التى توصف دوما بدبلوماسية الرصانة والهدوء، عزمت أمرها وفق ما رصدته من مخاطر داهمة تتجاوز محاذير الاصطدام مع قوى أخرى تتسم بالشراسة والمطامع الواسعة، لكنها اختارت المربع الصحيح بكل تأكيد، وحسمت خيار المواجهة الذى لابد أن تنخرط فيه كل من مصر والإمارات العربية والبحرين وبعض من الدول الاخرىالتى تستحق بهذه المواجهه لا محاله.